اتصالًا بموضوع سطور أمس، فإن الست «جماعة الشر» التى تختطفنا حاليا أبت بغباوتها وفاشيتها وجنانها الرسمى إلا أن تقدم الدليل رقم مليون (أفترض أنه سيفقأ عيون التعبانين فى عقولهم وضمائرهم الذين ما برحوا يسايرونها وينافقونها) الذى يثبت ظلمها وظلامها أنها تمشى وتندفع بسرعة البرق على الطريق نفسه الذى سار عليه المخلوع أفندى وعصابته، متشوقة على ما يبدو لملاقاة المصير وسوء العاقبة نفسيهما، قريبًا إن شاء الله.. غير أن الدليل هذه المرة ليس مجرد بلطجة سياسية ولا حادث شذوذ وتلاعب وعدوان فظ وغشيم على أسمى مبادئ القانون والدستور على نحو ما فعل «الذراع الرئاسية» للجماعة مع النائب العام (لو كان المقام يسمح لكنا شبعنا ضحكا وتريقة على مسخرة محاولة التراجع والغطرشة على هذه الخيبة القوية) وإنما الدليل الجديد مصبوغ بالدم الطاهر ويقطر خسة ووحشية وانحطاطًا.. ففى ميدان التحرير العتيد وبالوسائل الإجرامية عينها التى استخدمتها عصابات مبارك قبل أيام من خلعه (طوب، وحجارة، وكسر رخام، وسكاكين ومطاوى، وقنابل دخان وغاز، وخرطوش أيضا) انطلقت قطعان الميليشيات التابعة لجماعة الإخوان طوال نهار يوم الجمعة تعربد فى الميدان وتصنع محرقة مروعة سقط ضحيتها مئات من شبابنا النبيل الذين خرجوا فى تظاهرات سلمية تندد بسرقة دستور مصر من أهلها وبالفشل الذريع للذراع الرئاسية وحكومتها وتعبر برقى وتحضر عن رفض سياسات اقتصادية واجتماعية تنافس، بل تتفوق فى السوء والظلم والعشوائية على السياسات الكارثية التى اتبعها المخلوع وولده. باختصار، أظهرت «جماعة الشر» وجهها البشع الحقيقى وأبدعت بدماء أجمل شبابنا لوحة مزرية ومشينة تحاكى حرفيًّا وبالتفاصيل المملة جريمة «موقعة جمل»، غير أنها هذه المرة ممهورة بتوقيع عصابات الإخوان، فهل يتوب المنافقون ويفيق الغافلون وينتصرون لوطن وشعب مهدد بالخطف والانجرار نحو هاوية تفيض بأوحال تأخر وخراب وفاشية قاسية ربما تهون بجوارها أسوأ ما عرفناه فى تاريخنا الحديث كله من استبداد وديكتاتوريات ونظم فاسدة وقمعية؟! فى انتظار أن نسمع إجابة، ولكى أساعد من تبقى لديه بقية من ضمير فإننى أترك ما تبقى من مساحة هذه الزاوية لمشهد من مسرحية شبه مجهولة كتبها المسرحى الألمانى ذائع الصيت بريتولد بريخت (1898 – 1956) ضحى فيها هذا المبدع الكبير ليس فقط بأصول وقواعد «مسرحه»، وإنما أيضا بالحبكة و«الحنكة الفنية» إذ تعمد أن يكون النص مباشرًا جدًا حتى بدا أقرب إلى البيان السياسى، ووضع له عنوانًا غريبًا يتماشى مع هذا الاختيار الواعى ألا وهو «الخوف الكبير والبؤس فى عصر الرايخ الثالث»، والمقصود حكم جماعة النازيين بزعامة هتلر، أما بنيان المسرحية فقد أخذ صورة لوح ومشاهد منفصلة رصها بجوار بعضها بطريقة «الكولاج»، وقال إنها «منقولة من وقائع الحياة اليومية للشعب» وتفضح تغلغل الخوف والرعب فى نفوس الناس تحت وطأة سياسات القمع والإرهاب المتراكمة على كواهلهم.. وفى لوحة حملت اسم «بحثًا عن الحق» يرى جمهور المسرح قاضيا تنهشه الحيرة والارتباك الشديد بينما هو يتأهب للحكم على مجموعة إجرامية قدمت للمحاكمة بتهمة قتل وسرقة رجل ثرى لكنه يهودى، ولأن القاضى يعرف أن النازيين لا يقبلون اليهود (ولا غيرهم من الغرباء عن الجنس الآرى) فإنه لا يعرف كيف يحكم فى هذه القضية، ولهذا نجده يكاد يتوسل وهو يطلب العون ممن حوله فى المحكمة، فيتوجه أولًا إلى مفتش الشرطة سائلًا إياه عن رأيه، فلما لا يأخذ منه جوابًا شافيًا يلوذ بممثل الادعاء، غير أن هذا الأخير أيضًا لا يجاوبه إجابة واضحة، ومن ثم يذهب إلى المستشار الأول للمحكمة الذى بدوره لا يريحه بل يقول أشياء تزيد من ارتباكه وقلقه وحيرته مما يجعله يخرج عن وقاره وينفلت هاتفًا فى وجه المستشار: أنت تعرف يا سيدى أننى مستعد لأى شىء يطلب منى، لكننى يجب أن أعرف بوضوح ما هذا الشىء.. أظن أن هذه هى العدالة، أليس كذلك؟!