... قبل أن أواصل جمع وعرض الجردة الأخيرة لمحتويات السلة الدستورية المسمومة التى جهزها لنا الأشرار فى ظلمات التخلف والجهالة، لا بد من تحية حارة لرموز وممثلى القوى الوطنية المتأهبين حاليا لإعلان النأى بأنفسهم عن عار تاريخى لا يُمحَى ويستعصى على النسيان، إلا وهو البقاء «على مقاعد المتفرجين» فى هيئة تأسيسية مشوهة ومعطوبة يهيمن عليها ويتحكم فيها تحالف نادر يجمع فى سبيكة جهنمية واحدة بين الشر والغباوة. وأعود إلى باقى كوارث وبلاوى مشروع الدستور المشموم، وأعترف بأن ثقل بلاويه والحجم المهول لكوارثه أغريانى واستدرجانى إلى شرح وإسهاب فاض وطال حتى خرجت عن خطة الاختصار والمرور السريع على أبرز وأسوأ المواضع التى تعصف بحقوق وحريات المصريين وتجعل العدوان عليها وسحقها «تكليفا دستوريا». لقد كانت نيتى أن أنتهى من تلك «الجردة» فى يومين ومساحة سطور زاويتين، غير أن هذه هى الزاوية الثالثة والمهمة التى تطوع العبد لله لإنجازها لم تنتهِ بعد، لهذا أستأذن فى ذكر ما تبقى من مصائب «مشروعهم» الدستورى الإجرامى، بالصياغات التلغرافية الآتية: ■ نَشَلوا وغيَّبوا عمدا كل (أو أهَمّ) الضمانات التى تكفل حق المصريين فى التمتع بحرية تعبير وصحافة وإعلام حقيقية، ورفعوا من بنود دستورهم الأسود حصانات ومكاسب انتزعها المصريون من نحو مئة عام وظلت (منذ دستور 1923) قائمة ومتكررة فى دساتير مصر المتعاقبة، فبعد أن كان إغلاق الصحف أو تعطيلها (لمدد محدودة) أو مصادرة أعدادها من المحظورات الدستورية، صار الباب مفتوحا أمام هذا النوع من الارتكابات والعربدات الشائنة التى لا يعرفها أى بلد ديمقراطى فى العالم وتجعل مجرد الكلام عن حريات تعبير وصحافة وإعلام فى ظل وجودها وتحت سيفها المشروع، محض ادّعاء كاذب ونصب مفضوح (راجع البند رقم «42» من مسودتهم السوداء). ■ الإبقاء دستوريا على النظام العفن الحالى الذى ورثته جماعة الإخوان من عصر ما قبل الثورة واستخدمته وسيلة (تشبه مطوة قرن غزال) فى السطو علنا على الصحف القومية وباقى وسائل الإعلام العامة (التلفزيون والإذاعة) وتحويلها إلى أبواق لبث النفاق وإشاعة الأكاذيب، فقد قاومت الست «الجماعة» هى وتوابعها الأشرار لكى لا يتسرب نص دستورى يقرر ويكفل استقلال المنابر الإعلامية المملوكة للشعب عن كل السلطات وكل الأحزاب والجماعات، بل جاهد هؤلاء الظَّلَمة جهاد الأبطال لتكريس الوضع المزرى نفسه القائم الذى ترزح تحته مؤسسات الإعلام، واكتفت بإطلاق أسامى دلع جديدة على أسلحة «السطو» الحالية (راجع البنود أرقام «204» و«216» و«217»). ■ لأول مرة فى تاريخنا وفى تاريخ العالم كله يتم اختراع بند دستورى (رقم «47») يسمح بإلغاء المنظمات النقابية بمختلف أنواعها وإنهاء كيانها القانونى تماما (!). ■ تعمد صناع هذه الطبخة الدستورية المسمومة إخلاء بنود مشروعهم من أى نص يحظر جريمة تعذيب البشر، واكتفى البند رقم «33» بمنع ما سماه «الإيذاء المعنوى والبدنى»، أما إذا تصاعد وتفاقم هذا «الإيذاء» ووصل إلى حد «التعذيب»، فإنه على مايبدو يكتسب مشروعية دستورية فورا! ■ يسمح دستور الهباب، بل ربما تكاد صياغته تحضّ وتشجع على استرقاق البشر واستعبادهم (خصوصا النساء والأطفال)، فالحلف الشرير الجاهل الذى فبرك بنوده ومواده أصر على عدم تحريم العبودية وتشغيل القاصرين (فوق سن 11 سنة) وانتهاك إنسانيتهم والسماح باغتصابهم جنسيا تحت غطاء «الزواج».. (راجع بنودا عديدة منها البند رقم «68»)! ■ الملكية الخاصة مصونة ومحمية ومبجلة (المادة «23») أما الملكية العامة فلا سيرة لها إطلاقا فى بنود المشروع من أوله إلى آخره، بما يعنى أنها ليست مصونة ولا محمية وإنما مباحة ومستباحة، وفى تبديدها ونهبها فليتنافس المتنافسون.. براحتهم قوى جدا خالص!