مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو 2024    الذكاء الاصطناعى.. ثورة تكنولوجية في أيدى المجرمين الجدد    بعد قفزة مفاجئة.. سعر الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم الجمعة 17 مايو 2024 بالصاغة    «نتنياهو» يمضي وحده| واشنطن تنأى بنفسها.. وبايدن يحجب القنابل الأمريكية عن إسرائيل    الاحتلال يواصل إغلاق معبري رفح وكرم أبو سالم (فيديو)    من أجل بطاقة السوبر.. ماذا يحتاج برشلونة لضمان وصافة الدوري الإسباني؟    ملف يلا كورة.. موقف شيكابالا من النهائي.. رسائل الأهلي.. وشكاوى ضد الحكام    أحمد سليمان يكشف عن مفاجأة الزمالك أمام نهضة بركان    هل يشارك لاعب الزمالك في نهائي الكونفدرالية بعد وفاة والده؟    شبانة يهاجم اتحاد الكرة: «بيستغفلنا وعايز يدي الدوري ل بيراميدز»    36 ثانية مُرعبة على الطريق".. ضبط ميكانيكي يستعرض بدراجة نارية بدون إطار أمامي بالدقهلية-(فيديو)    «مش هيقدر يعمل أكتر من كدة».. كيف علّقت إلهام شاهين على اعتزال عادل إمام ؟    يوسف زيدان يفجر مفاجأة بشأن "تكوين": هناك خلافات بين الأعضاء    لطيفة تهنئ عادل إمام بعيد ميلاده: بحبك ل آخر يوم في حياتي    فاروق جعفر: واثق في قدرة لاعبي الزمالك على التتويج بالكونفدرالية.. والمباراة لن تكون سهلة    تحرك جديد.. سعر الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 17 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    يوسف زيدان يهاجم داعية يروج لزواج القاصرات باسم الدين: «عايزنها ظلمة»    " بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    بعد اختفائه 12 يومًا.. العثور على جثة الطفل أدهم في بالوعة صرف بالإسكندرية    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» .. موضوع خطبة اليوم الجمعة    مدارس النصيرات بغزة في مرمى نيران الاحتلال ووقوع شهداء    فصائل عراقية تعلن استهدف موقع إسرائيلي حيوي في إيلات بواسطة الطيران المسير    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    أحمد السقا يكشف عن مفاجأة لأول مرة: "عندي أخت بالتبني اسمها ندى"    شريف الشوباشي: أرفض الدولة الدينية والخلافة الإسلامية    محافظ جنوب سيناء ووزيرة البيئة يوقعان بروتوكول أعمال تطوير مدخل منطقة أبو جالوم بنويبع    محافظ الغربية: تقديم الخدمات الطبية اللائقة للمرضى في مستشفيات المحافظة    الدراسة بجامعة القاهرة والشهادة من هامبورج.. تفاصيل ماجستير القانون والاقتصاد بالمنطقة العربية    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    براتب 1140 يورو.. رابط وخطوات التقديم على وظائف اليونان لراغبي العمل بالخارج    كارثة تهدد السودان بسبب سد النهضة.. تفاصيل    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    حالة الطقس اليوم على القاهرة والمحافظات    ماذا قالت نهاد أبو القمصان عن واقعة فتاة التجمع وسائق أوبر ؟    قوات الإنقاذ تنتشل جثة مواطن سقط في مياه البحر بالإسكندرية    تركيب المستوى الأول من وعاء الاحتواء الداخلي بمفاعل محطة الضبعة النووية    عاجل - واشنطن: مقترح القمة العربية قد يضر بجهود هزيمة حماس    براميل متفجرة.. صحفية فلسطينية تكشف جرائم إسرائيل في غزة    شروط الحصول على المعاش المبكر للمتقاعدين 2024    بعد الانخفاض الأخير لسعر كيلو اللحمة البلدي.. أسعار اللحوم اليوم الجمعة 17-5-2024 في الأسواق    ورشة عمل إقليمية تحت عنوان «الذكاء الاصطناعي مدخلاً لإعادة هندسة منظومة التعليم»    المظهر العصري والأناقة.. هل جرَّبت سيارة hyundai elantra 2024 1.6L Smart Plus؟    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    كلمت طليقى من وراء زوجي.. هل علي ذنب؟ أمين الفتوى يجيب    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الجمعة 17 مايو 2024    كمال الدين رضا يكتب: الكشرى والبط    اسكواش - خماسي مصري في نصف نهائي بطولة العالم    بعد عرضه في «كان» السينمائي.. ردود فعل متباينة لفيلم «Megalopolis»    كاميرا ممتازة وتصميم جذاب.. Oppo Find X7 Ultra    بنده السعودية.. أحدث عروض الهواتف المحمولة حتى 21 مايو 2024    الأمير تركي بن طلال يرعى حفل تخريج 11 ألف طالب وطالبة من جامعة الملك خالد    تعرف على.. آخر تطورات الهدنة بين إسرائيل وحماس    ميلاد الزعيم.. سعيد صالح وعادل إمام ثنائي فني بدأ من المدرسة السعيدية    طريقة عمل بيكاتا بالشامبينيون: وصفة شهية لوجبة لذيذة    للحفاظ على مينا الأسنان.. تجنب تناول هذه الفواكه والعصائر    تنظم مستويات السكر وتدعم صحة العظام.. أبرز فوائد بذور البطيخ وطريقة تحميصها    لا عملتها ولا بحبها ولن نقترب من الفكر الديني.. يوسف زيدان يكشف سر رفضه «مناظرة بحيري ورشدي»    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرصاصة لا تزال فى جيبى 3
نشر في التحرير يوم 09 - 10 - 2011


الشاذلى والجمسى
الأول كان سابق خطة الحرب.. والثانى كان له الفضل فى اختيار توقيت العبور.
الأول هو الفريق سعد الدين الشاذلى، رئيس أركان القوات المسلحة فى حرب أكتوبر العظيمة، والثانى هو المشير عبد الغنى الجمسى، رئيس هيئة العمليات فى المعركة، الذى صار فى ما بعد قائدا عاما للقوات المسلحة.
الاثنان من قلب المعركة يختلفان فى الرؤية، ويتفقان فى الهدف، فأحدهما كان الرجل الثانى، والآخر كان الرجل الثالث فى الحرب. الشاذلى والجمسى كلاهما كان شاهدا على ما جرى منذ نكسة يونيو وحتى نصر أكتوبر، وكلاهما كان يعرف التفاصيل الدقيقة للأحداث والأسرار وخبايا الحرب، التى لم ولن تتاح لأحد غيرهما، ورغم ذلك كان الاثنان الأكثر تعرضا للظلم فى حياتهما. فلم يذكر اسم أحدهما فى احتفالات أكتوبر بالقدر الذى يستحقه، بل إن الفريق الشاذلى كان اسمه محظورا من الذكر، بعد أن تم إجباره على العيش خارج وطنه، الذى حارب من أجله، وذلك بعد صدور الحكم بحبسه بسبب مذكراته. الشاذلى كانت مذكراته غاضبة وصاخبة وقيمة وأشبه بالوثائق التى لا يمكن معرفة الحقيقة كاملة دون الاطلاع عليها، خصوصا أنه كتبها بعد الحرب مباشرة ليدافع فيها عن شرفه العسكرى ومكانه ومكانته فى القوات المسلحة بعد أن تعرض لحملات تشويه لا يتحملها إلا بطل.
أما الجمسى فكتب مذكراته بعد 21 عاما من الحرب، وبالتالى فقد جاءت بعد أن قرأ ودرس وعرف كل ما كتبه الآخرون والأهداف التى تقف خلف ما كتبوه، فجاءت مذكراته مليئة بالأسرار والتفاصيل البديعة التى كان لا بد أن تعرفها الأجيال وتتناقلها فى ما بينها حتى لا تموت الحقائق وتتلون بوجوه كثيرة.
مذكرات الشاذلى
قبل انطلاق معركة السادس من أكتوبر قال قائد الجيش الثانى اللواء سعد مأمون للفريق سعد الدين الشاذلى: إذا فشل العبور فسوف تطير ثلاثة رؤوس فى الهواء، كان يقصد رأسه ورأس اللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث ورأس الشاذلى!
ولم يعلق الشاذلى وقتها، لكنه علق وهو يشاهد الرئيس السادات فى مجلس الشعب فى فبراير 1974، وهو يقوم بتوزيع الأوسمة والأنواط على القادة الذين حاربوا، ولم يكن بينهم الثلاثى «الشاذلى- مأمون- واصل»، قائلا: «لم يكن يتصور مأمون وهو يقول هذا الكلام أن الرؤوس الثلاثة نفسها تطير أيضا لو نجح العبور!».
هذا المشهد يجسد لك حقيقة ما عاناه الفريق الشاذلى الذى كان الرجل الثانى فى حرب 73 بحكم موقعه كرئيس أركان القوات المسلحة، بل إن هناك من يضعه فى مكانة الرجل الأول لهذه المعركة، نظرا لأنه كان يجمع كل خيوط الحرب فى يديه.
من هنا تأتى أهمية مذكراته التى كانت حافلة بالمفاجآت والأسرار والتفاصيل الدقيقة لكل ما جرى على الصعيدين العسكرى والسياسى قبل وبعد وفى أثناء الحرب، لذلك فهى ليست واحدة من المذكرات النمطية التى عادة ما يكتبها قادة المعارك فى أعقاب الحروب.
لكنها تعد من أخطر -وربما أغرب- الوثائق التى تحدثت عن حرب أكتوبر، ويكفى أن تعرف أن محكمة عسكرية أصدرت حكما غيابيا على الفريق سعد الدين الشاذلى بتاريخ 16 من يوليو عام 1983 بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات، بتهمة إفشاء أسرار عسكرية، وترتب على إذاعتها الإضرار بأمن وسلامة البلاد.
بدأ الفريق الشاذلى مذكراته، قائلا: «لم نكف عن التفكير فى الهجوم على العدو الذى يحتل أراضينا حتى فى أحلك ساعات الهزيمة فى يونيو 1967، لقد كان الموضوع ينحصر فقط فى متى يتم مثل هذا الهجوم؟
وفى خريف 1968 بدأت القيادة العامة للقوات المسلحة تستطلع إمكان القيام بمثل هذا الهجوم على شكل «مشاريع استراتيجية»، تنفذ بمعدل مرة واحدة فى كل عام، وقد كان الهدف من هذه المشاريع هو تدريب القيادة العامة للقوات المسلحة -بما فى ذلك قيادات القوات الجوية والقوات البحرية وقوات الدفاع الجوى، وكذلك قيادات الجيوش الميدانية وبعض القيادات الأخرى- على دور كل منها فى الخطة الهجومية. لقد اشتركت أنا شخصيا فى ثلاثة من هذه المشاريع قبل أن أعين رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة.
لقد اشتركت فى مشاريع عامى 1968 و1969 بصفتى قائدا للقوات الخاصة (قوات المظلات وقوات الصاعقة)، واشتركت فى المرة الثالثة عام 1970 عندما كنت قائدا لمنطقة البحر الأحمر العسكرية. وقد جرت العادة على أن يكون وزير الحربية هو المدير لهذه المشاريع، وأن يدعى رئيس الجمهورية لحضور جزء منها، لكى يستمع إلى التقارير والمناقشات التى تدور خلالها، وقد استمرت هذه المشاريع خلال عامى 1971 و1972. أما المشروع الذى كان مقررا عقده عام 1973 فلم يكن إلا خطة حرب أكتوبر الحقيقية التى قمنا بتنفيذها فى 6 أكتوبر 1973».

الخطة «بدر»
وينتقل الشاذلى بحديثه إلى تفاصيل خطة الهجوم على العدو بقوله: «كانت الخطوط العريضة لخطتنا الهجومية بعد أن أخذت صورتها النهائية، وبعد أن تغير اسمها من «المآذن العالية» إلى «بدر» (لم يطلق على العملية الهجومية هذا الاسم إلا خلال شهر سبتمبر 73 بعد أن تحدد يوم الهجوم ليكون يوم 6 من أكتوبر)، تتلخص فى ما يلى:
1- تقوم خمس فرق مشاة بعد تدعيم كل منها بلواء مدرع وعدد إضافى من الصواريخ «مالوتكا» المضادة للدبابات باقتحام قناة السويس من خمس نقاط.
2- تقوم هذه الفرق بتدمير خط بارليف، ثم تقوم بصد الهجوم المضاد المتوقع من العدو.
3- ما بين سعت س+18ساعة («سعت س أى: ساعة بدء العملية)، وسعت س+24 ساعة تكون كل فرقة مشاة قد عمقت ووسعت رأس الكوبرى الخاص بها، لتصبح قاعدته نحو 16 كم وعمقه 8 كم.
4- بحلول سعت س+48 ساعة تكون فرق المشاة داخل كل جيش ميدانى قد سدت الثغرات الموجودة بينها، واندمجت مع بعضها فى رأس كوبرى واحد لكل جيش، وبحلول سعت س+72 ساعة يكون الجيشان الثانى والثالث قد وسعا رأس الكوبرى الخاص به، بحيث يندمج الاثنان فى رأس كوبرى واحد يمتد شرق القناة على مسافة تتراوح ما بين 10- 15 كم.
5- بعد الوصول إلى هذا الخط تقوم الوحدات بالحفر واتخاذ أوضاع الدفاع.
6- يتم استخدام وحدات الإبرار الجوى والبحرى على نطاق واسع، لعرقلة تقدم احتياطات العدو من العمق وشل مراكز قياداته.
إن قرارنا بخصوص عبور قناة السويس على مواجهة واسعة هو عقيدة ثابتة، استقرت فى تفكيرنا العسكرى فى مصر منذ عام 1968».
ويستعرض الشاذلى وضع القوات المسلحة عندما تولى رئاسة الركان بقوله: «عندما شغلت منصب (ر.ا.ح.ق.م.م) كان حجم القوات المسلحة نحو 800000، وقبل اندلاع حرب أكتوبر 73 كانت القوات المسلحة قد بلغت 1,050,000 (مليونا وخمسين ألفا) فى الجيش العامل، يضاف إلى ذلك 150000 كان قد تم تسريحهم وتنظيم استدعائهم خلال السنتين السابقتين للحرب، وبذلك وصل حجم القوات المسلحة إلى 1,200,000 (مليون ومئتى ألف ضابط وجندى)، كان نحو 58% منهم لا ينخرطون ضمن الوحدات الميدانية، ولا شك أن هذه النسبة تعتبر نسبة عالية، إذا ما قورنت بالنسب السائدة فى القوات المسلحة الأجنبية، ولكننا اضطررنا إلى هذا الموقف، نتيجة للعاملين التاليين:
1- إن تفوق العدو الجوى الساحق جعل بإمكانه توجيه جماعات منقولة جوا، لتدمير وتخريب أهدافنا الحيوية المتناثرة فى طول البلاد وعرضها، وإن البنية التحتية Infrastructure والأهداف الحيوية فى مصر، هى أهداف مثالية لجماعات التخريب المعادية، فهناك مئات الكبارى فوق النيل والرياحات والترع، وهناك خطوط أنابيب المياه والبترول التى تمتد مئات الكيلومترات عبر الصحراء، وكذلك خزانات المياه والنفط ومحطات الضخ والتقوية وتوليد الكهرباء.. إلخ.
2- إن التوسع المستمر فى حجم القوات المسلحة كان يفرض علينا زيادة طاقة المنشآت التعليمية، حتى تستطيع أن تلبى مطالبنا المتزايدة فى تدريب الكوادر المطلوبة لقواتنا المسلحة، ولا يمكن أن يتحقق ذلك لا بمزيد من تدعيم هذه المنشآت بضباط الصف المعلمين والإداريين الذين يرفعون من طاقة هذه المنشآت.
إن هيئة أركان الحرب العامة (ه.ا.ح.ع) هى جهاز مركب تركيبا غاية فى التعقيد، إنها تضم نحو 5000 ضابط و20,000 من الرتب الأخرى، وعلى قمة هذا الجهاز يجلس (ر.ا.ح.ق.م.م)، وتحت إمرته المباشرة 40 ضابطا برتبة لواء، كل منهم على قمة فرع أو تخصص أو إدارة لمعاونة (ر.ح.ق.م.م) فى السيطرة على القوات، ولتسهيل عملية السيطرة على تلك القوات ذات المليون جندى، فقد تم تجميعها تحت 14 قيادة هى (البحرية- الطيران- الدفاع الجوى- الجيش الثانى- الجيش الثالث- قوات المظلات- قوات الصاعقة- منطقة البحر الأحمر- المنطقة الشمالية- المنطقة الغربية- المنطقة المركزية- المنطقة الوسطى- المنطقة الجنوبية- قطاع بورسعيد). لقد تعودت فى الماضى أن أخلق نوعا من الاتصال المباشر بينى وبين الرجال الذين أقودهم، لم أكن قط من ذلك الطراز من القادة الذين يستمعون إلى تقارير مرؤوسيهم المباشرين، ويعتمدون عليها اعتمادا كليا فى اتخاذ قراراتهم».

متى تم اختيار توقيت المعركة؟
ينتقل الفريق الشاذلى فى مذكراته إلى لحظة اختيار توقيت انطلاق المعركة، ويرويها بقوله: «فى تمام الساعة 1400 يوم 21 من أغسطس 73 دخلت ميناء الإسكندرية باخرة ركاب سوفيتية، وعليها 6 رجال سوريين، كان يتوقف على قرارهم مصير الحرب والسلام فى منطقة الشرق الأوسط. كان هؤلاء هم اللواء طلاس وزير الدفاع، واللواء يوسف شكور (ر.أ.ح.ق.م.س)، واللواء ناجى جميل قائد القوات الجوية والدفاع الجوى، واللواء حكمت الشهابى مدير المخابرات الحربية، واللواء عبد الرزاق الدردرى رئيس هيئة العمليات، والعميد فضل حسين قائد القوات البحرية. كانوا جميعا بملابسهم المدنية، ولم تُخطر وسائل الإعلام فى مصر أو فى سوريا بأى شىء عن هذا الموضوع، سواء قبل وصول الوفد أم بعده. كنت أنا فى استقبالهم على رصيف الميناء، حيث خرجنا دون أى مراسم إلى نادى الضباط، حيث أنزلوا خلال فترة إقامتهم بالإسكندرية.
وفى الساعة 1800 من اليوم نفسه اجتمع الوفدان المصرى والسورى فى مبنى قيادة القوات البحرية المصرية فى قصر رأس التين بالإسكندرية. كان الوفد المصرى يتكون من الفريق أول أحمد إسماعيل وزير الحربية، والفريق سعد الدين الشاذلى (ر.ا.ح.ق.م.م)، واللواء محمد على فهمى قائد الدفاع الجوى، واللواء حسنى مبارك قائد القوات الجوية، واللواء فؤاد ذكرى قائد القوات البحرية، واللواء عبد الغنى الجمسى رئيس هيئة العمليات، واللواء فؤاد نصار مدير المخابرات الحربية. كان هؤلاء الرجال الثلاثة عشر هم المجلس الأعلى للقوات المصرية والسورية المشتركة، وكان يقوم بأعمال السكرتارية لهذا المجلس اللواء بهى الدين نوفل.
كان الهدف من اجتماع هذا المجلس هو الاتفاق على ميعاد الحرب. وحيث إن قرار الحرب هو فى النهاية قرار سياسى، لا قرار عسكرى، فقد كانت مسؤوليتنا تنحصر فى إعطاء الإشارة للقيادة السياسية فى كل من مصر وسوريا بأننا جاهزون للحرب فى حدود الخطط المتفق عليها، وأن نحدد لهم أفضل التواريخ المناسبة من وجهة نظرنا. استمرت اجتماعاتنا خلال يوم 22 من أغسطس، وفى صباح يوم 23 من أغسطس كنا قد اتفقنا على كل شىء، وأخذنا نعد الوثائق الرسمية لهذا الاجتماع التاريخى. وكان قرارنا يتلخص فى أننا مستعدون وجاهزون للحرب. وفيما يتعلق بتاريخ الحرب فقد اقترحنا توقيتين، أحدهما خلال الفترة من 7 إلى 11 من سبتمبر، والثانى خلال الفترة من 5 إلى 11 من أكتوبر 73.
إضافة إلى ذلك فقد اقترحنا أفضل الأيام داخل كل مجموعة من التوقيتية، وقد طالبنا القيادة السياسية بأن تخطرنا بالقرار الخاص بتوقيت الحرب قبل بدء القتال بخمسة عشر يوما، وقد حرر محضر الاجتماع من صورتين، وتم التوقيع عليهما من قبل كل من (ر.ا.ح.ق.م) السورى والمصرى (اللواء يوسف شكور عن الجانب السورى، والفريق سعد الدين الشاذلى عن الجانب المصرى). كان انتخاب توقيت سبتمبر يعنى أن القيادة السياسية يتحتم عليها اتخاذ القرار وإخطارنا به قبل يوم 27 من أغسطس، أى بعد 4 أيام على الأكثر من تاريخ انتهاء المؤتمر، فلما جاء يوم 28 دون أن نخطر بشىء، بدا واضحا أن الحرب ستكون فى 5 من أكتوبر أو بعد ذلك بقليل».

معركة العبور
فى نهاية سبتمبر (قبل بدء العمليات بنحو أسبوع)، استدعانى الوزير إلى مكتبه، وسلمنى كتابا لقراءته، فأخذت فى قراءته، فإذا هو توجيه بتوقيع السادات، يحدد واجب القوات المسلحة فى العمليات بشكل عام، ولكن هناك جملة واحدة لفتت نظرى وهى «حسب إمكانات قواتنا المسلحة»، كانت هذه الجملة من الناحية النظرية تعنى أن القيادة العامة للقوات المسلحة هى التى تملك القرار الأخير فى تحديد ما هو ممكن وما هو غير ممكن.
لقد كان أحمد إسماعيل سعيدا بهذه الجملة، وإن كان تطور الأحداث فى ما بعد أثبت أن الرئيس السادات كان أكثر ذكاء عندما كتب هذه الجملة، لأنها تعطيه حق التنصل النهائى من أى قرار تقوم به القوات المسلحة، وهى تعلم أنه ليس فى طاقتها.
وبعد أن قرأت التوجيه قلت لأحمد إسماعيل ضاحكا «مبروك.. حصلت على ما تريد»، وأعدت له الكتاب، لأنه كان باسمه، ولكن أحمد إسماعيل بطبيعته الحذرة أعاد إلى الكتاب مرة أخرى، قائلا «أرجو أن توقع على هذا الكتاب بأخذ العلم»، فأخرجت قلمى دون تردد وكتبت عليه «عُلم وسننتصر بإذن الله»، ووقعت باسمى وتاريخ التوقيع على الوثيقة ثم أعدته إلى الوزير.
وفى تمام الساعة 1300 يوم 6 أكتوبر وصل رئيس الجمهورية ومعه وزير الحربية إلى المركز رقم 10، ودخلا غرفة العمليات، حيث كان كل فرد فى مكانه منذ الصباح.
وبينما كانت تلك الأعمال جميعها تجرى بنجاح كان الجميع ينتظرون أخبار عبور المشاة، حيث إن ذلك هو الذى سيحدد مصير المعركة، وبينما كنا ننتظر، وكأن على رؤوسنا الطير وصلت المعلومات بتمام عبور الموجة الأولى، ودوت مكبرات الصوت داخل المركز 10 تعلن الخبر المهم عن عبور الموجات التالية للمشاة، تتوالى وفى توقيتات تتطابق مع توقعاتنا، وبعد أن اطمأن الرئيس بهذه الأخبار السارة انسحب هو ووزير الحربية من غرفة العمليات للراحة، ونحو السابعة مساء غادر الرئيس المركز عائدا إلى قصر القاهرة.


من السبب فى الثغرة؟
بعد عودتى من الجبهة يوم الخميس 11 أكتوبر، فاتحنى الوزير فى موضوع تطوير هجومنا نحو المضائق، ولكنى عارضت الفكرة، وقلت «ما زالت القوات الجوية الإسرائيلية قوية، وتشكل تهديدا خطيرا لأى قوات برية تتحرك فى العراء دون غطاء جوى.. وبدا لى أنه اقتنع بهذا، وأغلق الموضوع، ولكنه عاد وفاتحنى فى الموضوع مرة أخرى فى صباح اليوم التالى، مدعيا أن الهدف من هجومنا هو تخفيف الضغط على الجبهة السورية، عارضت هذه الفكرة مرة أخرى على أساس أن هجومنا لن ينجح، وأضفت: «إن لدى العدو 8 ألوية مدرعة أمامنا، ولن يحتاج إلى سحب قوات إضافية من الجبهة السورية، حيث إن هذه القوات قادرة على صد أى هجوم نقوم به.. فقال هذه المرة «القرار السياسى يحتم علينا ضرورة تطوير الهجوم نحو المضائق ويجب أن يبدأ ذلك صباح غد 13 أكتوبر».ونحو الساعة 1330 كانت التعليمات الخاصة بتطوير الهجوم قد تم إعدادها، وتحرك اللواء غنيم إلى الجيش الثانى واللواء طه المجدوب إلى الجيش الثالث، حاملين معهم الأوامر إلى قائدى الجيشين.
ونحو الساعة 1530 كان اللواء سعد مأمون قائد الجيش الثانى يطلبنى على الهاتف، وقد قال بغضب «سيادة الفريق أنا مستقيل.. أنا لا أستطيع تنفيذ الأوامر التى أرسلتموها مع اللواء غنيم»، ولم تمض دقائق حتى كان اللواء عبد المنعم واصلا هو الآخر على الخط الهاتفى، وأبدى معارضة شديدة لتلك التعليمات، وفى محادثتى مع اللواءين مأمون وواصل لم أخف عنهما أننى عارضت هذه التعليمات، ولكنى أجبرت عليها.لقد كان القرار هو أول غلطة كبيرة ترتكبها القيادة المصرية خلال الحرب، وقد جرتنا إلى سلسلة أخرى من الأخطاء التى كان لها أثر كبير على سير الحرب ونتائجها.


الشاذلى و أحمد إسماعيل
كان لا بد أن يتطرق الشاذلى فى مذكراته إلى علاقته بالمشير أحمد إسماعيل القائد العام للقوات المسلحة فى حرب أكتوبر، فالكل كان يعرف أن الفريق الشاذلى لم يكن على علاقة طيبة مع المشير إسماعيل، بل إن هذه العلاقة المتوترة كانت واحدة من أسباب استبعاده من منصبه، ويروى الشاذلى تفاصيل ذلك الخلاف التاريخى قائلا: لقد كنا شخصيتين مختلفتين تماما، لا يمكن لهما أن تتفقا، وقد بدا أول خلاف بيننا عندما كنت أقود الكتيبة العربية التى كانت ضمن قوات الأمم المتحدة فى الكونجو عام 1960.
كان العميد أحمد إسماعيل قد أرسلته مصر على رأس بعثة عسكرية لدراسة ما يمكن لمصر أن تقدمه للنهوض بالجيش الكونجولى، وقبل وصول البعثة بعدة أيام سقطت حكومة لومومبا التى كانت تؤيدها مصر بعد نجاح انقلاب عسكرى دبره الكولونيل موبوتو الذى كان يشغل وظيفة رئيس أركان حرب الجيش الكونجولى، وقد كانت ميول موبوتو والحكومة الجديدة تتعارض تماما مع الخط الذى كانت تنتهجه مصر، وفى خلال تلك الفترة حاول أحمد إسماعيل أن يفرض سلطته على، باعتبار أنه ضابط برتبة عميد، بينما كنت أنا وقتئذ برتبة عقيد، وبالتالى تصور أن من حقه أن يصدر إلى التعليمات والتوجيهات. رفضت هذا المنطق رفضا باتا، وقلت له إننى لا أعترف له بأى سلطة على أو على قواتى. وقد تبادلنا الكلمات الخشنة حتى كدنا نشتبك بالأيدى (!!)، كنا نتقابل فى بعض المناسبات مقابلات عابرة، ولكن كان كل منا يحاول أن يتحاشى الآخر بقدر ما يستطيع، واستمرت الحال كذلك إلى أن عُيِّن اللواء أحمد إسماعيل رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة المصرية فى مارس 69.
وبتعيين اللواء أحمد إسماعيل (ر.ا.ح.ق.م.م) اختلف الوضع كثيرا، إذ لم يعد ممكنا أن أتحاشى لقاءه وأن لا يكون هناك أى اتصال مباشر بينى وبينه. إن وظيفته هذه تجعل سلطاته تمتد لتغطى القوات المسلحة كلها، لذلك قررت أن أستقيل بمجرد سماعى بنبأ تعيين أحمد إسماعيل رئيسا للأركان، تركت قيادتى فى أنشاص، وتوجهت إلى مكتب وزير الحربية، حيث قدمت استقالتى، وذكرت فيها الأسباب التى دفعتنى إلى ذلك، ثم توجهت إلى منزلى.
مكثت فى منزلى ثلاثة أيام بذلت فيها جهود كبيرة لإثنائى عن الاستقالة، ولكنى تمسكت بها، وفى اليوم الثالث حضر إلى منزلى أشرف مروان زوج ابنة الرئيس، وأخبرنى بأن الرئيس عبد الناصر قد بعثه لكى يبلغنى الرسالة التالية: «إن الرئيس عبد الناصر يعتبر استقالتك كأنها نقد موجه إليه شخصيا، حيث إنه هو الذى عين أحمد إسماعيل».
الحقيقة أن المشير أحمد إسماعيل ينتمى إلى مدرسة عسكرية تؤمن بإطاعة الأوامر دون نقاش، وأن «القرار السياسى» يجب على العسكريين تنفيذه، لأن رؤيته أبعد، بينما ينتمى الفريق الشاذلى إلى مدرسة عسكرية أخرى لا تتوقف عند حدود تنفيذ الأوامر، لكنها ترى ضرورة المناقشة والمراجعة، وترى أن القرار السياسى لا ينبغى أن يصدر إلا بعد أن تتم دراسته عسكريا ما دام أنه يخص المعركة ويؤثر فيها.
الرئيس السادات كان على علم بأدق تفاصيل هذا النزاع وهذه العلاقة المتوترة، وربما كان هذا هو السبب أن يأتى بأحمد إسماعيل قائدا عاما، على أن يكون الرجل الثانى هو الشاذلى، ليحكم السادات قبضته على الاثنين، ويظل ملجئا لهما، ويضمن أن لا يتفقا عليه إذا سارت الأمور فى اتجاه لم يرسمه لها. يبدو أن الشاذلى أدرك ذلك، فزاد غضبه من السادات، وحمله نتيجة كل الأخطاء التى وقعت داخل أرض المعركة وخارجها، لدرجة أنه قال عنه: إن للسادات تاريخا طويلا من الأمراض النفسية، أما أنا فإنى أحمد الله وأشكره، لأنى لم أصب طوال حياتى بأى مرض عصبى أو أى حالة نفسية.


مذكرات الجمسى
لو فعلها غيره لأقام بها الدنيا!
كان يكفيه ويكفينا أن ينشر فى مذكراته عن حرب أكتوبر دوره العظيم فى اختيار توقيت المعركة بطريقة علمية لا مجال فيها لانتظار الأبراج والاعتماد على العرافين والدجل والشعوذة.
إنه المشير عبد الغنى الجمسى الرجل الثالث فى حرب أكتوبر، باعتباره رئيس هيئة العمليات خلال المعركة، لذلك فهو يحظى باحترام وتقدير من الجميع سواء من عارضوا السادات ووقفوا ضده أو من ناصروه واعتبروه بطلا للحرب والسلام.
فدور الجمسى فى المعركة لا يمكن لأحد أن يتجاهله، ويكفى أن تقرأ تفاصيل غاية فى الدقة والإمتاع نقلها لنا عبر مذكراته لنعرف دور العلم فى حرب أكتوبر، وأهمية أن يكون للعلماء مكان ومكانة بيننا إذا أردنا النهوض فى السلم أو فى الحرب.
يبدأ الجمسى مذكراته قائلا: «فى يوم 6 أكتوبر 1973 كنت فى مركز عمليات القوات المسلحة أرتدى لبس الميدان، حيث بدأت الحرب الرابعة بين العرب وإسرائيل وكنت أقوم بعملى فيها (رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة). هذه الحرب التى اشتركت فيها امتداد لحروب سابقة فى الصراع العربى الإسرائيلى، وبعد خمس سنوات بالضبط -يوم 6 أكتوبر 1978- انتهت خدمتى بالقوات المسلحة كقائد عام لها، وانتهى عملى العام بالدولة كنائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الحربية والإنتاج الحربى، وكنت فى منزلى فى ذلك اليوم مرتديا ملابسى المدنية أشاهد على شاشة التليفزيون العرض العسكرى الذى يقام سنويا احتفالا بالنصر فى تلك الحرب.
الجمسى لم يفكر فى كتابة مذكراته إلا بعد مرور 21 عاما على الحرب، لأنه كان يرى أنه يؤدى واجبا وبالتالى ليس من الضرورى الحديث عن بطولاته التى يكفيه أن يذكرها التاريخ فى صفحاته المضيئة، لكن بعد أن كثرت الأحاديث الخاطئة حينا والافتراءات أحيانا أخرى، ووجد الجمسى أن مذكرات سياسية وعسكرية ومقالات ودراسات صدرت عن حرب أكتوبر وتبنت وجهة النظر المعادية وأصبحت هى المرجع الرئيسى للكتاب والباحثين والمؤرخين.
وقتها أدرك الجمسى أن السكوت ليس دائما من ذهب، فبدأ يفكر فى التأريخ للحرب التى شارك فيها، وكان واحدا من أبطالها، وكان من أبرز ما كتبه هو قصة التخطيط لحرب أكتوبر، فقد روى القصة بقوله «صدر قرار تعيينى فى منصب رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة فى الأسبوع الأول من يناير عام 1972، وكنت أقدر عبء هذا المنصب ومسؤولياته فى هذا الوقت العصيب، برغم أنى لن أبدأ من فراغ، لأن جهد الرجال الذين سبقونى لا يمكن تجاهله أو إغفاله.
وفى ظل الظروف السياسية الصعبة والظروف العسكرية المعقدة -وقتها- تم التخطيط لحرب أكتوبر على أنها حرب محلية شاملة تستخدم فيها الأسلحة التقليدية فقط، ويكون لها أهداف استراتيجية تقلب الموازين فى المنطقة وتتحدى نظرية إسرائيل فى الأمن ودعائم استراتيجيتها.
كان الهدف هو تحدى نظرية الأمن الإسرائيلى، وذلك عن طريق القيام بعملية هجومية يكون من ضمن أهدافها العمل على تحرير الأرض المحتلة على مراحل متتالية حسب نمو وتطور إمكانات وقدرات القوات المسلحة، وتكبيد العدو خسائر كبيرة فى الأفراد والأسلحة حتى يقتنع بأن استمراره فى احتلال أراضينا يكلفه ثمنا باهظا لا يتحمله».
وينتقل الجمسى إلى كشف تفاصيل عملية اختيار ساعة الصفر قائلا: «وصلنا فى أوائل عام 1973 إلى أن الوقت ضدنا، وإلى أن يتم الاتفاق السياسى بين الرئيسين السادات والأسد على بدء الحرب بتعاون مصر وسوريا، كان من الضرورى أن نقوم فى هيئة عمليات القوات المسلحة بتحديد الوقت أنسب التوقيتات للقيام بالعملية الهجومية خلال عام 1973، حتى توضع أمام الرئيس السادات ليكون أمامه حرية الاختيار على ضوء الموقف السياسى المناسب والاتفاق مع الأسد عليه، وبذلك يكون العمل العسكرى متمشيا مع العمل السياسى.
وضعنا فى هيئة العمليات هذه الدراسة على ضوء الموقف العسكرى للعدو وقواتنا وفكرة العملية الهجومية المخططة والمواصفات الفنية لقناة السويس، من حيث المد والجزر وسرعة التيار واتجاهه، وساعات الظلام وساعات ضوء القمر والأحوال الجوية، وحالة البحرين المتوسط والأحمر، التى تحقق أفضل استخدام لقواتنا للقيام بالعملية الهجومية بنجاح وتحقق أسوأ الظروف لإسرائيل، كما كان ضروريا اختيار أفضل التوقيتات التى تناسب تنفيذ الهجوم على الجبهتين المصرية والسورية فى وقت واحد.
درسنا كل شهور السنة لاختيار أفضل الشهور لاقتحام القناة على ضوء حالة المد والجزر وسرعة التيار واتجاهه، وجدنا أن فرق المنسوب بين أعلى مد وأدنى جزر هو 80 سم فى القطاع الشمالى للقناة «الإسماعيلية- بورسعيد»، بينما فرق المنسوب فى القطاع الجنوبى «الإسماعيلية- السويس» هو متران، كما أن سرعة التيار فى القطاع الشمالى هى 18 مترا فى الدقيقة، بينما سرعته فى القطاع الجنوبى هى 90 مترا فى الدقيقة، أما اتجاه التيار فإنه يتغير دوريا كل 6 ساعات من الشمال للجنوب وبالعكس.
كانت كل الظواهر الطبيعية مطلوبا معرفتها لتحديد تأثيرها على وسائل العبور بالقوارب وإنشاء وتشغيل المعديات والكبارى وبالتالى يمكن اختيار أفضل التوقيتات.
ثم انتقلنا فى الدراسة لتحديد طول الليل يوميا، لاختيار ليل طويل بحيث يكون النصف الأول منه فى ضوء القمر والنصف الثانى فى حالة إظلام، حتى يسهل تركيب وإنشاء الكبارى فى ضوء القمر ونقل القوات والأسلحة والمعدات فى الظلام».
ويضيف الجمسى: «وكان من الضرورى أيضا دراسة حالة الأرصاد الجوية المناسبة لعمل القوات البحرية، واشتملت الدراسة أيضا على جميع أيام العطلات الرسمية فى إسرائيل بخلاف يوم السبت وهو يوم إجازتهم الأسبوعية، حيث تكون القوات المعادية عادة أقل استعدادا للحرب، وجدنا أن لديهم ثمانية أعياد فى السنة منها ثلاثة أعياد فى شهر أكتوبر 1973 هى عيد الغفران (يوم كيبور) وعيد المظلات وعيد التوراة، ولكل عيد من هذه الأعياد تقاليد وإجراءات يقومون بها تختلف من عيد لآخر.
وكان يهمنا فى هذا الموضوع معرفة تأثير كل عطلة على إجراءات التعبئة فى إسرائيل التى تعتمد اعتمادا رئيسيا فى الحرب على قوات الاحتياطى، وكما يقولون فإن جيش إسرائيل يشبه (جبل الجليد) قمته ظاهرة هى الجيش العامل أما قاعدته العريضة فى القاع فهى القوات الاحتياطية، ولإسرائيل وسائل مختلفة لاستدعاء الاحتياطى بوسائل غير علنية، وأخرى علنية تكون بإذاعة كلمات أو جمل رمزية عن طريق الإذاعة والتليفزيون، ووجدنا أن يوم عيد الغفران يوم سبت، والأهم من ذلك هو اليوم الوحيد خلال العام الذى تتوقف فيه الإذاعة والتليفزيون عن البث كجزء من تقاليد العيد الذى يعتبر يوم سكون كامل، أى أن استدعاء الاحتياطى بالطريقة العلنية السريعة غير مستخدم، وبالتالى يستخدمون وسائل أخرى تتطلب وقتا أطول لتنفيذ تعبئة الاحتياطى.
ثم انتقلنا فى الدراسة إلى عامل آخر هو (الموقف الداخلى فى إسرائيل) فقد كانت تجرى انتخابات اتحاد العمال فى سبتمبر وتجرى انتخابات البرلمان الإسرائيلى (الكنيست) يوم 28 أكتوبر 1973، والمعروف أن الحملة الانتخابية تجذب أفراد الشعب لها، علما بأن أغلب الشعب يشكل الجيش الاحتياطى مع تعبئة الدولة فى أثناء الحرب، ومن هنا كان من المفيد أن يوضع شهر أكتوبر 1973 فى الاعتبار كشهر مناسب لشن الحرب إذا كانت العوامل الأخرى السابق شرحها تعتبر مناسبة للعملية الهجومية.
وعن الوقت المناسب للهجوم فى الجبهة السورية فقد كان لا يجب أن يتأخر بعد شهر أكتوبر حيث إن حالة الطقس والجو تصبح غير مناسبة نظرا لبدء تساقط الجليد، ووصلنا بعد دراسة مستفيضة إلى تحديد أنسب الشهور خلال عام 1973 للقيام بالعملية الهجومية، وكان أنسبها ثلاثة توقيتات هى مايو أو أغسطس أو سبتمبر أو أكتوبر، وكان أفضلها هو شهر أكتوبر حيث إن ظروف الطقس والأحوال الجوية مناسبة للعبور، وأن فترة الليل طويلة يصل الإظلام فى بعض أيامه إلى ساعات طويلة، فضلا عن أن حالة البحر مناسبة للعمليات البحرية والشهر يزدحم بثلاثة أعياد، وتستعد فيه الدولة لانتخابات البرلمان الإسرائيلى ويأتى شهر رمضان المبارك خلال هذا الشهر بما له من تأثير معنوى على قواتنا، ولا يتوقع العدو الإسرائيلى قيامنا بالهجوم فى شهر الصيام».
ويستمر الجمسى فى حديثه عن ظروف اختيار التوقيت بقوله: «واستكملنا فى هذه الدراسة الطويلة والعميقة اختيار اليوم المناسب فى كل شهر وقع عليه الاختيار بحيث يكون عطلة رسمية، وأن يكون فرق المنسوب بين المد والجزر فى القناة أقل ما يمكن لتوفير ظروف أفضل لعبور القوارب وتشغيل المعديات وإنشاء الكبارى، وأن يتميز بضوء القمر الساطع فى النصف الأول من الليل حتى تقام الكبارى ليلا فى ضوء القمر، ثم يبدأ عبور القوات فى الظلام خلال النصف الثانى من الليل.
ونتيجة لهذه الدراسة تم اختيار يوم السبت 6 أكتوبر ليكون أحد الأيام المناسبة، وهو الذى وقع عليه الاختيار فقد توافرت فيه الشروط الملائمة لاقتحام القناة والهجوم، فهو يوم عيد فى إسرائيل، والقمر فى هذا اليوم (10رمضان) مناسب ومضىء من غروب الشمس حتى منتصف الليل بالإضافة إلى العوامل الأخرى، وقد اعتقد كثيرون أن هذا اليوم تحدد للهجوم السورى لأنه فقط يوم كيبور فى إسرائيل وهو اعتقاد خاطئ، لأن هناك عوامل كثيرة تحكمت فى تحديد هذا اليوم».
وبعد أنهى الجمسى تلك الدراسة البديعة قام بتسليمها -مكتوبة بخط اليد لضمان سريتها- للفريق أول أحمد إسماعيل الذى قال له إنه عرضها وناقشها مع الرئيس السادات فى برج العرب فى أوائل أبريل 1973، وبعد عودته أعادها لى باليد، ونقل له انبهار وإعجاب الرئيس بها، وعبر القائد العام عن شكره لهيئة العمليات بالقوات المسلحة لمجهودها فى إعداد هذه الوثيقة المهمة. وكان تعليقه المكتوب عليها -مسجلا- فيما بعد بقوله «لقد كان تحديد يوم الهجوم عملا علميا رفيع المستوى.. إن هذا العمل سوف يأخذ حقه من التقدير وسوف يدخل التاريخ العلمى للحروب كنموذج من نماذج الدقة المتناهية والبحث الأمين».
كانت هذه الوثيقة هى التى أشار إليها السادات فى أحاديثه بعد الحرب بكلمة «الكشكول» أو «كشكول الجمسى»، فقد كان عبارة عن كراسة مدرسية اختار الجمسى الكتابة فيها حتى لا تلفت نظر أحد، ويظل كل ما فيها سريا للغاية دون استخدام هذا المصطلح.


الضربة الجوية بين الفريق والمشير
ثلاثة أسطر فقط هى حجم الضربة الجوية فى كتاب الفريق الشاذلى، بينما فى كتاب المشير الجمسى صفحة ونصف الصفحة من بين 579 صفحة هى عدد صفحات كتاب رئيس هيئة العمليات فى حرب أكتوبر!
أعتقد أن الرسالة وصلت!
فدور الضربة الجوية التى أشاد بها الفريق سعد الشاذلى وأثنى عليها المشير عبد الغنى الجمسى لم تكن تزيد أهميتها فى كتب تاريخ قادة الحرب الحقيقيين على ثلاثة أسطر، قد تصل إلى صفحة ونصف الصفحة على الأكثر.
الفريق الشاذلى فى الفصل الذى يتناول فيه اليوم الأول لحرب أكتوبر تحدث عن الضربة الجوية فى أثناء استعراضه بداية المعركة قائلا:
«كان الوقت المحدد لعبور الموجة الأولى من المشاة هو الساعة 1430 (الثانية والنصف ظهرا)، ولكن كان هناك الكثير من المهام الأخرى يجرى تنفيذها قبل ذلك، ولعل من أهم هذه المهام هو قيام قواتنا الجوية بتوجيه ضربة جوية إلى مطارات العدو ومراكز قياداته ومناطق حشد مدفعية فى سيناء، وقد اشترك فى هذه الضربة الجوية أكثر من 200 طائرة عبرت خط القناة على ارتفاع منخفض جدا فى الساعة 1400، وبمجرد عبور قواتنا الجوية خط القناة بدأت مدفعياتنا عملية القصف التحضيرى المكثف على مواقع العدو».
انتهى كلام الشاذلى عن دور الضربة الجوية، لكنه قبل أن يصل إلى القوات الجوية فى الحرب تحدث عنها فى الفترة التى تم تعيينه فيها رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة المصرية فى 16 من مايو 71 بقوله: «بدأت عملى بدراسة إمكانات القوات المسلحة الفعلية، ومقارنتها بالمعلومات المتيسرة عن العدو، بهدف الوصول إلى خطة هجومية تتماشى مع إمكاناتنا الفعلية، وقد أوصلتنى تلك الدراسة إلى أن قواتنا الجوية ضعيفة جدا إذا ما قورنت بقوات العدو الجوية. إنها لا تستطيع أن تقدم أى غطاء جوى لقواتنا البرية إذا ما قامت هذه القوات بالهجوم عبر أراضى سيناء المكشوفة، كما أنها لا تستطيع أن توجه ضربة جوية مركزة ذات تأثير على الأهداف المهمة فى عمق العدو».
ويضيف: «من خلال الاشتباكات المتعددة التى تمت بين طائراتنا وطائرات العدو بعد 1967 ظهر تفوُّق الطيران الإسرائيلى فى هذه الاشتباكات بشكل واضح وحاسم، وقد دار كثير من الجدل والمناقشات حول هذا الموضوع: هل هو نقص فى تدريب طيارينا ومهاراتهم أم هو عدم كفاءة طائرة الميج 21 بالمقارنة مع طائرات العدو؟ كان طيارونا يلقون بأسباب فشلهم فى هذه الاشتباكات على الطائرة، فى حين كان الخبراء السوفيت يلقون باللوم على الطيارين المصريين. وفى اعتقادى أن فشلنا فى هذه الاشتباكات كان يعود إلى كل من الطيار والطائرة».
ويستكمل حديثه عن فترة ما قبل حرب أكتوبر قائلا: «العدو يقابلنا بأفضل طيارين وبخطة مرسومة، بينما نقابله نحن بما هو متيسِّر لدينا فى الخدمة من طيارين وموجهين ودون أى خطة، ولذلك لقد كانت النتائج دائما فى مصلحة العدو. فى كثير من الحالات أفاد طيارونا بأنهم أسقطوا بعض طائرات العدو، لكن لم يقم دليل قوى على ذلك فى معظم الحالات. لم يكن طيارونا تنقصهم الشجاعة، ولكن كانت تنقصهم الخبرة والتجربة. لقد كانت الغالبية العظمى منهم تقل ساعات طيرانهم عن 1000 ساعة طيران، فى حين كان متوسط ساعات طيران الطيارين الإسرائيليين يزيد على 2000 ساعة. لقد كانت القوات الجوية الإسرائيلية تسبق القوات الجوية المصرية بعشر سنوات على الأقل، وإذا أضفنا إلى ذلك كله أن طائراتنا كانت أقل كفاءة من طائرات العدو.
أما إذا انتقلنا إلى مذكرات المشير الجمسى، وتحديدا الجزء الذى يتحدث فيه عن دور الضربة الجوية فى حرب أكتوبر فنجده يقول: فى الساعة الثانية بعد ظهر ذلك اليوم -6 أكتوبر- عبرت الطائرات المصرية خط جبهة قناة السويس، متجهة إلى عدة أهداف إسرائيلية محددة فى سيناء. وأحدث عبور قواتنا الجوية خط القناة بهذا الحشد الكبير، وهى تطير على ارتفاع منخفض جدا، أثره الكبير على قواتنا البرية بالجبهة وعلى قوات العدو. فقد التهبت مشاعر قوات الجبهة بالحماس والثقة، بينما دب الذعر والهلع فى نفوس أفراد العدو.
هاجمت طائراتنا ثلاث قواعد ومطارات، وعشرة مواقع صواريخ مضادة للطائرات من طراز «هوك»، وثلاثة مراكز قيادة، وعددا من محطات الرادار ومرابض المدافع بعيدة المدى. وكانت مهاجمة جميع الأهداف المعادية فى سيناء تتم فى وقت واحد، بعد أن أقلعت الطائرات من المطارات والقواعد الجوية المختلفة وتطير على ارتفاعات منخفضة جدا فى خطوط طيران مختلفة، لتصل كلها إلى أهدافها فى الوقت المحدد لها تماما.
كانت قلوبنا فى مركز عمليات القوات المسلحة تتجه إلى القوات الجوية، ننتظر منها نتائج الضربة الجوية الأولى، وننتظر عودة الطائرات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.