ربما يعتقد كثير من الناس أن الست «الجماعة» الفاشية السرية التى تحكمنا بالعافية وتعمل حاليا بنشاط مسعور وهمة محمومة على إتمام عملية نشل البلد من أهلها والسطو المسلح على دولتهم ومجتمعهم، إنما هى مجرد ست بطالة كئيبة الطلعة وثقيلة الظل (رغم المسخرة اليومية) وأنها فقيرة جدا وعارية تمامًا من أى موهبة أو ميزة، ومن ثم فلا خير يرجى منها بالمرة، ولا فائدة إطلاقا، بالعكس فإن استمرار وجودها فى دنيانا ورقدتها فوق قلوبنا سيبقى مصدرًا لإنتاج الأزمات وشتى أنواع الشرور والكوارث، فضلا عن الخراب المستعجل، ودمتم! قد يبدو هذا الرأى الشائع سليمًا ومعقولًا ومدعومًا بقائمة طويلة من الجرائم والعربدات والخيابات تراكمت كلها أمام عيوننا فى شهور قليلة وبسرعة هائلة صانعة أدلة مادية ثبوتية لا ينكرها إلا أعمى فى عينه وبصيرته أو حمار حصاوى من النوع القبرصى، غير أن القاعدة أن لكل شر وجهًا إيجابيًّا، ليس فقط لأن الأشياء والمعانى بضدها تُعرف وتتميز، فالخير يبين ويتضح بالشر، والقبح يؤكد قيمة الجمال ويبرزه متألقًا.. إلخ، إنما الأهم أن الشرور والخطايا والكوارث تستنهض الهمم وتشحذ طاقات التحدى وتنير عقول الناس وتثريها بذخائر من خبرة المعاناة ما يجعلهم أشد وعيا وأكثر حرصًا على تجنب إعادة إنتاج أسبابها مرة أخرى. ومع ذلك فليس موضوع هذه السطور تلك الحقيقة «الكلية» البازغة الساطعة الآن، وهى أن «جماعة الشر» بددت فعلا بجشعها وفشلها وسوء خلقها وارتكاباتها الكارثية كل الأوهام والأساطير والأكاذيب التى نسجتها حول نفسها (أهمها أكذوبة علاقتها بالدين الحنيف الذى تتمسح فيه وتتاجر بشعارته)، وأقنعت بالتجربة المرة قطاعات من البسطاء تتسع يوميا، إنها خطر داهم عليهم وعلى الوطن وتحمل مشروع اغتصاب إجرامى تمدحه لو اكتفيت بوصفه بأنه يقوم على إشاعة الجهالة والتخلف والبؤس وسحق الحقوق والحريات. فأما موضوعى اليوم فهو حقيقة أخرى فرعية أراها تجليا جديدا (لم يدهشنى لأنى توقعته) من تجليات خليط الشر والغباوة النادر الذى من ستر ربنا علينا أن «الجماعة» تتمتع به وتعض عليه بالنواجز، حتى إنها لا تكتفى بخصام مهارات السياسة بل تعادى أى معنى للرشادة والعقل وتمعن فى الحماقة والتهور والعمى فتراها تصنع لنفسها (وللبلد طبعا) الأزمات والاحتقانات كل نصف ساعة تقريبا، كما تجد وتجتهد لتجريف الأرض التى تقف عليها وتفريغها من الأنصار والحلفاء، بحيث لا يبقى فى موكبها التعيس المندفع بجنون نحو الهاوية إلا الأتباع الأذلاء وقطيع الخدم والمنافقين وماسحو البلاط فحسب. يعنى مثلا، كان بإمكان الست «جماعة الشر» أن تهدد وحدة صفوف القوى الوطنية (من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار) المؤتلفة حاليا وفى مشهد استثنائى ضد جرائمها وخطرها غير المسبوق، لو أن هذه الست كست خططها الشريرة بشىء قليل من الذكاء والحصافة وفتحت لبعض المعارضين الطيبين أو المغفلين فرجة صغيرة فى جدار نظام الفاشية الرهيب الذى تبنيه وتركت لهؤلاء مجرد أمل فى الفوز بمكسب تافه أو قطعة حقيرة من جثة البلد تغريهم بالخروج من تحت خيمة الإجماع الوطنى.. لكنها ولله الحمد من فرط الجشع والجهالة أهدتنا من حيث لا تدرى هدية قيمة عندما ركبت رأسها الفارغ وأصرت على أن تأكل وحدها (مع قطيع الخدامين) كعكة الانتخابات التشريعية المقبلة المزورة من المنبع، وأجبرت بذلك الجميع بمن فيهم الطيبون والمغفلون على البقاء فى خندق المقاومة والكفاح من أجل إسقاط آخر ورقة توت وبقية «خرقة» الشرعية البالية التى تظن العصابة الهاربة من وجه العدالة أنها تستر عورتها وتدارى وجهها المشوه القبيح