إضافة إلى الطبيعة الفاشية الغشيمة والفشل الذريع والإجرام العابر لكل حدود، والذى تدير به جماعة الشر السرية الغنيمة المصرية، فإن واحدة من أقوى مشكلات هذه الجماعة مع عموم الناس فى هذا البلد هى ذلك الشعور العميق والمتنامى بأنها لا تشبههم بالمرة، بل تبدو شاذة وغريبة جدا عنهم. والحال أننا الآن أمام فيض عارم من مظاهر وعلامات تتجسد وتتجلى فيها جميعا أسباب وملامح شذوذ وغربة الجماعة المذكورة عن مجتمع، تجاهد بتهور وتعافر باستماتة لخطفه ونشله من هويته وانتزاعه من سياق تاريخه الطويل وتجريده من موروث تحضره، ربما أوضح هذه المظاهر وأقواها علاقة التوجس والترصد والخوف (لكى لا أقول العداء) المتبادل بين جماعة الشر من جانب والمؤسسات الأشد أهمية فى دولة المصريين ومجتمعهم من جانب آخر. يعنى مثلا فى الدولة، تبدو الوقائع والحوادث والعربدات المذهلة التى رأيناها تتراكم أمام عيوننا منذ هدأ غبار الثورة المغتصبة (حتى الساعة على الأقل) خصوصا بعد أن تمكن «الإخوان» من توصيل فضيلة «ذراعهم» الرئاسية إلى سدة الحكم عبر طرق ملتوية ووسائل بعيدة عن أى نزاهة، تؤكد وتقطع كلها بحقيقة أن هؤلاء الفاشيين الخارجين من المغارات المظلمة سكن الخبل والخطل عقولهم لدرجة الظن أن باستطاعتهم تفكيك أخطر أعمدة الدولة المصرية الحديثة وإعادة هندستها عكسيا، وفقا لكتالوج «التمكين» و«الأخونة» بهدف تغيير جنس هذه المؤسسات وتحويلها لإقطاعيات ومرافق خاصة تعمل فى خدمة «جماعة المقطم» على حساب الجماعة الوطنية. هنا بالضبط مكمن ومصدر إنتاج ذلك السيل المتدفق من التوترات والأزمات والاعتداءات الفاجرة وغير المسبوقة التى طالت وتركزت أولا على مؤسسة العدالة والقضاء، ثم مرت بجهاز الشرطة الذى تلقى من أشهُر ضربة «أخونة» قيادته بالتزامن مع إطلاق دفعات أخرى مكثفة من سهام «الأخونة» المسمومة صوب أهم مفاصل الدولة وكوادرها، لكن التهور والجنان الرسمى لم يتوقفا عند هذا الحد ولا تمهّلا، وإنما تصاعدت تفاعلات خليط الشر والغباوة حتى رأينا العربدة الإجرامية تستقر حاليا على تخوم الجيش شخصيا، فتأكدت شكوك أغلب الناس وصار شعورهم الذى بدأ مبهما بأن هؤلاء القوم غرباء عنهم، واضحا ومفهوما ويمكن تبريره وتسويغه والتعبير عنه صراحة وعلنا. بيد أن اقتناع المصريين وإحساسهم المتعاظم (أظنه الآن بلغ مستوى ليس له مثيل فى تاريخنا القريب) بالغربة والنفور من جماعة الشر، غذّاه وفاقمه التناقض الحاد والاحتكاك الخشن الذى وصل حاليا إلى درجة الصدام العنيف بين عقل جماعة الشر المظلم وثقافتها الجلفة (مع شديد الاعتذار إلى العقل والثقافة معا) وبين الجذور العميقة لثقافة الجماعة المصرية العتيقة ومنظومة المفاهيم والقيم الروحية والأخلاقية المتفرعة عنها، والتى ما زال المرء يستطيع (ولو بصعوبة) أن يلمح ويلمس شيئا من نقائها الأصلى إذا تحلى بالصبر قليلا وتأمل ونقب تحت طبقات الصدأ وخلف ركام أسباب ومظاهر التخلف والبؤس. هذا الصدام المفضى إلى تأجيج أزمة اغتراب «الإخوان» وشذوذهم عن سياق حياة المصريين الروحية والوجدانية يمكنك أن تضع يدك عليه وتتحسس ملمسه وتشعر بحرارته عندما تستدعى آخر مشهدين من مشاهد الحرب القذرة التى تخوضها جماعتهم الشريرة من أجل استلاب روح مصر ومسخ وتشويه سمات وملامح شخصيتها.. المشهد الأول هو احتشادهم البائس الأسبوع الماضى للهجوم على قلعة الأزهر الشريف ومحاولة النيل من سمعة شيخه الجليل، تمهيدا للخلاص منه. أما المشهد الثانى فهو إطلاق قطعان ميليشيات الطائفية وشياطينها على مقر الكنيسة الأرثوذكسية الوطنية وارتكاب جريمة الاعتداء عليها واستهداف حشد مسالم من مواطنينا المسيحيين، وهم يشيعون خمسة من شهداء الإجرام والعبث. فى المشهدين وما أثاراه وفجّراه من أحزان وشلال غضب ظهر لكل صاحب بصر وبصيرة أن أغلب خلق الله فى هذا الوطن صاروا على قناعة تامة بأنهم يرزحون تحت وطأة قوة احتلال ليست غشيمة وقاسية فحسب، ولكنها أجنبية وغريبة عن جنسهم وطبعهم، أيضا!!