«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأسرار التى طلب بسيونى نشرها بعد وفاته
نشر في أكتوبر يوم 25 - 09 - 2011

عندما كلفنى الأستاذ محسن حسنين رئيس التحرير بإعداد ملف كامل عن السفير محمد بسيونى - رحمه الله - اعترافا منه بقيمة وقامة هذا الرجل لكونه ابناً باراً من أبناء القوات المسلحة الباسلة وضابطاً من مدرسة المخابرات المصرية.. عندها أحسست أننى أمسك القلم لأول مرة فى حياتى نظراً للعلاقة الخاصة التى ربطتنى بهذا الرجل فى السنوات الأخيرة.. بعد أن أدخلنى بيته وخصنى بمذكراته وفتح لى قلبه وعقله قبل أن يفتح لى خزانة أسراره، وفى حضرة النياشين والأوسمة والذكريات والمذكرات وعبقرية الزمان والمكان كشف لى السفير الراحل الكثير والكثير من الحقائق والأسرار.. سمح لى بنشر بعضها، أما البعض الآخر فسيظل كنزاً مدفوناً فى صدرى إلى أن يقضى الله أمراً كان مفعولا، أو إلى أن تلتقى روحانا فى جنة عرضها السموات والأرض وهذا ليس على الله بعزيز.
وإذا أردت أن أنعى معالى السفير محمد بسيونى أقولها صراحة إن الفقيد الراحل كان رجلاً من نوع خاص.. رجل لا يعرف المستحيل، عركته الحياة، فعاش حلوها ومرها.. عاشها منتصرا ومنكسرا، عاشها طائراً يحلق بجناح واحد أو طائراً بجناحين.. كان أول وزير مفوض لمصر فى إسرائيل، وثانى سفير لها بعد الدبلوماسى القدير سعد مرتضى، وصفوه فى تل أبيب بالثعلب المكار، وقال عنه بيجين: إن قلبه ميت، وقال عنه شارون: إنه رجل بلا قلب، تراه من بعيد مثل أسد هصور يترقب الفريسة وكأنه على موعد معها، وتقترب منه فكأنه حمل وديع.. يكشر عن أنيابه أحياناً، ويضحك حتى تظهر نواجذه أحياناً أخرى.
وصفه أبوه فى بدايات العمر بالولد الشقى، وقالت عنه أمه: إنه قدم الخير، وكان بسيونى الصغير آخر العنقود بين إخوته التسعة، وكان أول مدرسته بعد موت والده، تربى فى كنف شقيقه الأكبر سعد زغلول، وكان زميل «دكة» مع فاروق الباز فى مدرسة الحدائق.
قلت له: أطمع فى عدة لقاءات، فامتد الحوار إلى ساعات وساعات.. أردت أخذ النصيحة فقال: هى الأيام والعبر.. وأمر الله ينتظر.. فقلت له ماذا تقول لأصحاب المناصب؟، فقال على الفور: ما طار طير وارتفع.. إلا كما طار وقع.
ولأن الصحافة بلا قلب فقد أجهدت الرجل كثيراً، وعرفت منه ما لم يعرفه أحد، اعتبرنى مخلصاً لعمله، فوضعنى نصب عينيه، وقال لى: لو امتد بى العمر سأجعلك على رؤوس الأشهاد ليس بالرتب والدرجات ولكن بالأسرار والمعلومات، ولكنه الموت الذى كتبه الله سبحانه على كل حى، وسبحان من له الدوام.
وعوداً على بدء أقول: لأنه ليس من المعقول أن أجلس مع السفير بسيونى دون سؤاله عن الأوضاع فى سوريا، فقد طلبت منه قبل رحيله بأيام قليلة التعليق على الأحداث الراهنة هناك لكونه كان ضابطاً مقيماً فى مركز القيادة السورية إبان حرب أكتوبر، وحلقة الوصل بين الرئيسين حافظ الأسد والسادات، كما أنه كان الضابط المصرى الوحيد المسموح له بحضور الاجتماعات الخاصة بين الأسد الكبير وكبار قادة القوات المسلحة المصرية.
طلبت منه رصد الواقع السورى بعين محلل سياسى وضابط مخابرات له باع طويل ورؤية استراتيجية فى قراءة الواقع، وتحليل الماضى واستشراف المستقبل..
اعتذر السفير الراحل فى البداية مؤكداً أن هذا الكلام سيضاعف من وضع الملح على الجرح، خاصة أن الشقيقة سوريا - على حد تعبيره - تمر بمنعطف خطير، وظروف استثنائية، وأنه من الصعب إقالتها من عثرتها فى تلك الآونة، وأكد لى أن سوريا له فيها أيام وأيام، وان علاقة خاصة تربطه بكل ذرة رمل فى المدن السورية وهضبة الجولان المحتل التى يعرف دروبها وقلاعها وحصونها كما يعرف حجرات بيته، كما أن سوريا عزيزة على قلبه نظراً لأن رفيقة الكفاح السيدة «نجوى بسيونى» تنتمى للتراب السورى، وأن خؤلة ابنيه د. حاتم وحنان مازالت فى سوريا.
وأمام رغبة الفقيد الراحل فى عدم الكلام عن الواقع السورى المعاش طلبت منه كتابة حلقة كاملة يتحدث فيها عن دور حافظ الأسد فى حربى 67 و73 فابتسم ضاحكاً كعادته، وقال: سأكتب وسأتكلم ولكن مع الوعد بعدم النشر إلا فى الوقت المناسب، حتى يكون كلامى شهادة للتاريخ وللأجيال القادمة، مع التأكيد على أننا بشر نخطئ ونصيب، وننجح ونفشل، المهم أننا نعمل وننال شرف المحاولة بصرف النظر عن النتيجة.
وفى معرض حديثه عن نكسة 67 وحقيقة دور حافظ الأسد فى تلك الحرب قال السفير بسيونى رحمه الله، عندما أقلع الطيران الإسرائيلى لضرب المطارات العسكرية المصرية فى التاسعة إلا ربع صباح 5 يونيه كانت إسرائيل خاوية من أى طائرة تحمى سماءها، ولأن هذا خطأ عسكرى قاتل لعدم احتفاظها بنسبة ال 30% من الطيران لحماية سماء الدولة من أى عداءات متوقعة، فقد استغل القائد المصرى العظيم الفريق أول عبد المنعم رياض قائد الجبهة الأردنية فى 67 هذا الخطأ، وطلب من الرئيس حافظ الأسد - وكان قائداً للطيران السورى آنذاك - ضرب ممرات المطارات الإسرائيلية، ومهابط الطيران لحرق طيران العدو أثناء الهبوط دون إطلاق قذيفة واحدة.. إلا أن حافظ الأسد لم يستمع لنصائح أو أوامر الفريق رياض، وكان فى إمكانه تغيير مسار الحرب، وتغيير سمعة العسكرية العربية التى تمرمغت فى الوحل بعد نكسة 67 بفضل أخطاء القيادة العسكرية العربية.
وعن سر رفض حافظ الأسد لنصائح أو أوامر الفريق رياض قال السفير بسيونى - رحمه الله - إن حافظ كانت له كاريزما خاصة، وكان الرجل بعثياً حتى النخاع.. وعقيدة القادة البعثيين تختلف كثيراً عن عقيدة المصريين، ولذلك فشلت الوحدة بين مصر وسوريا لأن البعثيين رفضوا الانصياع أو أخذ تعليمات وأوامر من القادة العسكريين المصريين رغم أن القوات المسلحة المصرية كان لها الفضل الأكبر فى إنشاء وحدات الجيش السورى، ويبدو أن البعثيين لا يعترفون بالفضل إلا قليلاً. وأنهم لا يعترفون بالخطأ إلا بعد فوات الأوان، كما هو حاصل الآن مع بشار الأسد.. والذى أراه من خلال الأحداث المتلاحقة قد قدم بلاده على طبق من ذهب للقوى الدولية المتربصة به وبجيشه.
وفى سؤال بديهى قلت للسفير بسيونى: كان من الأولى على الفريق عبد المنعم رياض إبلاغ القيادة المصرية بدلاً من إبلاغ حافظ الأسد، فقال بحدة: ومن أدراك أنه لم يقل لهم، لقد أبلغ الرجل القيادة المصرية، وأدى دوره بأمانة منقطعة النظير، فعندما أقلعت الطائرات الإسرائيلية المغيرة، ظهرت على شاشات الرادارات الأردنية، وبات من المؤكد أمام القائد المصرى العظيم الفريق أول عبد المنعم رياض أن تلك الطائرات متجهة إلى الأراضى المصرية لتنفيذ مهمة انتحارية أو قتالية، وعلى الفور قام ومجموعة من المعاونين بإبلاغ القيادة العامة فى مصر، وقيادة القوات الجوية، إلا أنه بسبب الإهمال والتسيب فقد تغير مفتاح الشفرات الخارجية فى صباح 5 يونيو دون إبلاغ القيادات العسكرية الكبيرة على الجبهة المصرية أو الجبهات الأردنية والسورية والعربية الصديقة، وبالتالى لم تصل الرسالة إلى القاهرة ووقع المحظور وحدثت هزيمة 5 يونيو 67.
وأضاف السفير الراحل فى كلمات صريحة قائلاً: إن إسرائيل لا تشترى النصر إلا بثمن بخس، وذكاء إسرائيل لا يظهر إلا فى أوقات الأزمات.. فهى دائماً تستغل ضعفنا وانشغالنا بأمورنا الداخلية، وتقتنص الفرصة لتحقيق أمجادها على جثة العرب، وللتأكيد على هذه النظرية قال السفير بسيونى: فى 5 يونيو استغلت إسرائيل انشغال القيادة العامة فى مصر بالصراع على السلطة، وتقسيم الأدوار بين الرئيس والمشير، وقامت بضربة قاضية أكلت الأخضر واليابس رغم أن الدلائل كانت تشير إلى قيام إسرائيل بهذه الضربة الاستباقية لإجهاض أى مخططات مصرية.
ولهذا فإن حرب 67 لم تكن مفاجأة للقيادة العامة والدليل أن المخابرات الحربية - وأنا ضابط مخابرات والكلام على لسان السفير بسيونى - رحمه الله - رصدت تحركات غير طبيعية يوم 4 يونيو - أى اليوم السابق للحرب - كما تم رصد عمليات تبادل، وإحلال وتجديد للقوات والمعدات، وقد تم إبلاغ قيادة الجيش فى سيناء بهذه المعلومات الخطيرة إلا أنها لم تحرك ساكناً، كما قامت إسرائيل فى صباح 5 يونيو وبالتحديد فى السابعة والنصف صباحاً بالهجوم على محور وسط سيناء والتمركز فى منطقة «أم بسيس» قبل الهجوم الجوى الكاسح ب 90 دقيقة فقط لا غير.
ومع إعلان إسرائيل الحرب واجتيازها الحدود المصرية واحتلالها منطقة أم بسيس لم يتخذ الرئيس عبد الناصر أو المشير عامر أو القيادة فى سيناء أى رد فعل احترازى، وكان هذا الاعتداء السافر على الأراضى المصرية فرصة ثمينةللقيادة المصرية فى تنفيذ خطة الهجوم المعدة سلفا إلا أن القيادة انشغلت بأشياء أخرى.
ومن أخطر الأشياء التى انشغلت بها القيادة العسكرية فى سيناء - كما يقول السفير بسيونى رحمه الله - هو زيارة المشير عامر لقادة مسرح العمليات صباح 5 يونيو حيث اصطف القادة فى الساعة الثامنة والنصف فى مطار المليس - على ما أتذكر - لاستقبال طائرة المشير وصحبه، وفى المقابل انشغل قادة عسكريون آخرون باستقبال طائرة السيد حسين الشافعى نائب رئيس الجمهورية آنذاك الذى كان يصطحب معه وفدا عراقيا للاستثمار فى منطقة فايد غرب القنال.
وفى هذا الجو المشحون بالزيارات صدرت تعليمات لسلاح الدفاع الجوى، والذى كان تابعاً لقيادة القوات الجوية بعدم اعتراض أى طائرة فى هذا التوقيت، مما كان له آثار سلبية خطيرة فى سيطرة الطيران الإسرائيلى على الأجواء المصرية بعد ضرب ممرات ومهابط الطائرات فى سيناء وغيرها من المطارات.
ولأن الانتصارات تأتى دائماً من رحم الهزائم، وأن كليهما لا يأتى من فراغ، فإن النتيحة الحتمية للهزيمة - كما قال السفير بسيونى رحمه الله - هى التى دفعت الرئيس السادات والمشير أحمد إسماعيل وباقى قيادات القوات المسلحة فيما بعد إلى تلافى الأخطاء التى وقعت فى 5 يونيه، مما يؤكد أن هزيمة 67 لا يمكن أن تتكرر لأن القوات المسلحة الباسلة وعت الدرس جيداً، وأيقنت بما لا يدع مجالاً للشك أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، فحملت على عاتقها حماية الوطن والحفاظ على مكتسباته، وصيانة مقدرات شعبه بالتدريب الجاد وتعدد مصادر السلاح، فعبر بها الرئيس السادات بر الأمان، واجتازت معه حاجز الهزيمة إلى آفاق النصر وإقامة ركائز جديدة اعتمدت على أبعاد جادة وصادقة، وكان أهم هذه الأبعاد هو البعد الإقليمى والذى يمكن بموجبه الوقوف فى وجه إسرائيل لو خلصت النوايا، ولكن هيهات أن يحدث إجماع عربى فى ظل تسابق دويلات صغيرة على نيل الرضا الأمريكى والإسرائيلى وتوجيه طعنات قاتلة لظهر الأشقاء العرب.
وفى تعليقه على أهمية البعد الإقليمى، خاصة على جبهة الشقيقة سوريا فى حرب 73 يقول السفير بسيونى: لقد توافر لهذا العمل التاريخى عنصر لا يمكن أن يسقط من حساباتنا وهو البُعد الإقليمى الذى تمثل فى وضع وتنسيق خطة متكاملة بين مصر وسوريا فكان أزيز الطائرات المصرية المقاتلة والقاذفة فى سيناء يختلط بزئير المدافع فى هضبة الجولان بإيقاع متناغم ومتجانس، جدد الأمل فى نفوس العرب، وأحيا العزة فى قلوبهم بعد كبتها، فكان طبيعيا أن ينهض الأشقاء للمشاركة فى هذا العمل التاريخى الذى لن يمحى من ذاكرة أى عربى فى أى عصر- حيث تم توظيف سلاح البترول لخدمة الأهداف العربية.
فى أبريل 73 حضر الرئيس حافظ الأسد إلى برج العرب فى زيارة سرية، حيث اجتمع مع الرئيس السادات الذى أطلعه على كشكول الجمسى الذى يتضمن دراسة كاملة حول توقيتات القتال المقترحة، وموقف العدو وموقف قواتنا وسير العمليات المقترحة، واتفق الرئيسان على أن يجتمع مجلس أعلى مشترك للقوات المسلحة المصرية والسورية، وكان يضم 13 قائدا مصريا وسوريا برئاسة الفريق أول أحمد إسماعيل لوضع اللمسات الأخيرة للمعركة، كما تم اجتماع المجلس الأعلى المشترك فى مكتب قائد القوات البحرية المصرية فى رأس التين بالإسكندرية يومى 22 و23 أغسطس 73 للبت النهائى فى بعض الموضوعات العسكرية المشتركة والاتفاق على توقيت بدء الحرب.
وتم الاتفاق فى الاجتماع على بدء الحرب فى أكتوبر واجتمع أيضا حافظ الأسد وأنور السادات فى دمشق يومى 28 و29 أغسطس واتفقا على أن يكون يوم 6 أكتوبر هو يوم بدء الهجوم.
وقد رسم السفير الراحل محمد بسيونى خريطة حرب أكتوبر على الجبهة السورية فى كراسة كتبها بخط يده أطلق عليها «كراسة بسيونى»، وتأكيداً للمصداقية فقد منحها لأكتوبر وقد أكد فيها على عدة محطات مهمة هى:
أولاً: شاركت القوات السورية على الجبهة بثلاث فرق مشاه ميكانيكى وهى:
1) الفرقة السابعة فى القطاع الشمالى.
2) الفرقة التاسعة فى القطاع الأوسط.
3) الفرقة الخامسة فى القطاع الجنوبى.
وفى النسق الثانى فرقتان مدرعتان..
ثانياً: كان على سوريا أن تواجه بعض التشكيلات عند التخطيط للعمليات أهمها: الخندق المضاد للدبابات الذى حفرته إسرائيل على امتداد الجبهة فى الجولان، ومن خلف الخندق المضاد للدبابات نقاط قوية محصنة، مما أدى إلى تعسر هجوم الفرقة السابعة فى القطاع الشمالى.
ثالثاً: أثار بعض القادة السوريين خلال اجتماع الأسد بهم مشكلة توقيت بدء العمليات الساعة الثانية ظهرا، وتكليف الرئيس الأسد بالتوجه للقاهرة لإبلاغ مصر بذلك، وتكليف السادات للفريق أول أحمد إسماعيل للسفر إلى دمشق لإقناع الأسد بعدم إمكانية تغيير توقيت بدء الهجوم الذى سبق الاتفاق عليه وهو الثانية ظهرا.
رابعاً: إسقاط السلاح الجوى الإسرائيلى لعدد 13 طائرة سورية فى كمين جوى يوم 13 سبتمبر 73.
خامساً: قبل أن تحين ساعة الصفر «الساعة الثانية» انتقل الرئيس الأسد إلى مركز القيادة الرئيسى للقوات المسلحة السورية فى دمشق واتخذ مكانه وعلى يمينه ويساره كل من اللواء مصطفى طلاس وزير الحربية واللواء عواد باغ نائب وزير الدفاع واللواء يوسف شكور رئيس الأركان واللواء عبد الرازق الدردرى رئيس هيئة العمليات واللواء ناجى جميل قائد القوات الجوية والدفاع الجوى واللواء جبرائيل بيطار رئيس الاستطلاع.
وقد تواجدت - والكلام على لسان السفير بسيونى - معهم فى مركز القيادة الرئيسى للقوات المسلحة السورية كضابط اتصال بين الجيشين السورى والمصرى.
سادساً: وفى نفس يوم الهجوم (6 أكتوبر-10رمضان) صباحا ونحن فى مركز القيادة سقطت أمطار غزيرة على الجبهة السورية، وكانت هناك مخاوف لدى القادة من استمرار هطول هذه الأمطار، وكان هذا يعنى التأثير على قدرة الدبابات والقوات السورية على العمل طبقا للخطة، وكذلك التأثير على القوات الجوية والمطارات، إلا أن الأمطار لم تستمر كثيرا واستراحت الأعصاب المتوترة.
سابعاً: إبرار القوات الخاصة السورية بالهليكوبترات على مراكز الإنذار المبكر للقوات الإسرائيلية فى جبل الشيخ والنجاح فى احتلاله الساعة 2200 يوم 6 أكتوبر.
ثامناً: استطاعت إحدى كتائب الدبابات من الفرقة التاسعة المشاه الميكانيكى أن تحقق أكبر نجاح حققته وحدة برية سورية أثناء العمليات، حيث وصلت إلى منطقة (دبورية) على نهر الأردن على الحدود الدولية بين سوريا وإسرائيل، وذلك سعت 830 صباح 7 أكتوبر.
تاسعاً: وفى يوم 9 أكتوبر قصفت سوريا بالصواريخ أرض- أرض قاعدة رامات دافيد، إلا أن الصواريخ سقطت على قرية زراعية بالقرب من القاعدة وسقط صاروخ واحد على القاعدة.
عاشراً: يوم 12 أكتوبر استطاعت القوات الإسرائيلية الوصول إلى جنوب مرزعة بيت جان فى القطاع الشمالى على مسافة حوالى 30كم من دمشق، حيث تقدم العدو إلى جنوب سعسع.
الحادى عشر: تمكن الطيار المصرى فكرى الجندى يوم 13 أكتوبر بطائرة ميج 17 من السرب المصرى ميج 17 المتمركز فى مطار المزة من إسقاط طائرة فانتوم فى منطقة الزبدانى.
الثانى عشر: وكان الموقف يوم 22 أكتوبر هو استعادة إسرائيل لمرصد جبل الشيخ والقضاء على كتيبة الدبابات السورية التى وصلت إلى الدبورية واحتلال إسرائيل ل 325 ميلا من الأراضى السورية أكثر من الأرض التى كانت لديها قبل بدء الهجوم فى 6 أكتوبر. وبذلك ضاعت الجولان بسبب الدعم الأمريكى اللامحدود لإسرائيل.
الثالث عشر: ويوم 24 أكتوبر أعلنت سوريا قبولها قرار مجلس الأمن ووقف القتال.
وفى تقييمه لحرب 73 يؤكد السفير بسيونى أن إسرائيل ادعت بدعم من الدول الأوروبية أن مصر لم تنتصر فى حرب أكتوبر 73 وأنها عبرت قناة السويس فقط ولم تحقق أى تقدم بعد ذلك.. بل نجحت إسرائيل فى فتح ثغرة بين الجيشين الثانى والثالث وعبرت بحوالى فرقة مدرعة إلى الجبهة الغربية لقناة السويس وقطعت طريق مصر السويس الصحراوى ووصلت إلى ميناء الأدبية.
ورداً على هذه الأكاذيب يقول السفير الراحل محمد بسيونى:
1) فى العمليات العسكرية يقاس النجاح والفشل بمدى تنفيذ التوجيه الاستراتيجى الذى كلفت به القوات المسلحة فى هذه الحرب، فإذا عدنا إلى التوجيه الاستراتيجى الذى أصدره القائد الأعلى للقوات المسلحة الرئيس السادات إلى القائد العام الفريق أول أحمد إسماعيل فى 5 أكتوبر 73- التاسع من رمضان نجد أن نصه الآتى:
أ) إزالة الجمود العسكرى الحالى بكسر وقف إطلاق النار اعتبارا من 6 أكتوبر 1973.
ب) تكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة فى الأفراد والأسلحة والمعدات.
ج) العمل على تحرير الأرض المحتلة على مراحل متتالية حسب نمو وتطور إمكانات وقدرات القوات المسلحة.
وقد تم فعلا تنفيذ كل بنود التوجيه الاستراتيجى الذى كلفت به القوات المسلحة وأصبحت سيناء - 60 ألف كيلو متر مربع- تحت السيادة المصرية.
2) أما الثغرة فلم تحقق أى أهداف عسكرية أو سياسية.
وفى النهاية يقول السفير بسيونى:
وسط هذه النفحات المباركة لحرب أكتوبر المجيدة هناك حقيقة لابد أن نصارح بها أنفسنا وهى أن هذه الصفحة الناصعة من التاريخ المصرى لم تحظ بما تستحقه من الاهتمام، وكان جديرا بالمسئولين عمل فيلم تاريخى عالمى لهذه الملحمة العظيمة حتى تظل حية فى وجدان الأجيال المتعاقبة من أبناء مصر والأمة العربية لتبقى إلى الأبد مثالا مضيئا لعودة الوعى وتجدد الثقة فى نفوس الملايين.. والقوات المسلحة المصرية التى ضحت بأعظم الرجال لرفعة هذا الوطن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.