فى الحلقة السابقة كشف السفير بسيونى أنه كان من أسرة متوسطة الحال، مات أبوه وهو ابن 6 سنوات، فقامت أمه بتربيته، وتكفّل شقيقه الأكبر برعايته، وفى مدرسة القبة الثانوية، تعرّف على الطالب فاروق الباز فأصبحا «زمايل دكة»، واعترف صراحة أن مدرسى زمان أفضل ألف مرة من مدرسى اليوم، وأن مافيا الدروس الخصوصية لم يكن لهما وجود، وأنه دخل كلية الحقوق ليكون قاضياً َمثل أبيه وأخيه وخاله، ولكنه بعد عامين ولى وجهه قّبَلَ الكلية الحربية. ويواصل السفير بسيومى كشف أوراقه لأكتوبر قائلاً: رغم حصولى على تقدير ممتاز فى كلية حقوق عين شمس فإننى تركتها بعد قضاء عامين ليس خوفا منها كما يتبادر إلى الذهن ولكن لرغبتى فى أن أكون ضابطا فى القوات المسلحة المصرية، ومدافعاً عن حدود مصر الشرقية بعد التهام إسرائيل نصف فلسطين فى حرب 48. ومع أن الحربية كانت أمنيتى إلا أننى دخلتها بمحض المصادفة، وذلك عندما كان يجلس بجوارى فى مدرج الكلية دارس برتبة رائد، وأخبرنى أن الحربية تطلب دفعة من الطلبة للالتحاق بها لتجديد دماء القوات المسلحة بعد حرب 48، فسحبت أوراقى من الحقوق، وقدمت أوراقى فى الحربية عن قناعة، واجتزت الاختبارات الرياضية وامتحانات الذكاء والقدرات وبعد التخرج أديت المسئولية باخلاص وتفوق. دعاء الوالدين/U/ ويتذكر السفير بسيونى قائلاً: فى عام 1956 كنت فى السنة النهائية، وكانت سنة كبيسة بكل المقاييس حيث هاجمت قوات العدوان الثلاثى فرنسا وبريطانيا وإسرائيل المدارس والمبانى ودور العبادة ولم تفرق بين كنيسة أو مسجد، كما هاجمت القاذفات المقاتلة مقر الكلية الحربية فى القاهرة، وفقد الكثير من الزملاء أرواحهم، أما أنا فقد نجوت من الموت بأعجوبة ببركة دعاء الوالدين، وقدرة الله التى شاءت لى البقاء على قيد الحياة، ووقتها قررت القيادة العامة للقوات المسلحة نقل مقر الكلية الحربية إلى أسيوط. ومع تواصل الضرب وتكثيف الطلعات الجوية للعدو واستهداف المدنيين، وملاحقة طلبة المدارس والجامعات، أدينا امتحان البكالوريوس على الأرض فى أسيوط وكنا نكتب على ألواح «بلانشيتا» وهى ألواح خشبية، تشبه اللوح الذى يحمله الطفل فى كُتَّاب القرية، وفور التخرج التحقنا بالوحدات العسكرية مباشرة، وكنت من طليعة الضباط الذين التحقوا بسلاح المشاة الذى أطلقوا على أفراده أنهم سادة المعارك، وهم بالفعل كذلك، وبعدها انتقلت لسلاح المخابرات والاستطلاع. وعن الدروس المستفادة من حرب 56 قال السفير بسيونى: إن العدو هو العدو، وأن الإرادة الشعبية قادرة على فعل المستحيل، لأنها أجبرت بريطانيا على سحب قواتها من سيناء مرتين الأولى كانت فى خريف 56، والثانية كانت فى صيف نفس العام، وتأكد أيضًا أن الرئيس عبدالناصر كان زعيماً بمعنى الكلمة، حينما أصدر قرار تأميم قناة السويس فى 26 يوليو، وقال إن هذا الممر الملاحى حق اصيل لمصر دفع ثمنه الأجداد ليستفيد من خيراته الأبناء، وأن إسرائيل فى 56 حاربت مع فرنسا وبريطانيا علها تأخذ شيئاً من الغنيمة فى قناة السويس، كما أن القوات المسلحة المصرية دافعت عن شرم الشيخ فى 56 دفاع الأبطال، ولولا نفاد الذخيرة، ما كان هناك موطئ قدم لأى جندى من جنود العدوان الثلاثى. أيام حياتى/U/ وعوداً على بدء يقول السفير بسيونى: إن أجمل أيام حياتى هى التى قضيتها أثناء خدمتى الأولى تحت قيادة رؤسائى وقادتى الأقباط فى سلاح الإشارة، ولن أنسى سماحة الضابط نائل لبيب عبدالقدوس والذى كان ينتظر الساعات والساعات حتى يأكل معى بالإضافة إلى الضابط نبيه غبور الذى كان يفطر معنا فى رمضان، ولم اعرف أنه قبطى إلاّ بالمصادفة عندما سألت عليه فقالوا إنه فى إجازة عيد الميلاد. ويتابع السفير بسيونىقائلاً: إنه لن ينسى فضل الضابط «زكى باقى» الذى مهّد لعبور القناة واقتحام خط بارليف وفتح الطريق أمام المدرعات والمشاة، بفضل ماكينات الدفع وخراطيم المياه التى أبدعتها قريحة هذا الضابط فى زمن قالت فيه العسكرية الروسية إن تدمير خط بارليف لن يتم إلاّ بالقنبلة الذرية، ويؤكد السفير محمد بسيونى: إن الإخوة الأقباط شركاء فى هذا الوطن العظيم، والذى يشبه -من وجهة نظرى- سفينة كبيرة تكون النجاة فيها للجميع، والغرق -لا قدر الله- يكون فيها للجميع أيضاً. وبعد سنوات فى سلاح المشاة يقول السفير بسيونى: تم انتدابى للعمل فى الكلية الحربية، وظللت سبع سنوات أدرّس لمادة العدو، وفى تلك الأثناء قامت الوحدة بين مصر وسوريا بناء على إرادة شعبية، وللأسف لم يكتب لهذه الوحدة النجاح، أولاً: لأن طبيعة الشعب السورى الذى يحب التجارة وتداول رأس المال، والملكية الخاصة لم يقبل بقوانين التأميم التى أصدرها عبدالناصر، وأراد تعميمها على أغنياء سوريا وهو الأمر الذى رفضه حزب البعث الوليد الذى أراد أن يكون طعامه من فأسه وقراره من رأسه، أما ثانيا وهو الأهم: أن الدول الغربية -وبالتحديد أمريكا وإسرائيل- سعت بكل الطرق لإفشال الوحدة، وإحداث الوقيعة بين مصر وسوريا، وحياكة مؤمرات سرية، وعلنية لعلمهما أن الوحدة بين القطرين الشقيقين ستضع إسرائيل بين فكى الأسد، أو فكى كماشة مما يمثل تهديداً خطيراً على كيان هذه الدولة. المخابرات/U/ وعن عمله فى المخابرات يقول السفير بسيونى: قضيت فيها 14 عامًا وتم اختيارى للعمل بسلاح المخابرات نظراً للمواصفات الخاصة والتى تعد بمثابة القاسم المشترك لكل ضباط المخابرات وهى استشراف المستقبل والبعد الاستراتيجى وسرعة التحليل والبديهة، وتوقع ما هو آت، والالتزام بواجبات العمل، وحسن الانصات، وهدوء الأعصاب، والدبلوماسية فى التعامل والاستعانة على قضاء الحوائج بالكتمان. وقد اشتغلت مع قامات كبيرة منها اللواء شوكت والفريق صادق، واللواء محرز، كما تعرفت وتعاملت مع قيادات عسكرية يشار لها بالبنان مثل اللواء الجمسى، والمشير أحمد إسماعيل، والفريق الشاذلى والفريق فوزى، وكنت أعمل فى قسم إسرائيل، وتدريس لغة العدو، وكنا نعمل مع مواطنى سيناء الشرفاء الذين قاموا بجمع المعلومات سواء قبل النكسة أو أيام حرب الاستنزاف مع أن حروب المخابرات لا تعرف السلام ويتذكر السفير بسيونى أن فترة تولى الفريق صادق مسئولية سلاح المخابرات الحربية كانت من أنشط الفترات، لأنه كان يقوم بتكليف الضباط بالعبور إلى الضفة الشرقية وجمع المعلومات مباشرة عن العدو، والدخول إلى نقاطه الحصينة بطريقة لا تخطر على بال أحد، كما شكل فرقاً خاصة لأسر جنود العدو والعودة بهم إلى الضفة الغربية أحياء فى بطولة منقطعة النظير. وقبل الحديث عن نكسة 67، يوجه السفير بسيونى رسالة إلى الشباب مفادها أن هزيمة مصر وسوريا والأردن فى 67 لم تكن ناتجة عن قوة جيش إسرائيل ولكن كانت نتيجة تقصير واضح من القيادات السياسية والعسكرية المصرية وفى تحد واضح للأعراف والتقاليد الدولية، وهو ما تلاشته القيادة فى حرب أكتوبر 1973. ويشير السفير بسيونى قائلاًَ: دخلنا الحرب فى 67 ولم نكن مستعدين لأنه لم يكن هناك على سبيل المثال تدريب سليم للقوات المسلحة العاملة، كما أن ثلث القوات كان يحارب فى اليمن، كما كانت القوات الجوية منهكة. ومن المثير أنه وسط هذا الظروف الصعبة يعلن الرئيس عبدالناصر انتهاء مهمة قوات الطوارئ الدولية وغلق مضيق العقبة أو مضيق إيلات فى وجه الملاحة الإسرائيلية. برقبتى يا ريس/U/ ومع هذا الزخم اعتمد المشير عامر على شعار «برقبتى يا ريس» وهو الشعار الذى كلف القوات المسلحة المصرية آلاف الجرحى والأسرى على أرض سيناء العزيزة، بالإضافة إلى احتلال إسرائيل لشبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان، والضفة الشرقية لنهر الأردن والقدس الشريف. ولم ينس السفير بسيونى فى معرض حديثه عن فترة عمله بالمخابرات أن يبرئ أشرف مروان من تهمة الخيانة لمصر والعمالة لإسرائيل فقال: من العيب أن نقول على أشرف مروان إنه كان خائناً أو عميلاً لإسرائيل، والقول الفصل فى قضية أشرف مروان، أو العميل بابل، -كما ادعت عليه إسرائيل- أنه كان عميلاً مزدوجاً، والعميل المزدوج هو من يعمل لدى جهازى مخابرات ولكن لصالح أحدهما، وقد اشتغل اشرف مروان مع الموساد والمخابرات العامة ولكنه كان يعمل لصالح المخابرات المصرية، ولا صحة إطلاقاً لما رددته إسرائيل بأنه كان يعمل لصالحها، أو?أنه العميل «النسيب» لكونه نسيب الرئيس عبدالناصر، وقد استخدمه الرئيس السادات لتضليل الموساد، وذلك لأن مروان كان جزءاً من خطة الخداع الاستراتيجى وقد وثق فيه الإسرائيليون ثقة عمياء، بفضل المعلومات التى كان يسربها بالاتفاق مع الرئيس السادات لأن أشرف مروان لم يكن له ملف خاص فى المخابرات، وقد اقنع مروان الموساد بأن مصر وسوريا لن تحاربا إلاّ إذا امتلكتا طائرات مقاتلة قاذفة تصل إلى عمق إسرائيل، بالإضافة إلى صواريخ أرض-أرض كالتى تملكها إسرائيل أيضاً، حتى تكون أدوات ردع فى حالة إذا ما تجرأت إسرائيل وضربت العمق المصرى أو السورى، واقنع الموساد بأنه فى حالة الحصول على هذه الأسلحة فلن تقوم الحرب إلاّ بعد 6 أشهر لحين التدريب عليها، ومن هنا فقد ظلت المخابرات الإسرائيلية، تراقب وصول هذين السلاحين، وانشغلت بصفقات السلاح، وخط سير الملحقين العسكريين وغاصت فى بحار الخداع التى حفرتها المخابرات المصرية بالإضافة إلى شراك الخداع التى اذهلت أجهزة مخابرات العالم وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل. ومن الطرائف المثيرة التى يذكرها السفير بسيونى، والتى تؤكد تأثير أشرف مروان على صانع القرار الإسرائيلى أن جولدا مائير رئيس الوزراء أيام حرب كيبور لم تصدق أحد الملوك العرب، الذى تطوع من نفسه وسافر إلى إسرائيل سراً ليبلغ جولدا بنية مصر وسوريا فى شن حرب وشيكة على تل أبيب، وكانت المفاجأة أن «جولدا» لم تصدقه، لأن ما لم يقله أشرف مروان لا يُستمع إليه. شريكة العمر/U/ أما عن زوجته الفاضلة السيدة نجوى بسيونى فيقول: إنها كانت ومازالت حورية من حوريات سوريا الشقيقة، رأيتها أول مرة عند شقيقها والذى كان صديقاً لى، فقلت فى نفسى: إنها ستكون شريكة عمرى التى ابحث عنها، وعندما كلمت أخاها بشأن الخطبة رحب على الفور، وبعدها تم الزواج، ثم رزقنا الله بطفلين جميلين هما د.حاتم وأ. حنان، وهما الآن أصبحا ملء السمع والبصر. وتمر الأيام -كما يقول السفير بسيونى وتحصل نجوى على الجنسية المصرية وقد وصل التوافق بيننا إلى غايته، وذلك لتوحد الطباع بين الشعبين المصرى والسورى، وقد عاشت معنا لحظات الانتصار والانكسار عاشت أيام الثورة فى إيران، وتحرير القنطرة والقنيطرة فى مصر وسوريا، رفضت السفر إلى إسرائيل فى البداية، وعندما أدركت أنها المعركة الخامسة لتحرير الأرض وافقت على الفور، كانت تحارب من أجل السلام ومازالت تدافع عن أبنا ءالشعوب المقهورة فى فلسطين ولبنان والجولان، وتؤمن بأن فرج الله قريب، وأن نصره آت لا محاله. ويؤكد السفير بسيونى قائلا: إن شريكة حياتى المناضلة نجوى كانت ومازالت نعم الزوجة هى. فى الحلقة القادمة لماذا أقال عبدالناصر الفريق أحمد إسماعيل؟. وماذا عن حفل زفاف الدبابة واللودر على هضبة الجولان وحقيقة نجاة شارون من الموت فى القسيمة؟