.. إذن خلاص، تخلصت الست «جماعة الإخوان» من ربيبها وحليفها التافه الأستاذ «المجلس العسكرى» الذى تزوجته حضرتها فورًا وقبل أن يسكن غبار الثورة، زواج مصلحة انتهى بمجرد أن «تمكنت» الست المذكورة من حصد ثمار مسار انتقالى (انتقامى) معاكس للمنطق وعملية سياسية خَرِبة ومعطوبة أنتجت أزمات وكوارث وجرائم وطنية يشيب من هولها الولدان (قتْل الشباب وانتهاك البنات فى الشوارع، مثلا) لكنّ الزوجين صمماها وهندساها فى الظلام تحت بير السلم لكى تناسب مقاس الزوجة الطمعانة الجعانة فحسب، فلما بدأت هذه «العملية» تؤتى أكلها وتذوقت الست طعم «فتة» الحكم وراحت تهبر من السلطات هبرة خلف هبرة حتى وصلت للسلطة الرئاسية العليا، عندئذ لم يعد للزوج المغفل قيمة ولا فائدة، فركلته ودفنته فى مقبرة جرائمه من دون رحمة ولا شفقة، وإن لم يفتها تنظيم جنازة فخمة أنيقة وزعت فيها على روح المرحوم وسامين اثنين وحفنة طراطير (من نوع تعيين المشير مستشارًا للرئيس). هذا هو مختصر الحكاية الكئيبة التى انتهى فصلها الأول عصر الأحد الماضى لتبدأ فصول جديدة يبدو أنها ستكون أكثر مأساوية، وأخشى أن تسكن صورة ميلودراما الأفلام الهندية التى فى بعضها قد يكتشف البطل أن أباه الراقد على فراش الموت ليس أباه وإنما هو خالته! الآن نحن أمام واقع يقول إن سلطات الدولة كلها سقطت فى يد «الذراع الرئاسية» للست الجماعة، فأصبح فخامته (وهو المنتخَب بفارق يزيد قليلا على واحد فى المئة من الأصوات التى حققها منافسه فى مسابقة التزوير الكبرى) متمتعًا باختصاصات شبه إلهية، إذ ينقصه فقط أن يحيى الموتى أو ينزع أرواح خلق الله.. حسن، طيب ماذا سيفعل السيد الرئيس وجماعته بهذه السلطات التى ربما تحسدهما عليها أعتى النظم الشمولية وبعض الديكتاتوريات والفاشيات التعبانة؟ أظن أن الإجابة واضحة جلية فى المقدمات والعربدات والتخبطات العشوائية والحماقات والبلاوى الزرقاء الكثيرة التى شاهدنا الست الجماعة ترتكبها منذ بدأت رحلة صعودها الصاروخى إلى سدة الحكم، وكان آخرها الهجمة الرهيبة الحالية على الحريات عمومًا وحرية التعبير والصحافة والإعلام خصوصًا.. باختصار، أظن أن الست سوف تحاول أن تقيم نظامًا ديكتاتوريًّا فاشيًّا بائسًا وتعبانًا قوامه خليط من «زبالة» نظام المخلوع وسياساته (انظر فى تركيبة حكومتهم الجديدة) وما تيسر من النخبة المالية الإخوانية التى تسعى الآن لوراثة أحمد عز وعصابته، يعنى فشل ذريع فى الاقتصاد والاجتماع ينتِج المزيد من الظلم والبؤس والجوع لكنه مغطَّى ومحمىّ بغلاف قمعى وإرهابى قاسٍ وصلب مقنَّن ومشرعن بالدستور شخصيًّا. من لا تعجبه كل هذه الأدلة وليس مقتنعًا بهذا التحليل، أهديه حالا واقعة لا تخلو من طرافة لكنها بليغة جدًا فى التعبير عما ينتظرنا، فقد تفضل وتكرم فخامة الدكتور محمد مرسى ودعا مشكورا فى تصريحات أدلى بها يوم الجمعة الماضى أمام أحد المساجد (أغلب خطبه وتصريحاته فى الزوايا والمساجد) الشعب المصرى إلى التحلى بالأدب ومكارم الأخلاق، وحض سيادته على ما سماه «الاحترام المتبادَل بين المواطنين ورجال الشرطة والجيش»، غير أنه لم يكتفِ بهذه النصيحة اللطيفة وذلك الكلام الأخلاقى النميس وإنما أردف محذرًا الشعب والجيش والشرطة معًا من أن أى «تجاوز» يصدر عن واحد منهم سيدفع سيادته إلى القيام بتأديب المتجاوز بنفسه، وقال مؤكدًا بحماس: «من يتجاوز منهم أنا أؤدبه»، وبالطريقة واللغة الأبوية السلطانية عينها أضاف فخامته متعطفا علينا بالقول: إن أحدًا «لن يُظلَم فى دولتى»! وكما ترى، فالرئيس هو الذى «سيؤدبنا» لو تجاوزنا، كما أن الدولة المصرية باتت دولة فخامته هو لا شريك له فيها.. يعنى لا قانون ولا مؤسسات ولا أى حاجة وإنما سلطان ورعيّة أو صاحب عزبة وقطعان من العبيد والأقنان وليس بينهما شىء آخر. وقد يقول قائل إن هذا التصريح مجرد كلمات عابرة تلفَّظ بها الرئيس عفوًا وارتجالا من دون تفكير ولا إعداد مسبق بما يجعل الارتباك اللغوى وخطأ الصياغة أمرًا واردًا، وأثرًا جانبيًّا من آثار إفراط سيادته الشبقى فى الكلام وإلقاء الخُطب عَمّال على بَطّال، وبمناسبة ومن دون أى مناسبة. والحق أننى أوافق على هذا التفسير، لكنى فى الوقت نفسه لا أستطيع تجاهل حقيقة أن الكلام الارتجالى يعكس نوع الثقافة التى يتمتع بها قائله، لهذا صعب جدًا إهمال دلالة استعمال الرئيس كلمات مثل «دولتى» و«أنا أؤدبه»، ففيهما إشارة قوية إلى جنس الثقافة السياسية (والثقافة عمومًا) التى تملأ عقل سيادته وتهيمن على أحلام جماعته.. وكل عام وأنتم بخير.