نشأ فى نجوع أسيوط فتعود على البساطة والصلابة وطاف الأرض شرقاً وغرباً ولم ينس أصله وأهله، رحل والده يوم مولده فتربى فى أحضان أخيه، ووضعته والدته فى صندوق الموتى فعاد للحياة من جديد، آمن بالإنجيل وتعلم القرآن وروى قصة السيد المسيح والنبى محمد عليهما الصلاة والسلام.. إنه الكاتب الصحفى الكبير الأستاذ لويس جريس، فتح ل «أكتوبر» خزانة أسراره وقال: إن حادث الإسكندرية موجه ضد الدولة، وليس ضد الأقباط كما يدعى البعض وإذا كان قد وقع فى الكنيسة اليوم فمن الوارد أن يكون فى المسجد غداً، مطالباً بأن تكون دماء شهداء كنيسة القديسين بمثابة مياه تروى شجرة الدولة المدنية. وأضاف أنه يكره السياسة ولكنه يمارسها، ويعشق الصحافة، ولا يستغنى عنها، رفضته «الأهرام» فدخل «صباح الخير» ب «زكيبة أفكار» وفقاً لتعبيره الصعيدى. كان يكتب فى الطرقات، ويحضر قبل أحمد بهاء الدين ويغادر «روز اليوسف» بعد إحسان عبد القدوس.. تعرف على المبدعة سناء جميل «بالصدفة» وتزوجها «بالتقسيط» واكتشف أنها «بميت راجل».. تعلم منها المواجهة وتعلمت منه الصبر، اعترف أن سناء استلفت فناجين القهوة فى أول يوم زواج لضيافة إحسان وبهاء والبهجورى ومفيد واشتريا العفش بعد الدخلة بأسبوع.. كشف لنا الأستاذ لويس أن الفنانة الراحلة كانت تسمع بأذن واحدة بسبب «قلم» عمر الشريف فى «بداية ونهاية»، واعتداء نجلاء فتحى عليها فى فيلم «المجهول»، وأكد أن كلام مفيد فوزى على عبد الحليم وسعاد حسنى غير صحيح.. ذكر أن «هيكل» قيمة كبيرة، ولكن بنى مجده على حساب عبد الناصر وأن «مصطفى أمين» كان يستقبله وهو طالب، ولكن بعد التخرج قال له: المقابلة انتهت، أشاد بأخلاق إحسان عبد القدوس وفتحى غانم وصلاح حافظ، وكشف سر حوار أنور السادات لعبد الرحمن الشرقاوى، ونشر مذكرات محمود الجيار عن جمال عبد الناصر وموقف الرئيس مبارك من كلام محسن محمد فى تركيا.. السطور التالية تكشف الكثير من الحكايات والحقائق والأسرار وإلى نص الحوار. *ما المفتاح الذى يمكن من خلاله الدخول فى أغوار شخصية الكاتب الصحفى الكبير لويس جريس؟ **أنا شخصية لا مفتاح لها، إنسان بسيط، أرفض الغدر وأكره الخيانة، لا أخفى شيئاً، فما أضمره يظهر على لسانى، لا أحب المؤامرات ولا أشترك فيها، أسيس أمورى، ولا أشارك فى ألاعيب السياسة، ولا أنتمى إلى حزب، أو أدخل فى جماعة، وأنفتح على كل التيارات الفكرية والدينية. *وما أهم المحطات فى حياة الكاتب الكبير؟ **المحطة الأولى كانت يوم وفاة والدى، فقد توفى - رحمه الله - وعمرى 7 أشهر، وقيل يومها على لسان جدتى «الولد ده فقرى اتولد من هنا، وأبوه مات من هنا» ثم إهمالى خلال الجنازة ومرضت، عندها نظرت جدتى فى وجهى، وحركت جسدى فوجدته ساكناً فقالت لأمى: لقد مات لويس واستراح، وأحضرت أمى نجاراً وصنع لى صندوقاً ووضعونى فيه لدفنى، وعندما همت والدتى بإغلاق الصندوق، وجدتنى أشهق، فصاحت وقالت: لويس حى «لسه فيه الروح» وانتفضت الأم وكأنها عصفور بلله القطر، وخطفتنى من الصندوق، ونزلت إلى الشارع، واستقلت سيارة إلى أسيوط، ودخلت مستشفى الأمريكان، وظلت فيه 3 أشهر حتى عادت بى سالماً معافى.. وقال الأستاذ لويس: لولا هذه الشهقة لكنت فى عداد الأموات. *معنى هذا أنك لا تعرف أى شىء عن الوالد؟ **حياة والدى كانت - بالنسبة لى - كتاباً مفتوحاً لأن والدتى، وشقيقى الأكبر مفيد وكبراء العائلة، قصوا علىّ حياة الوالد بالتفصيل، علمت أن والدى تربى يتيماً أيضاً وبعد وفاة أمه تزوج والده - جدى - بأخرى، وكانت حكايتها حكاية، لأنها ظلت طبيعية لحين إنجابها، ولكنها بعد ذلك شجعت جدى على طرد أبى من البيت حتى لا يزاحم أولادها فى الأرض أو الميراث، وكان عمره آنذاك 16 سنة، وذهب إلى أقاربه فى أبو تيج، وهناك أعطته سيدة خيِّرة مكاناً ينام فيه، واستلفت له «فلوس» يتاجر بها. التجارة شطارة/U/ ويضيف الكاتب الصحفى الكبير لويس جريس أنه بفضل إخلاص والدى فى العمل وحرصه على النجاح، فقد رسا عليه عطاء خط الإنارة العمومى من أسيوط إلى أسوان وهو أن يقوم «العامل» بمد الأعمدة بغاز الاستصباح، وبعد الحرب العالمية الأولى تغير الحال تماماً حيث نجح والدى فى تكوين ثروة كبيرة بعد تعاقده مع 11 محطة موبيل أويلد لتوزيع السولار على أعمدة الإنارة ومحطات رفع المياه والتى كانت منتشرة فى صعيد مصر حتى نهاية الستينات، وقبل ظهور الآلات الحديثة المعروفة، بالدويتس والكارلسكار. *وماذا عن الوالدة؟ **والدتى ذاقت مرارة العيش مع أبى.. كانت تبدأ يومها بإطعام «الجاموسة» التى اشتراها والدى لنشرب منها لبناً طازجاً، ثم إطعام البط والفراخ والديوك الرومى، ثم تقوم بعدها بتجهيز الفطور.. غرست فينا الحب والتسامح من خلال قراءتها فى كتاب «التراتيل» وروت لى ونحن صغار قصة السيد المسيح والرسول الكريم، اشترى لها أخى الأكبر «مفيد» راديو خشب فكانت تستمع للقرآن على صوت الشيخ رفعت وأحاديث الشيخ شلتوت.. وكانت تعتقد أن الشيخ رفعت يقرأ داخل الصندوق الخشبى فتنهض وتغطى رأسها احتراماً له. *أستاذ لويس.. تقول إن والدتك علمتك الحب والتسامح.. فهل تتذكر مثل هذه المعانى الجميلة؟ **أنا لا أتذكر معانى فقط ولكنى أتذكر وقائع مازالت مؤمناً بها حتى أيامنا تلك، فعندما كنت طالباً فى الابتدائية، والتوجيهية كنت أرجع من المدرسة فى شهر رمضان الساعة الرابعة أو الرابعة والنصف وأتذكر جيداً أن والدتى كانت تؤخر الطبيخ حتى «يدق» مدفع الإفطار.. لنتناول طعامنا مع جيراننا المسلمين. *أستاذ جريس كنت قد ذكرت فى بداية الحوار المحطة الأولى.. فماذا عن المحطة الثانية فى حياتك؟ **المحطة الثانية كانت عندما حصلت على التوجيهية عام 1948 وهى تعادل الثانوية العامة اليوم. *ولماذا تجاهلت المرحلة الابتدائية؟ **الابتدائية كانت فى مدرسة السلطان فرغل فى أبو تيج بأسيوط، وكان السلطان فرغل هذا رجل له كرامات مثل سيدى عبد الرحيم القناوى فى قنا، وسيدى جلال فى أسيوط، وهذه هى الثقافة المصرية الأصيلة التى تربينا عليها وهى احترام أولياء الله الصالحين. *وهل الثانوية كانت فى أسيوط أيضاً؟ **مدرسة الملك فؤاد الأول التى حصلت فيها على الثانوية كانت فى سوهاج، ونجحت فى التوجيهية بمجموع 61%، وكنت أنوى دخول كلية الطب، ولكن فى هذا العام قبل طب قصر العينى الحاصلين على 62.5% أما طب الأسكندرية فأخذ الحاصلين على 62% فقط فحرمت من دخول كلية الطب على 1% من الألف للياء/U/ *وما هو رد فعل الأسرة؟ **كما قلت لك فإن والدى توفى وأنا مازلت صغيراً وقام بتربيتى شقيقى الأكبر مفيد، الذى تحمل المسئولية فى سن مبكرة تولى تجارة الأقطان التى تركها والدى، وتعاقد مع شركة موبيل أويلد لتوزيع الكيروسين والمازوت والسولار، وقال لى بعد نجاحى فى التوجيهية.. لا تحزن على عدم دخولك الطب، والتحق بأية كلية شئت وسأصرف عليك من الألف للياء، وبذلك فقد زرع شقيقى الأكبر فى نفسى الأمان والاستقرار والثقة بالنفس. *هل أثر هذا الشعور فى نفسك؟ **طبعاً فقد جعلنى أتحمل المسئولية مبكراً ومن هنا فقد ذهبت إلى جامعة فاروق الأول بالإسكندرية لألتحق بكلية العلوم، على أمل الحصول على تقدير جيد جداً فى الفرقة الثانية، والالتحاق بإعدادى طب، وكان من حسن حظى وجود د. حسين فوزى الشهير باسم السندباد المصرى، وهو أحد أعلام مصر فى مجالات الثقافة، والترجمة والفنون والآداب والتاريخ. العزف على البيانو/U/ *وما دور د. حسين فوزى فى حياتك؟ **د. حسين فوزى كان محطة رئيسية غيرت مجرى حياتى، والسبب أنه دعا الدفعة بأكملها بصفته عميداً للكلية، على تناول الشاى بمنزله الكائن ب 12 شارع السلطان حسين بالإسكندرية، وعند تقديم الحلوى قام وعزف على آلة الكمان تصاحبه زوجته بالعزف على البيانو وبدأت بمقطوعات من الموسيقى الكلاسيك.. وبعد الانتهاء من العزف سألنا عن نوعية المقطوعة، فعجزنا عن الإجابة، فبدأ يشرح لنا أهمية الموسيقى الكلاسيك فى حياة العلماء وأثرها فى تهذيب النفوس، وأوصانا بأن يتعلم كل طالب هواية تعينه على دراسة العلوم، على أساس أن العلوم الطبيعية والفيزيقية معقدة ومركبة وكئيبة، ومن هنا قررت الالتحاق بجماعة الصحافة، والتى كانت تصدر مجلة فصلية أربعة أعداد فى العام.. ولما حان وقت اتخاذ القرار ذهبت إلى د. حسين فوزى بصفته الأب الروحى لكل طلاب الجامعة وسألته: أين أبدأ دراسة الصحافة، قال: فى الجامعة الأمريكية لأنه لا يوجد أى مكان آخر فى مصر يقوم بتدريس الصحافة إلا فى هذه الجامعة، وفى عام 1951 سحبت أوراقى من جامعة فاروق الأول - الإسكندرية حالياً - وقدمتها فى الجامعة الأمريكية التى رفضت قبولى فى كلية الصحافة، فالتحقت صاغراً بكلية العلوم، وطلب منى شقيقى الأكبر مفيد الالتحاق بقسم الكيمياء حتى أتمكن من العمل فى شركة موبيل التى بصدد فتح فرع جديد لها فى السويس، وقبول الكيميائيين الجدد بمرتبات لا تقل عن 35 جنيها فى الشهر، وهو مرتب مجزٍ مقارنة بمرتبات هذا الزمان. أول السلم/U/ *معنى هذا أنك لم تدرس الصحافة؟ **كان هذا هو المتوقع، ولكن رئيس قسم الصحافة أخبرنى بأنه يمكن قبولى بالقسم إذا دفعت المصاريف مضاعفة أى أن أدفع 150 جنيهاً بدلاً من 75، وأن أبدأ السلم من أوله وأدخل الفرقة الأولى من جديد، وأن يضيع علىَّ العامان الدراسيان اللذان قضيتهما فى جامعة فاروق الأول بكلية العلوم بالإسكندرية، ومع أن التضحية كانت كبيرة إلاّ أننى فضلت الالتحاق بالفرقة الأولى بكلية الصحافة بالجامعة الأمريكية، وبدأت ب 3 تحقيقات صحفية نالت استحسان وإعجاب رئيس القسم وهى «القاهرة مدينة المآذن والخطيئة» والثانى «ماذا تفعل إذا ورثت مليون دولار؟» أما الثالث فكان بعنوان «كل ما تفعله ينقلب إلى ضده». حكايتى مع الأهرام/U/ *يقال إن الأستاذ لويس جريس كانت له قصة فى الأهرام قبل العمل فى دار الهلال وروز اليوسف.. فما صحة هذا الكلام؟ **بعد تخرجى فى الجامعة الأمريكية أرسلت لى الأهرام خطاباً تؤكد فيه أنه تم تعيينى بالقسم الخارجى مع تخصيص جائزة مالية وشهادة تقدير، وعلى الفور أخذت هذا الخطاب، وتوجهت للأستاذ عزيز ميرزا مدير تحرير الأهرام والذى قال لى بالحرف الواحد لن نعينك وسنلغى الجائزة التى نمنحها لكلية الصحافة بالجامعة الأمريكية وستكون يا لويس آخر من يحصل عليها. يقول الأستاذ لويس جريس كان من الممكن أن أرفع قضية على جريدة الأهرام بموجب هذا الخطاب، إلاّ أننى رفضت هذا المبدأ لأننى أرفض أن أعمل فى مكان غير مرغوب فيه ، وقلت فى نفسى: إن رزقى لن يأخذه غيرى. لويس تحت الشجرة/U/ *ماذا فعلت بعد هذه المأساة؟ **عدت إلى الجامعة الأمريكية مرة ثانية، ولأننى كلما أمر بظروف صعبة، يغالبنى النوم، وفعلا نمت تحت شجرة فأيقظنى د. حنا رزق أستاذ العلوم الاجتماعية، ومدير الدراسات المسائية بالجامعة الأمريكية آنذاك عرضت عليه المأساة، وقال لا تحزن، وألحقنى بالعمل معه فى الجامعة لأكون مسئولاً عن الأنشطة الثقافية فى قاعة «إيورد». *وهل صحيح أنك اشتغلت فى مؤسسة «دار التحرير»؟ **نعم اشتغلت فى دار التحرير وبالتحديد فى جريدة الجمهورية، لمدة 3 أشهر، وبدأت الحكاية، عندما قابلنى أحد أساتذتى بقسم الإعلانات فى كلية الصحافة بالجامعة الأمريكية، وقال لى يا لويس أنا مكلف باختيار صحفيين لجريدة الجمهورية، لم يسبق لهم العمل فى الأحزاب، أو الجرائد القديمة وقدمنى لنائب المدير العام الصاغ محسن عبد الخالق وكما تعلم فإنه كان من الضباط الأحرار، وأصبح فيما بعد من المقربين للرئيس جمال عبد الناصر، لأنه - كما قيل - تلقى رصاصة عنه، وأنقذه من موت محقق مما قوى أواصر المحبة بينهما. وفى النهاية قدمت استقالتى من دار التحرير بعد 3 أشهر من العمل ولم أحصل على مليم واحد. *ماذا فعلت بعد ذلك؟ **ذهبت إلى صباح الخير وانطلقت كالصاروخ، تزوجت الصحافة قبل زواجى من الراحلة «سناء جميل» كنت أذهب إلى «روزا» فى المبنى القديم الساعة 8.15 صباحاً، أى قبل حضور الأستاذ أحمد بهاء الدين ب 45 دقيقة وكنت أنصرف الساعة 12.15 أى بعد الأستاذ إحسان عبد القدوس ب 15 دقيقة.. ولأن مكتبى كان فى الطرقة، كان الكل «يتكعبل فىّ» حتى أصبحت أشهر من النار على علم. *بعد استقرار الأمور فى صباح الخير كيف تعرفت على الفنانة سناء جميل؟ **بعد رجوعى من البعثة فى أمريكا عام 1959 عدت إلى روز اليوسف، وكانت معنا فتاة سودانية رقيقة تتدرب معنا لأنها تنوى إصدار مجلة نسائية فى الخرطوم، وكان اسمها «خديجة صفوت» وهى الآن أستاذة للإعلام بجامعة كمبريدج، استمرت معى أكثر من 3 أشهر فى روزا فنشأت صداقة قوية معها، وفى شهر يناير عام 1960 قررت خديجة الاحتفال بانتهاء تدريبها فى حفلة عائلية بمنزل الفنانة سناء جميل، وكانت قد انتهت لتوها من تصوير فيلم «بداية ونهاية» الذى كان يعرض فى سينما ميامى آنذاك، وعندما عزمتنى خديجة على الحفلة رفضت لأننى لا أعرف الفنانة الصاعدة، وبالتالى لا تسمح لى تقاليدى الصعيدية، أن أقتحم منزلا لا أعرف سكانه، ومع إصرارى قررت الزميلة الكريمة خديجة صفوت أن نذهب إلى السينما لنشاهد الفيلم، وبعدها «يعرفونى» على سناء جميل، على أن يتم تحديد حفلة الوداع لاحقاً. *قرأت أن الفنانة القديرة سناء جميل طلبت منك 3 تعريفة فى حفل توديع خديجة صفوت ولم تأخذها منك؟ **هى بالطبع لم تطلب منى ال 3 تعريفة لتأخذها، ولكن ليطمئن قلبها أن معى ثمن المكالمة، والدليل أنها أعطتنى رقم تليفونها القديم وهو 20148، والذى مازال عالقاً فى ذاكرتى بعد هذا العمر المديد، وأتذكر أنه عندما كلمتها تدفقت المشاعر فى داخلى ولم أتكلم. لغة العيون/U/ *قلت لى إن المشاعر التى تدفقت فى داخلك لم تترجم إلى أفعال أو أقوال أو حتى إشارات؟ **لأننى حتى يناير 1960 كنت أعتقد أن سناء جميل مسلمة، فكل صويحباتها «مسلمات» سميحة أيوب، زهرة العلا، برلنتى عبد الحميد، نعيمة وصفى، كل ما يقولوا لا إله إلا الله تقول سناء محمد رسول الله، وكل ما يقولوا صلوا على النبى تقول سناء عليه الصلاة والسلام، لم نفكر يوماً أن هناك مسلمين ومسيحيين هناك فقط أم واحدة لنا جميعاً هى مصر، وأن أبناءها هم المصريون. *ومتى كشفت عن هذه المشاعر؟ **فى إبريل عام 1961 كان عيد ميلادها، عزمتها على الغداء، وقلت لها «ما تيجى نعيش مع بعض» لم تنطق ببنت شفة كما يقولون فتركتها بحريتها، وفى يوم 15 يونيه من نفس العام «لقيتها بتتصل علّيه فى «صباح الخير» وتقول لى: يا لويس، إنت كنت قلت «ما تيجى نعيش مع بعض.. إنت كنت بتتكلم جد» فقلت لها طبعاً، وهل أنا أعرف معك غير الجد، قالت يعنى تقصد الزواج، قلت نعم، قالت نتجوز أول يوليه، قلت لها: على بركة الله. دبلة الخطوبة/U/ *وماذا عن دبلة الخطوبة؟ **يضحك الأستاذ جريس قائلاً: يبدو أنك كنت معنا، لأن دبلة الخطوبة لها حكاية أيضاً، وهى أننا فى نفس اليوم الذى اتفقنا فيه على الخطوبة قالت لى الراحلة سناء جميل «معاك فلوس»، قلت لها معى سبعة جنيهات.. فأخذتها منى وتوجهت بنفسها إلى الصائغ، وطلبت منه تجهيز دبلتين واحدة لى والثانية لها ويكونان بتاريخ 1/7/1961، وعند الزفاف ذهبت إلى الكنيسة لعقد القران، ولكن الكنيسة كانت لها بعض الطلبات. *وما هى طلبات الكنيسة؟ **الكنيسة طلبت من سناء شهادة المؤهل، فتوجهت إلى الأستاذ نبيل الألفى رئيس المسرح القومى فوجدته مسافراً، فعرضت الأمر على الفنان القدير حسين رياض أمين عام المسرح، والذى قام بتهنئتى، وتوصيل التهانى لسناء، وقام باستخراج الشهادات المطلوبة، وأخذت شقيقى الأكبر فايز جريس المحامى، والفنان آدم حنين لنكمل مراسم الزواج فى الكنيسة، إلاّ أن القسيس قال لا يمكن أن يتم الزواج إلا بشهود وضيوف، لابد من الإشهار والفرحة، فتوجهت إلى روز اليوسف، واستأجرت 7 تاكسيات، وأخذت 35 من عمال المطبعة ليحضروا معى مراسم زواجى فى الكنيسة، وكانت ليلة، عندما قالت لى سناء ما يصحش يا لويس تسيبهم يرجعوا ماشيين فاستأجرت لهم 7 تاكسيات لتوصيلهم مرة أخرى ل «روز اليوسف». *وأين كانت الإقامة فى أيام الزواج الأولى؟ **كانت فى 22 شارع متحف النيل الدور الثالث، بدأنا حياتنا فيها، ويرجع الفضل للفنان القدير عبد المنعم ابراهيم، الذى جاءنى ذات يوم فى «صباح الخير»، وقال لى يا لويس، موش انت عايز تتجوز سناء جميل، وبتدور على شقة، أنا عندى الشقة.. عايزين نفرح فيها، ودخلنا فى الشقة من غير فرش، ولا جهاز، وكانت ليلة ولا ألف ليلة، وفى يوم عزمت إحسان عبد القدوس.. فوجئت إنه أحضر معاه أحمد بهاء الدين، وبهجت عثمان ويوسف فرانسيس، وحجازى الرسام وجورج البهجورى ومفيد فوزى. *وماذا كان رد فعل العروسة سناء جميل؟ **خرجت من «المطب» بسرعة، ذهبت لإحدى جاراتها واستعارت منها 6 أطباق غرف، و6 غويط، وحلتين كبار، وحلة صغيرة، و6 فناجين شاى، وشوية ملاعق، وعملنا الواجب، وبعد انصرافهم فى الثالثة صباحاً طلبت منها الراحة.. قالت يا لويس: أنا سالفة «المواعين» أو «أوانى الطهى» وقلت لجارتى أنا هارجعهالك الساعة 8 صباحاً ولازم ألتزم بالميعاد وأخذتنى سناء من يدى إلى المطبخ، وهى تغسل وأنا أشطف حتى انتهينا من مهمتنا، ونهضت الفنانة الراحلة وهى عروس جديدة لتسلم جارتها أوانى الطهى فى الموعد الذى قطعته على نفسها. *أستاذ لويس.. ألم تشعر بالقلق بعد زواجك من الفنانة سناء جميل؟ **هذا سؤال جميل لأننى فعلا شعرت بالقلق فى بداية حياتى الزوجية، وأصبحت أحدّث نفسى قائلاً لها: لماذا تورطت فى الجوازة دى، وبدأت صحتى فى النازل من كثرة التفكير والقلق، وبدأ كل من حولى يحس بما أحدّث به نفسى. بدرى بدرى/U/ *ولكنك لست أول إعلامى يتزوج من فنانة؟ **هذه حقيقة أيضاً ففى عام 1961، وهو العام الذى تزوجنا فيه أنا وسناء جميل تزوج الإعلامى أحمد فراج من الفنانة صباح والزميل نبيل عصمت من ليلى طاهر، وجلال معوض من ليلى فوزى. *وماذا قال لك المقربون فى قصة زواجك من سناء جميل؟ **صلاح جاهين قال لى: انصب طولك.. يا لويس انت متزوج أحسن إنسانة فى مصر، أما إحسان عبد القدوس فعزمنى على العشاء وقال لى انت متزوج موهبة، لو تركتها ستزدهر، ولو تحكمت فيها ستموت بين يديك ويلعنك التاريخ. *وماذا عن نصيحة المفكر العظيم لويس عوض؟ **يضحك الأستاذ لويس قائلا: ومن أين عرفت هذه النصيحة؟ ويتابع إن لويس عوض نصحه بأن يُبعد الفنان عن القراءة، لأنها - أى القراءة - من وجهة نظره عدو الممثل بل إنها تورث الفنان الاكتئاب، والاكتئاب عدو الممثل أيضاً، يا لويس اجعل سناء تجلس فى مكاتب المثقفين وليس فى مقاعد المثقفين، ولذلك - كما يقول الأستاذ لويس جريس لم تقرأ سناء جميل إلاّ كتابين فقط الأول: «بروتوكولات حكماء صهيون» ترجمة شوقى عبد الناصر، شقيق الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، أما الكتاب الثانى فهو عن حياة الزعيم الصينى «ماوتسى تونج» الذى قال مقولته الشهيرة «رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة»، بالإضافة إلى أنها كانت تهوى قصائد «أبو القاسم الشابى». ثروة فنية/U/ *قرأت أن الكاتب المسرحى المعروف ألفريد فرج أوصاك خيراً بالفنانة سناء جميل.. فما مضمون هذه الوصية؟ **هذه حقيقة أيضاً حيث قال لى الكاتب المسرحى صراحة: يا لويس انت متزوج ثروة قومية، فحافظ عليها.. وبالفعل فقد استجبت لهذه النصائح، ولم أرغمها على فعل شىء، حتى أنها أعلنت أكثر من مرة أن لويس جريس منحنى الأمان والاستقرار. أستاذ حمام/U/ *بعد أكثر من 40 سنة زواجاً هل تأثرت بالفنانة سناء جميل؟ **تعلمت منها المواجهة، فأنا خجول بطبعى، ومجامل إلى أقصى درجة، وأتحمل أخطاء الغير ولو على حسابى الشخصى، وأتذكر أن أحد الزملاء فى العمل أغضبنى، ولاحظت هى ذلك، فسألتنى عن سر غضبى، فرفضت الإجابة، حتى لا أشوه صورة زميلى، وهى بذكائها المعهود فهمت ذلك، وبدأت تعترض على هذا التصرف، ورفعت صوتها، فانفجرت فيها باللغة العربية الفصحى، فقالت ضاحكة، إيه يا لويس: «موش تتخانق زى الناس» حد يتخانق باللغة العربية الفصحى أنت عايز تعمل زى الأستاذ حمام نحن الزغاليل.. وبعد هدوء العاصفة قالت لى يا أستاذ: «لما يكون فى نفسك حاجة تقولها، ما تشيلهاش فى نفسك» بمعنى إن لما دبوس يشكك تقول أى، لأن كل فعل رد فعل. *أستاذ لويس قل لى بصراحة.. هل كنت تغار عليها؟ وما نسبة هذه الغيرة؟ **الغيرة غريزة إنسانية، ولازم كل واحد يغير على زوجته أما نسبة الغيرة فكانت فى حدود المعقول خاصة بعد استجابتى لنصائح الزملاء فى الحقل الصحفى والثقافى والفكرى، لأن كل شىء يزيد على حده ينقلب إلى ضده، ولكن يجب أن تعرف أن الراحلة سناء جميل كانت «ست بميت راجل». *وهل كانت تغار عليك؟ **كانت تغار علىّ بدرجة كبيرة، ولم أكتشف ذلك عملياً إلا بعد فيلم «الزوجة الثانية» بطولة العمالقة سعاد حسنى وصلاح منصور وشكرى سرحان.. حيث أخبرها المخرج الراحل صلاح أبو سيف أن لويس بداخل الغرفة مع سعاد حسنى، وطبعاً سعاد فى ذلك الوقت كانت «ست الحسن والجمال» عندها اشتعلت الغيرة فى قلب سناء واعتقدت أننى مع سعاد فعلاً ومثلت أجمل مشاهدها على الإطلاق. المجهول/U/ *هل صحيح أن الفنانة الراحلة، كانت تسمع بأذن واحدة؟ **هذه حقيقة، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل أولها عندما ضربها شقيقها الأكبر على وجهها معترضاً على دخولها مجال التمثيل، والثانى عندما ضربها الفنان عمر الشريف على وجهها أيضاً فى أحداث فيلم بداية ونهاية، عندما عادت معه من قسم الشرطة، أما العامل الثالث فكان عندما انهالت عليها ابنتها الفنانة نجلاء فتحى فى فيلم «المجهول» عندما اكتشفت أن أمها - سناء جميل - وضعت السم لشقيقها عزت العلايلى للتخلص منه، وإلقائه فى البحر على يد الفنان الكبير عادل أدهم. *هل توجد صفات مشتركة فى أعمال الفنانة الراحلة؟ *الصفة المشتركة فى كل أعمال الفنانة الراحلة، والتى تميزت بها عن كثير من الفنانين والفنانات هى المصداقية.. *وما الدليل؟ **من عادة السيدات فى الريف والصعيد أن الواحدة التى تتأخر فى الإنجاب يعملوا ليها «طاسة الخضة».. وعرضوا على حفيظة، أو الفنانة سناء جميل فى فيلم الزوجة الثانية التعرض لمشاهد مرعبة كزيارة مشرحة زينهم، أو زيارة المقابر ليلاً، أو النزول فى مياه عميقة، على أن يؤدى الدور دوبلير متخصص فى مثل هذه المشاهد، رفضت الفنانة القديرة كل هذه الاقتراحات، وقالت سأنام تحت القطار، وقامت بتحديد الموعد والمكان، وبلا أى تنسيق مع هيئة السكة الحديد، قامت الفنانة الراحلة وألقت بنفسها بين القضبان فى مشهد لن يتكرر فى السينما المصرية.. عندها أغمى على ولم أفق إلا بعد انتهاء المشهد فسناء جميل كانت صادقة مع نفسها وفنها وزوجها وبيتها، وكل ما يتعلق بحياتها. طالب وظيفة/U/ *وماذا عن ذكريات الكاتب الصحفى الكبير الأستاذ لويس جريس فى بلاط صاحبة الجلالة؟ **أنا تأثرت بالكاتب الصحفى الكبير الأستاذ مصطفى أمين قبل اشتغالى فى بلاط صاحبة الجلالة، وأتذكر أنه فى عام 1945 عندما اشتد عودى كتبت له خطاباً ذكرت فيه إننى انتهيت من قراءة رواية «أرسولبين» وسألته لمن أقرأ بعد هذه الرواية، فرد علىَّ قائلاً: عليك بقراءة مسرح المجتمع ويوميات نائب فى الأرياف، وحمار الحكيم، والسلطان الحائر، وسجن العمر لتوفيق الحكيم، ودعاء الكروان لطه حسين، وعبقريات العقاد، كما ترددت على الأستاذ مصطفى أمين أثناء دراستى فى قسم الصحافة بالجامعة الأمريكية، وكان يحسن استقبالى ويودعنى حتى باب الأسانسير، وعندما رفضنى الأهرام فى العمل بين صفوفه توجهت لمكتبه وقابلت سكرتيرته مى شاهين التى قالت لى إن مصطفى بك يقول لك: إنه كان يستقبلك فى الماضى عندما كنت طالب علم، أما الآن فأنت طالب وظيفة، ولا توجد عنده وظائف. أشباح هيكل/U/ *ما حقيقة الموقف الذى حدث بينك وبين الأستاذ محمد حسنين هيكل؟ **الأستاذ هيكل قيمة كبيرة فى عالم الصحافة، وأن جزءاً من هذه القيمة استمدها من قربه للرئيس عبد الناصر، وأتذكر أنه عندما ترجمت رواية الوزير والحب، وكانت أول رواية سياسية أقوم بترجمتها ذهبت لنوال المحلاوى سكرتيرة الأستاذ هيكل وزميلتى فى الدراسة فى مبنى الأهرام القديم بشارع مظلوم، وعندما رآنى قال لى يا لويس: انت زى الأشباح نسمع عنهم ولا نراهم، وعندما عرضت العمل معه قال الأهرام لا يطلب أحداً ولكن يُطلب، وعندما رويت للأستاذ أحمد بهاء الدين وكان آنذاك رئيس مجلس إدارة «دار الهلال» و«روز اليوسف» هذا الموقف غضب غضباً شديداً وقال: إذا كنت عايز تروح الأهرام أو الأخبار روح فكل واحد حر، وسبب غضب الأستاذ بهاء كما يقول الأستاذ لويس جريس لأن هيكل خطف صلاح جاهين من صباح الخير، وفى هذا الوقت كان عبد الناصر قد أسند لمحمد حسنين هيكل رئاسة تحرير الأهرام والأخبار. قيس وليلى/U/ *وماذا عن صلاح جاهين؟ **صلاح جاهين كان ثروة لأية مجلة أو جريدة، وكان إضافة حقيقية لبلاط صاحبة الجلالة، وكان - رحمة الله - يحل أى مشكلة تواجه أى صحفى بداية من رئيس التحرير وحتى أصغر محرر، كان حسن فؤاد يكلفه بملء أى مساحة معينة، أو رسم شكل معين، كان ينفذ ما يكلف به فى دقائق، أطلقوا عليه المنقذ، وهو صاحب أبواب قيس وليلى، ودواوين الحكومة، والهيكل العظمى، وهو أول رسام كاريكاتير يغير ريشته وإمضاءه ثلاث مرات، الأولى فى صباح الخير، والثانية فى الأهرام والثالثة عندما عاد لصباح الخير عام 1966، كما أنه أول رسام كاريكاتير يتولى منصب رئيس التحرير. والطريف كما يقول الأستاذ لويس أنه كان يفكر فى أن يجعلها مجلة ضاحكة بعد استعانته بالكاتب الفكاهى محمد عفيفى، والكاتب الساخر محمود السعدنى. *ومادمت شاهداً على أحداث هذه الأيام الجميلة، فماذا عن علاقة صلاح جاهين بسعاد حسنى، ثم علاقة سعاد بمفيد فوزى وعبد الحليم حافظ؟ **من المعلوم أن صلاح جاهين تبنى الفنانة القديرة سعاد حسنى فنياً، فاعتبرته والداً لها، وكانت صدمة بالنسبة لها عندما فارق جاهين الحياة، وكان رجلاً نظيفاً عبقرياً مبدعاً عفيفاً، أما علاقة مفيد فوزى بسعاد حسنى فكانت علاقة الصحفى الناجح بفنانة مشهورة لتحقيق سبق صحفى أو انفراد فنى. كلام مفيد/U/ *ولكن الأستاذ مفيد قال إن علاقته بسعاد وعبد الحليم كانت أكبر بكثير من علاقة الصحفى بمصدره لدرجة أنه كان شاهد عيان على زواج حليم من السندريلا! **أقول لك صراحة إن هذا الكلام غير صحيح بالمرة، لأن عبد الحليم لم يتزوج سعاد كما ردد الأستاذ مفيد، والمؤكد أنه كانت بينهما علاقة حب وتراحم، ومن المعلوم أن صحة عبد الحليم كانت متواضعة وكانت إمكاناته وحدوده معروفة لكل أبناء الوسط الفنى. *وماذا عن العصر الذهبى للصحافة المصرية؟ **العصر الذهبى كان أيام صلاح حافظ وعبد الرحمن الشرقاوى وفتحى غانم وأحمد بهاء الدين وإحسان عبد القدوس ومحسن محمد وحسن فؤاد ومحمد حسنين هيكل وموسى صبرى، كانوا نجوماً وبرعوا فى صناعة النجوم. *لماذا وصفت عصر هؤلاء بالذهبى؟ **لأنها كانت قامات كبيرة، وكان يعمل لها ألف حساب بالإضافة إلى كونهم يحترمون البعد الإنسانى فى الصحفى، خاصة إذا كان محرراً صغيراً فمن الممكن جداً أن ينفق الأستاذ أحمد بهاء الدين على صحفى مبتدئ حتى تتحسن ظروفه المادية، وذات مرة أخرج صلاح حافظ كل ما معه من نقود لعلمه فقط أن محرراً صغيراً - أصبح ملء السمع والبصر الآن - يحتاج إلى بعض الأموال ليشترى كفن والده، ولن أنسى ما حييت ما فعله فتحى غانم الذى تحمل مصاريف وضع إحدى الزميلات الصغيرات لأن زوجها يستدين لدفع مصاريف المستشفى. عبد القادر شهيب/U/ *وماذا عن عبد الرحمن الشرقاوى؟ **عبد الرحمن الشرقاوى كان إنساناً بمعنى الكلمة.. فعندما علم أن ابنه الزعيم البطل يوسف صديق الضابط الذى تسبب فى نجاح ثورة يوليو بخروجه مبكراً قبل الميعاد المقرر بساعة ليحتل قصر عابدين. أقول علم الشرقاوى أن ابنة هذا البطل فى حاجة ماسة إلى المال، لأن زوجها عبد القادر شهيب - المحرر الشاب آنذاك رئيس مجلس إدارة دار الهلال الآن - اشترك فى مظاهرات 1977 التى أطلق عليها البعض انتفاضة الحرامية، وأنه أصبح مطلوباً لدى الجهات الأمنية، وكان يعمل فى روز اليوسف بنظام العقد المؤقت، وقام الشرقاوى بتعيينه، رغم غيابه وظلت زوجته تصرف المرتب حتى عودته.. قل لى من يفعل هذا الآن؟. *وماذا عن الزعماء فى ذاكرة الكاتب الصحفى الكبير لويس جريس؟ **بدأت علاقتى بعبد الناصر عندما اعتذر الأستاذ فتحى غانم عن اجتماع الاتحاد الاشتراكى لظروف قهرية، فكلفنى بالحضور نيابة عنه مع الأستاذ الكبير إحسان عبد القدوس رئيس تحرير روز اليوسف، وفكرى باشا أباظة رئيس تحرير «المصور» وكامل الشناوى رئيس تحرير الجمهورية، وأثناء المناقشات أخرج كامل الشناوى سيجارة وأشغلها، «فشخط» فيه الرئيس عبد الناصر، وتكهرب الجو لأن التدخين ممنوع فى حضرة الرئيس، إلا أن فكرى باشا أباظة، وهو ابن باشوات قال له يا سعادة الريس، كامل لم يقصد الإساءة ولكنه تصرف غير شعورى نلجأ إليه نحن الصحفيين عندما نكون فى مأزق. أيام السادات/U/ *وماذا عن ذكرياتك أيام السادات؟ **الرئيس السادات كان «معلم» عاش فى الحوارى والشوارع والسجون، وتعامل مع الفقير والغنى، ويحترم الرأى والرأى الآخر والأهم من ذلك كله أنه كان صحفياً من الطراز الأول واشتغل فى بلاط صاحبة الجلالة قبل الثورة وبعدها، وكان أول رئيس تحرير لجريدة الجمهورية، التى أصدرها جمال عبد الناصر لتكون لسان حال الثورة. ومن المواقف التى لا تنسى عن الرئيس أنور السادات أنه استدعى عبد الرحمن الشرقاوى ذات يوم وقال له يا شرقاوى معقول واحد اسمه سليم اللوزى نعلمه الصحافة ويعمل مجلة اسمها الحوادث فى لبنان تكسر الدنيا وتسبق روزاليوسف وصباح الخير.. يا عبد الرحمن أنا عايز روزا وصباح يرجعوا زى زمان.. قال له ازاى يا ريس قاله يا عبد الرحمن هات ورقة وقلم واكتب ورائى، وقام الرئيس السادات - عليه رحمة الله - بإملاء عبد الرحمن حوارا صحفيا لا مثيل له رفع توزيع صباح الخير 11 ألف نسخة دفعة واحدة كما أن الرئيس السادات عرض على إحسان نشر مذكرات عبد الحليم حافظ ومذكرات محمود الجيار سكرتير عبد الناصر عن حياة عبد الناصر الخاصة مما رفع توزيع روزا من 155 ألفاً إلى 165 ألفاً. *لماذا لم يستثمر الأساتذة لويس جريس وفتحى غانم وصلاح حافظ علاقتهم بالرئيس السادات لخدمة الصحافة مثلما فعل الأستاذ هيكل الذى بنى مجده الشخصى والصحفى على علاقته بعبد الناصر؟ **أولاً شتان ما بين شخصية الرئيس عبد الناصر والرئيس السادات، السادات كان فى قمة الدهاء السياسى والصحفى كما أنه كان خبيراً فى قراءة المستقبل وكان من الصعب احتواؤه أو فهمه ومع ذلك قررنا زيارة الرئيس السادات فى أى مكان يذهب إليه لنأخذ منه الأخبار سواء فى الإسماعيلية أو القناطر أو الاتصال به كل يوم خميس على أمل تحقيق انفراد صحفى. والرئيس السادات - رحمة الله - كان يوازن بين التيارات الفكرية والسياسية فعندما استبعدنى منصور حسن وزير الإعلام فى السبعينات من رئاسة صباح الخير ثار الرئيس السادات وكلفنى برئاسة تحرير المجلة . كرم الرئيس/U/ *وماذا عن الرئيس مبارك؟ **الرئيس مبارك كان يتصل بى من آن لآخر عندما كنت رئيساً لتحرير صباح الخير وكان يناقش معى بعض القضايا الجماهيرية وينبهنى إلى بعض الأخطاء التى كنا نقع فيها. كما أنه عاقل ورزين وليس من نوعية الرئيس عبد الناصر وأنا كقبطى تجاوز الثمانين أقول كلمة حق وهى أن الرئيس مبارك عندما أعلن من صعيد مصر أن يوم 7 يناير إجازة للشعب المصرى قد أثبت بالدليل القاطع أنه رئيس لكل المصريين. ويتابع الأستاذ لويس جريس قائلاً: إن الجامعة الأمريكية أرسلت لى عام 1986 تطلب منى العمل مستشاراً صحفياً لرئيس الجامعة وذهبت للسيد صفوت الشريف وزير الإعلام آنذاك والدكتور على لطفى رئيس المجلس الأعلى للصحافة للاستئذان لى من الرئيس مبارك فوافق وقال لهم قولوا للويس يقبل الوظيفة الثانية ويظل كما هو رئيس تحرير. أما الموقف الذى لن أنساه ما حييت عندما رافقت الرئيس مبارك فى رحلة عمل لتركيا وكان معنا مجموعة من رؤساء التحرير وعلى رأسهم الأستاذ محسن محمد وفى الطريق دخلنا كنيسة أيا صوفيا التى حولها كمال أتاتورك إلى مزار سياحى وسمعت الأستاذ محسن محمد ينادى ويقول يا ريس، فتوقف الرئيس مبارك فقال محسن: لويس زعلان يا ريس لأنهم حولوا الكنيسة إلى مزار سياحى، فقال له الرئيس مبارك يا محسن لو لويس زعلان لازم نزعل معاه وكان هذا الرد أبلغ دليل على عبقرية الرئيس مبارك. الصحفى القهوجى/U/ *وماذا عن تجربتك فى صباح الخير؟ **أنا توليت رئاسة تحرير صباح الخير مرتين الأولى بالاشتراك مع الراحل محمود السعدنى من 68 وحتى 1972 والثانية بدأت عام 1980 إلى 1989 وكنت بمفردى ووضعت فى اعتبارى أن نجاح وشهرة محررى صباح الخير هو نجاح وشهرة لمجلة صباح الخير وكان أول عمل لى فى صباح الخير هو تجديد شباب المجلة وتسكينهم فى أماكن لم يتم تجديد محرر بها لمدة 30 عاماً وكانوا نجوماً فى سماء التأليف السينمائى مثل رءوف توفيق الذى أبدع سيناريو «زوجة رجل مهم» بطولة أحمد زكى وميرفت أمين ومنهم الجميل محمود سعد فى مجال الفن ومحمد الرفاعى وعبد الله الطوخى فى المسرح وناهد فريد فى التعليم وصبرى موسى فى السيناريو لفيلمى قنديل أم هاشم والبوسطجى وأحمد هاشم الشريف فى الرواية وعلاء الديب فى الأدب ومفيد فوزى فى الانفرادات والتحقيقات والحوارات وصالح مرسى فى الجاسوسية حيث وافقت له على إجازة طويلة لأنه يرغب أن يعيش رواية «الكداب» فتقمص شخصية قهوجى وأرسلت معه الرسام هبة عنايت ليعيش معه الدور بحذافيره، هذا بالإضافة إلى أسماء كبيرة أخرى مثل رشاد كامل ومحمد عبد النور وشهيب والدقاق ورزق فى المصور. أبناء جيلى/U/ *ما سر نجاح الأستاذ لويس جريس فى عالم الصحافة؟ **سر نجاحى وكل أبناء جيلى هو احساسهم بالمسئولية تجاه المهنة والوطن وحتى تكون على علم إذا كان الطبيب يعالج المرضى مقابل فيزيته والمهندس يخطط مقابل أجر والمحامى يترافع ليحصل على أتعابه فإن الصحفى هو الوحيد الذى يعمل لنفسه أولاً ثم لغيره ثانياً، بمعنى أن الصحفى هو الذى يصنع نفسه بنفسه والصحافة ليست شعارات ولكنها أفكار مكتوبة على الورق ولذلك فالصحفى الذى لا يكتب أو لا يسعى إلى الكتابة يخرج فوراً من إطار الجماعة الصحفية. *وما هى رؤية الأستاذ لويس جريس لأحداث كنيسة القديسين فى الإسكندرية والتى راح ضحيتها 22 شهيداً و96 مصاباً؟ **رؤيتى للأحداث الأخيرة أنه مخطط خارجى لإحداث وقيعة بين المصريين، والذى لا يعرفه الكثير أن ما يحدث اليوم فى الكنيسة من الوارد جداً أن يحدث غداً فى المسجد، وبالتالى تكتمل أركان الوقيعة، وهذا ما يخطط له ويتمناه أعداء البلد. *إلى أى اتجاه تشير أصابع الاتهام؟ **أصابع الاتهام تشير إلى من له مصلحة فى زعزعة واستقرار مصر، وللأسف توجد منظمات ودول كثيرة لا يعجبها هذا الأمن والاستقرار، ولا تنس منشورات تنظيم القاعدة الأخيرة التى قالت فيها إنها تنوى تفجير الكنائس المصرية بعد نجاحهم فى تفجيرات كنيسة «سيدة النجاة» فى العراق. *وما الفائدة التى ستجنيها القاعدة من تلك التفجيرات؟ **تنظيم القاعدة لا يعمل منفرداً، فهو كما يعلم القاصى والدانى على علاقة وثيقة بأجهزة المخابرات العالمية، ويستطيع تنفيذ مثل هذه العمليات بدعم من هذه الأجهزة. *وما النتيجة التى يمكن استخلاصها من حادث الإسكندرية؟ **يجب أولاً أن نعبر الأزمة ونفكر فى المستقبل وثانياً وهذا هو الأهم أن نعيد النظر فى مشاكلنا المزمنة، وهذا لا يكون إلا بربط الأحداث السالفة بالآنية حتى تكتمل الصورة. *ولكن تعدد وسائل الاتصال والمعرفة قطعت حلقات الماضى عن الحاضر؟ **كل شىء وارد إلا جذور الإرهاب فإنها ستظل ممتدة إلى المستقبل إذا لم ننجح فى قطعها، والدليل أنه عندما نرجع للتاريخ الحديث نجد أنه فى عام 1979 طلب الرئيس الأمريكى الأسبق رونالد ريجان من مصر والجزائر وتونس والسعودية والأردن إنقاذ أفغانستان من الاحتلال السوفيتى، وعندما تأخرت الدول فى الرد قال لهم فى رسالة أخرى: أنا لا أطلب قوات أو سلاح ولكنى أطلب متطوعين حتى أخلصكم من الجماعات الإسلامية. يقول الأستاذ لويس جريس على لسان اللواء فؤاد علام إن المخابرات الأمريكية طلبت بالاسم د. أيمن الظواهرى والذى كان معيداً بكلية طب عين شمس ليكون فى طليعة المتقدمين، وهذا يؤكد أن القاعدة صناعة أمريكية. *وما النصيحة التى يسعى الأستاذ لويس جريس تقديمها للمسئولين والمصريين عموما؟ **أقول يجب أن نحول دماء شهداء حادث كنيسة القديسين إلى مياه عذبة تروى شجرة الدولة المدنية، وأن نواجه مشاكلنا بصراحة. *وماذا تقول للإخوة الأقباط؟ **أقول لهم: إن ما حدث فى الإسكندرية موجه ضد الدولة، وضد أبناء الشعب المصرى وليس ضد الأقباط وأننى كما قلت لك إننا شعب طيب لا يعرف الغدر أو الخيانة أو الكره، والدليل ما حدث من تدافع أبناء الشعب المصرى وتبرعهم بالدم لإنقاذ شهداء كنيسة القديسين، بالإضافة إلى المسيرات التى عمت الشوارع والميادين فى مدينة نصر والإسكندرية وشبرا للتعبير عن رفض الشعب المصرى لما حدث. *وما الذى يدعو إلى الاحتقان إذن؟ **لابد من الاعتراف بوجود مشاكل، هذه المشاكل تؤدى إلى الاحتقان، والدولة تعمل على حلها بالتدريج، ويجب علينا ألا نعطى صحافة الإثارة فرصة لتهييج المشاعر وأؤكد لك أن الفتنة موجودة ولكنها موجودة على صفحات الجرائد فقط، هناك من ينفخ فى الرماد، وقد أحسن كل من السيد صفوت الشريف والسيد جمال مبارك والسيد أنس الفقى وزير الإعلام صنعاً عندما دعوا وسائل الإعلام وبالتحديد الصحف الخاصة إلى النظر لمصلحة الوطن، وعدم المزايدة وتأجيج مشاعر الغضب والالتزام بالموضوعية وتحمل المسئولية، وأنا أقول من جانبى - والكلام على لسان الأستاذ لويس - إذا كان «تعكير» الماء يساعد على صيد السمك، فإن الماء العذب يساعد فى استمرار الحياة، ويضيف أن الصحافة المحترمة هى صحافة المعلومات التى تفيد القارئ، أما الصحافة المثيرة التى تفتعل المصادمات أملاً فى التوزيع فإنها صحافة هشة لأنها تساهم فى إفساد المجتمع، ويطالب باستئصال أسباب وجذور الإرهاب حتى لا تتكرر مأساة شهداء القديسين.