لا أعرف أحمد عبد الرحمن، وربما لا تعرفه أنت أيضًا، لكنه بطل لحدوتة تستحق أن تروى فى فصل «المظلومين». «صلِّى بينا على النبى».. أحمد عبد الرحمن، شاب أسوانى، أسمر، طيب، يعمل فرد أمن، ليس له ميول أو اتجاهات سياسية، ربما بفعل ما يراه أصبح متابعًا لما يحدث، لكنه ليس طرفًا فيه. ربما كان سقف أحلامه وقتها أن يعيش فى سلام، وأن يجد الوظيفة الملائمة التى تعينه على إرسال فلوس لأهله فى أسوان. لا أعرف مؤهل أحمد، لكنى متأكد من أنه حتى لو كان خريجا جامعيا فإن أسرع وظيفة يمكن أن يعمل بها هى وظيفة فرد أمن فى إحدى شركات الأمن، التى نعرف جيدًا أن مرتباتها لا تتعدى بأى حال من الأحوال 1200 جنيه، وبالفعل عمل أحمد فرد أمن، وربما كان سقف أحلامه وقتها أن يستقطع ما يستطيع أن يرسله إلى أهله حتى لو لم يعش كما يجب، فهو فى مرحلة (الشقاء) التى مر بها الجميع، وهذا هو دوره لرد الجميل لأهله. فى يوم من الأيام، كان أحمد فى طريقه للشغل، وجد (لمة) و(زيطة) و(زمبليطة)، وكأى مواطن مصرى فى كتالوج المصريين وقف (يتفرج) من بعيد حاملا (شنطته)، وهو يدعو الله أن يكون الموضوع مجرد (خناقة) ستنفض، لكن فجأة غلى الدم فى عروقه، وهو يرى رجالا يسحبون بنات ويجروهن بعرض الشارع، ولا يتدخل أحد. جرى أحمد ناحيتهم، وسقف أحلامه أن ينقذهن من أيدى الكلاب، الذين يجرجرونهن ويستحلون فعل ذلك فى بنات الناس. لأحمد صورة شهيرة يمكنك البحث عنها وعلى وجهه علامات الفزع محاولا تخليص البنات، ليكتشف أن اللمة كانت مظاهرات مجلس الشورى الرافضة قانون التظاهر، وأن من ظن أنهم كلاب كانوا مخبرين ومباحث بملابس مدنية، وهكذا كان سقف أحلامه أن لا يقبض عليه مع الآخرين، وأمام عينيه جرت ذكريات عمره وشعر بذعر مضاعف، وهو يتخيل أهله يسمعون بخبر القبض عليه. ولأن الأحلام لا تجد لها متسعا مناسبا فى هذا الوطن، تم إلقاء القبض على أحمد عبد الرحمن بالفعل، ولأن متظاهرى الشورى (حبة العيال الثورجية اللى واجعين دماغنا) أو (تجاوزوا القانون فى ظروف صعبة بدل ما يراعوا ظروف البلد) كما يؤكد الكثير من خصومهم أو أعدائهم أو (الدولجية) كما يسمى البعض أنفسهم، فقد وجد أحمد عبد الرحمن نفسه متهما بنفس الاتهامات، وأصبح سقف أحلامه أن يخرج بعد تجديد أو تجديدين من النيابة، لأنهم سيكتشفون حتمًا أنه (غلبان)، وليس له علاقة بالموضوع، وإنما يدفع ثمن جدعنته. تجديد وراء تجديد وأحمد محبوس، فتشوا حقيبته فوجدوا سكينا نصحه البعض أن يقول «مش بتاعى» لكن أحمد قال: «واكدب ليه.. دى السكينة اللى بقطّع بيها السلاطة فى الشغل»، ليحكم على أحمد ضمن متهمى مجلس الشورى بأحكام نهائية باتة، كان سقف أحلام أحمد أن تمر على خير. كتبت عن أحمد مرات ومرات، ذكرت واقعته وأرسلتها إلى مكتب رئيس الجمهورية ضمن عمل لجنة شباب الإعلاميين لمراجعة حالات المحبوسين ظلما، ولا أعرف ما إذا كان تحدث عنه البعض فى المجلس القومى لحقوق الإنسان أم لا، لكن سقف أحلام أحمد عبد الرحمن كان ينخفض كل مرة لدرجة الإطباق عليه. وهكذا لم يجد أحمد، ولا زملاؤه من المحبوسين فى قضية تظاهر، أى مكان لهم فى العفو الذى ما زلنا نطالب به لهم، بل ونطالب بآلية لعدم دخول المظلوم من الأساس السجن، ولإعلان تعديلات قانون التظاهر التى يتم الحديث عنها فى مواسم مؤتمرات حقوق الإنسان العالمية دون جدوى ودون اعتماد لها. أمامى الآن شهادة الأستاذ محمد عبد العزيز، محامى أحمد عبد الرحمن، عن (تأديب) حدث لأحمد عبد الرحمن وزملائه فى السجن، خرج منه المحبوسون إلى عنابرهم فى ما عدا أحمد الذى ذهب إلى عنبر (الدواعى) وهو -والكلام على عهدة عبد العزيز- غرفة أسوأ من التأديب لا يوجد بها تهوية أو مروحة وملابس، إضافة إلى منع الزيارة والحرمان من كل شىء فيتم منعه من الخروج منها منعًا باتا، وعدم استخدام أى ملابس سوى تى شيرت وغيار داخلى فقط يرتديه، وعليه أن يخلعه ويغسله وانتظار تجفيفه. ويكشف المحامى: «أحمد تم الاعتداء عليه بالضرب من سجان عنبر 2 يدعى عم محمد، خلال احتجازه فى التأديب ومنع الزيارة عنه» سقف أحلام أحمد عبد الرحمن الآن أن يخرج من الدواعى، ويتم تسكينه فى أى عنبر مع أىٍّ من شباب الشورى بسبب أن يتسلم أى زيارة عن طريق أهاليهم. الحدوتة إهداء من أحمد ومحمود وهانى والإخوة والأصدقاء والأقارب ويارا وسناء إلى وزير الداخلية ورئيس مصلحة السجون والمجلس القومى لحقوق الإنسان، ويا ريت يسمعونا «بشرة خير».