تحدَّثنا فى المقالة السابقة عن 10 أسباب لرفض قانون الخدمة المدنية، لكن -مع الأسف- لم يكن من بينها المطالب التى ينادى بها المتظاهرون الرافضون لتغيير القانون، ومن ضمن أسباب عدم جدوى تلبية طلبات المتظاهرين ما يلى: 1- لا توجد مشكلة لدى المتظاهرين مع استمرار تطبيق قانون «47» الذى فشل فى تطوير العمل الإدارى، لأن بقاء الوضع كما هو عليه خيار مقبول للمتظاهرين، فى حين أن التغير هو سبيل مصر الوحيد للمستقبل. 2- انحصار المطالب فى رفع الأجور -أو الخوف من تخفيضها- دون ربط الأجر بالكفاءة أو نوعية العمل. 3- هناك خطأ مفاهيمى فى رؤية المتظاهرين للدولة، فلا تزال العقيدة السائدة فى ما يطرحونه ترى الدولة مؤسسة توفير فرصة العمل وتقديم الدعم، والأجور والحوافز فى هذا الصدد ما هما إلا وسيلة للدعم غير المباشر، كما أن نظام التعيينات والترقية هدفه ترسيخ البطالة المقنعة. 4- ما يطلبه المتظاهرون فى ما يخصّ الإجازات لا أجد له صلة بتحسين بيئة العمل أو بتطوير الجهاز الإدارى للدولة، فلماذا لا تتم المساواة مع القطاع الخاص فى هذا الصدد؟ تذكَّرت وأنا أقرأ تلك المطالب قرارات الحكومة فى الأعياد بإعطاء إجازة أطول لموظفى القطاع العام من القطاع الخاص، وراودنى هذا السؤال الوجودى: هل السبب أن القطاع الخاص مهم لدرجة عدم الاستغناء عنه مدة طويلة أم أن موظفى القطاع العام يعملون أكثر فيستحقون إجازة أطول؟ 5- يريد المتظاهرون أن يجعلوا حق فصل الموظفين العموميين للمحكمة التأديبية وحدها دون غيرها. ورغم عدم اتفاقنا مع مطالب المتظاهرين بشكل عام فإنها تأتى كنتيجة منطقية لمشكلة مزمنة فى صناعة واتخاذ القرار، فالقوانين تصدر دون حوارات مجتمعية حقيقية تعثر عملية تطبيق القانون. ستخرج علينا الحكومة بعدد اللقاءات التى عقدتها، لكننا نعلم جميعا أن تلك اللقاءات عادة ما تبدأ بكلمات الشكر والمدح، وتنتهى فى أروقة قاعة الاجتماعات مع بداية البوفيه. مشكلات القانون مثلها مثل مطالب المتظاهرين، كلاهما لن يؤدى إلى تحسين بيئة العمل داخل الجهاز الإدارى أو تطويره، فعلى عكس ما يردده المدافعون عن القانون هذا ليس دواءً مرّا يحتاج إليه المريض، فعلينا أن نستحمله من أجل معالجة الجهاز الإدارى للدولة. مع الأسف لا تزال العقيدة السائدة هى السلفية البيروقراطية التى تفتح باب الاجتهاد فى الحلول الشكلية الظاهرية، وتتجاهل أصول الترهل البيروقراطى، مثل التى ذكرناها فى المقالة السابقة بخصوص المركزية الشديدة، والخلل فى الهياكل التنظيمية للدولة، وعدم اتباع نظم الإدارة الحديثة، والتضارب بين الهيئات الحكومية، وعدم التوافق حول دور الدولة فى الاقتصاد وعلاقته بالمجتمع.