استدعانى القاضى وقال لى: «أنا مضطر أحبسك وعارف إنك مظلوم» فقلت له: «ناوى تحبسنى قد إيه؟» قال لى: «لا أعرف.. أنا منتظر فاكس أمن الدولة ييجى زيى زيّك»! أمى اعتصمت فى حجرة ضابط المباحث عندما رأتنى بثياب ممزقة تمتلئ بآثار الدماء جاءتنى تعليقات كثيرة على الحلقتين الأولى والثانية من المذكرات. وأشكر الجميع على هذه التعليقات، كما أؤكد أن هذه الشهادة تحكى جزءا شاهدته من المشهد وعشته، لا المشهد كاملا من زواياه المختلفة؛ فقد تسقط أسماء أو أحداث لم أعلم بها أو أتفاعل معها وقتها؛ حتى لا يُظن أنى قد تجاهلت أحدا أو لم أذكر حدثا بعينه قاصدا؛ فأرجو أن تُفهم المذكرات عبر هذه الرؤية، كما أن أكثر من 90% من المذكرات مكتوب عقب الإفراج عنى مباشرة فى شهر 11/2008، ولا تزال بتاريخ نشرها على مدونتى الشخصية (د. ممدوح المنير) موجودة كما هى من حينها. كما أؤكد أن هذه المذكرات هى رؤيتى الشخصية للأحداث لا رؤية حزب أو جماعة. أبطال المهمة كان من أهم أسباب التعذيب هو الاعتراف بالفريق الإعلامى الذى ساعدنى فى تغطية الأحداث، فتعرضت لتعذيب شديد حتى أبوح بأسمائهم، لكن الله ثبّتنى، وهو وحده من يملك هذا، ليس بالقوة ولا الشجاعة، بل محض فضل من الله، لكن الآن يمكننى البوح بأسمائهم لتوثيق الحدث للتاريخ وهم: د. محمود رشاد بالمحلة الذى شجعنا على تغطية الحدث، وعصام شوشة المصور المحترف الذى صوّر أهم الصور فى اليوم، والأخوان عادل الحداد (أدى دورا كبيرا عبر مدونته «أحرار» لكن فى دعمى) ومحمد الحداد، اللذان صورا ووثّقا كثيرا من مشاهد اليوم، وأ. محمد منجى الذى سمح لنا باستخدام مقر شركته فى المحلة لتكون غرفة عمليات اللجنة الإعلامية، وهى مخاطرة شديدة قبِل أن يضع نفسه، فيها فى حالة اكتشاف أمن الدولة ذلك، وأحمد الأشرم الذى كان يرافق المصور لحمايته من أى اعتداء عليه.. هؤلاء هم الفريق الذى عرّض نفسه للخطر فى سبيل توثيق الحدث وفضح النظام تجاه أهل المحلة. من الشخصيات الحبيبة إلى قلبى ولم أنسها وعايشَت أجزاء من معاناتى، د. سعد عمارة، وأ. محمد عبد الجواد، ود. محمد وهدان، الذين أشرفوا على علاجى من التعذيب، وأ. وائل الحدينى الذى أرسل المذكرات إلى وسائل الإعلام، وغيرهم كثير من الأحباب. محضر دعارة! فى أثناء عرضى على النيابة فى إحدى المرات، طلب أحد المستشارين الكبار مقابلتى فى حضور الأستاذ زكريا فتحى -رحمه الله- والأستاذ زكريا رمضان المحاميين، رغم أنه من المفروض ألا أمثل أمامه.. دخلت عليه فى غرفته، فقال لى: «أنا هحبسك وأنا عارف إنك مظلوم، ويا ريت ما تدعيش عليّه»، ثم طلب دخول أمى فدخلت وجلست، فقال لها: «أرجوكى لا تدعى عليّه علشان أنا مضطر أحبس ابنك، وأنا عارف إنه مظلوم»، فقلت له: «وناوى تحبسنى قد إيه؟» فقال: «معرفش»، فتعجبت، ثم قال لى نصا: «أنا منتظر الفاكس ييجى زيى زيّك»، رغم أنه من المفروض أن أصغر وكيل نيابة تحت يديه يملك اتخاذ القرار، لكنه فى انتظار فاكس أمن الدولة. ثم قال لى أمام الحاضرين: «يا عم، سيبك من الإخوان وشوف مصلحتك.. همه ناس محترمة بس الموج عالى، وهتبهدل أهلك معاك ومستقبلك هيضيع»، ثم حكى لى -وأقسم بالله أن هذا ما قاله لى- أن رجال أمن الدولة عندما أخبروه أن أحد أقاربه ينتمى إلى الإخوان، ذهب بقريبه هذا إلى قسم الشرطة مع أخت قريبه ووقّعا على محضر فى القسم بارتكابهما الزنا معا بمحض إرادتهما؛ وذلك حتى ينفى عنه هذه «التهمة» -الانتماء إلى الإخوان- ثم أخذا المحضر إلى أمن الدولة حتى يرضى عنهما!!. نظرت إليه أنا وجميع الحاضرين فى ذهول، ثم أكمل قائلا فى راحة وسعادة: «والحمد لله، أمن الدولة وافق على أن يحتفظ بمحضر الزنا ليبتز به المستشار وقريبه وأسرته إذا فكروا فى الانتماء إلى الإخوان». ترى، أين هذا المستشار الآن؟! وهل لا يزال محضر الزنا فى يد أحد ضباط جهاز أمن الدولة السابق يبتزه به؟! وكيف يتعامل مع قضايا الثوار؟! حكيت هذا الموقف ليعرف الناس حجم الإفساد الذى يضرب بجذوره فى كل مفاصل الدولة، وأن إسقاط مبارك لم يكن سوى طلقة البداية، كما لا بد أن نؤمن أننا فى معركة النفس الطويل ضد كافة شخوص وأجهزة النظام السابق، نحتاج فيها إلى مزيد من الجهد والعرق والسهر وأحيانا الشهادة، لأنها معركة فى سبيل الله والوطن والتاريخ. سر الرقم (608).. إذا كان الله معك فمن عليك؟ عشت فى عنبر التأديب هذا عذابا فوق العذاب من الضجيج الهائل الذى كان يحدثه البلطجية المجاورون فى الزنزانة حين يبدأ تأثير المخدرات التى يتعاطونها فى الانتهاء يطرقون الأبواب بدون توقف 24 ساعة، فلم أنم لحظة واحدة أياما طوالا، فضلا عن صداع مزمن لا ينتهى, ما أرق مضجعى ونغص علىّ حياتى فكان بلاءا فوق البلاء، أوشكت فيه مقاومتى على الانهيار واستنفدت كافة سبل الاحتجاج، كما نوهت من قبل. فأُغلقت دونى الأبواب وبلغت الروحُ الحلقوم، حتى جاءنى الفرج من حيث لا أنتظر!. أحب أن أشير بدايةً إلى أن ما حدث معى لم يكن لأهليّتى لذلك؛ فأنا أعلم الناس بضعفى وتقصيرى، ولكن الأمر كما يقول علماء القلوب: صنفان من البشر يستجيب الله لهما ويحيطهما برعايته بغض النظر عن تقصيرهما فى حقه، ألا وهما : المضطر يتدخل المولى برحمته التى وسعت كل شىء ليفرج كربه، والآخر هو المظلوم والذى أقسم الله بنفسه أن ينصره بعدله ولو بعد حين. لذا أرجوا أن يفهم كلامى من خلال هذا السياق.. واللهُ مطلعٌ على السرائر. حين كنت أعانى ما أعانيه استبدت بى الظنون ودخلت علىّ هواجس الخوف والرعب واليأس وأحسست أنى مقدم على مرحلة صعبة هذه أولُ بوادرها.. وأنا على هذه الحال فُتح علىّ الباب وأدخل السجّان فى الزنزانة المجاورة وافدا جديدا، وأمسكت قلبى بيدىّ وأخذت أتساءل من أى نوعٍ هو؟ مزعج، أم هادىء النفس؟ وظللت متوجسا غاية التوجس، أنتظر ما سيحدث، تمر الساعات بطيئة متثاقلة.. كنت أنتظر فى تلهف أن أرى أو أسمع ردود أفعاله بعد ساعات من الحبس، وكان وقتها قد دخل فى نوم عميق منذ أن جاء، وبينما أنا على هذه الحال إذ به يستيقظ وينادى: يا أستاذ. قلت لنفسى قبل أن أرد عليه وبدأت المشكلات! سوف يطلب منى طلبات لا أستطيع أن ألبيها وهنا تتكرر مأساتى. لكنى وجدته يكلمنى فى وداعة وهدوء ويطلب التعرف، فعرفته بنفسى فى اقتضاب، فإذ به يواجهنى بهذا الطلب العجيب الغريب قائلا: لقد جاءنى فى المنام من يقول لى (آية 608) فهل تعرف هذه الآية؟!، فقلت له فى اندهاش عظيم: لا أعرف آية فى كتاب الله تحمل هذا الرقم. فقال لى فكّر فهذا الخاطر ألحّ علىّ كثيرا وأنا نائم ولا أجد له تفسيرا!. فأحسست عندها أنى أستعد لاستقبال رسالة ما ساقها الله إلىّ على لسان هذا الرجل الغريب الذى لم يدخل إلا منذ ساعات معدودة، فتحت المصحف ووقعَ فى قلبى وعقلى أن هذه الآية ربما تكون هى مجموع الآيات التى تسبقها فى المصحف وفعلا بدأت فى جمع عدد آيات السور من أول الفاتحة حتى وجدت الآية ( 608 ) هى الآية السابعة عشر فى سورة الأنعام، قال تعالى: «وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».. ذهلت.. سكت.. بكيت! لقد وصلت الرسالة، واضحة جلية منبهة موجهة شافية!. إن (يمسسك) (الله) بماذا (بضر) (فلا كاشف له إلا «هو»)، أخذت أرددها وكلما رددتها أكثر ازداد بكائى. الله وحده هو النافع وهو الضار، بيده كل شىء وإليه يرجع كل شىء، بيده الحركة والسكون والأمر والنهى، فوجهت وجهى إليه، أدعوه دعاء المضطر المظلوم، أبثه شكواى وأقول له: يا من جعلت النار بردا وسلاما على إبراهيم اجعل حبسى هذا أمنا وسلاما علىّ. كان بعدها الهدوء التام والسكينة والطمأنينة. نعم، جاءنى بعدها نزلاء جدد، ولكن بلا صوت ولا طلبات، يقضون معظم أوقاتهم نُوّما حتى نسيت وجودهم بجوارى أصلا! ليس هذا فحسب بل عشت فى سلام نفسى عجيب ومضى الوقت بسرعة عجيبة لا أشعر معه بلحظة ملل رغم وحدتى! حتى قلت لأحد الضباط بعدها: إننى أشعر أنى أعيش فى حلم! ما أن يبدأ اليوم حتى ينتهى!. ما أجمل أن تشعر أن الله معك يحفظك ويرعاك، فإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟! وذهب الرجل كما جاء.. بلّغ الرسالة وذهب وذهبت معه كل متابعى وعشت بقية أيامى كما أنا وحيدا ولكن فى هدوء، حتى أشرفت أيامى فى هذا المكان على الانتهاء، وما هى إلا ساعات معدودة وأحصل على حكم الإفراج السادس.. خائف أن يلحق بسابقيه ولا ينفذ! ولكن تتأزم الأمور من جديد وندخل فى محنة جديدة حتى يأتى الفرج من جديد وبما لم يخطر على قلب بشر!. زيارة الأهل فى حياة المعتقل تصبح زيارة الأهل والأحباب -الوالدان وأخوى معتز ومعتصم، وإخوانى وجيرانى- أهم حدث فى حياته ينتظره بفارغ الصبر وعلى أحر من الجمر، كان المرؤ يعد أيام حبسته بعدد الزيارات!. فى حياة السجون قانون أو عرف غير مكتوب بين كافة المعتقلين السياسيين أو حتى الجنائيين، مفاده أن المعتقل يظهر فى أثناء الزيارة فى أحسن هيئة وأجمل صورة أمام زواره، لأننا جميعا ندرك المشقة الكبيرة التى يعانيها الأهل قبل الزيارة وفى أثناء الزيارة وبعد الزيارة، لذا كان حتميا أن تكون هيئتنا طيبة حتى نبعث فى قلوبهم الطمأنينة. فى الزيارة يحاول كل منا أن يبدو قويا أمام الآخر، ولكن لغة العيون دائما ما كانت تفضح ما يحاول والدىّ إخفاءه من تعب وإرهاق. فى أغلب الزيارات عندما أرى والدتى لا أملك نفسى، فقسمات وجهها.. خطواتها المتثاقلة من تعب الطريق.. نظراتها المرهقة من أشعة الشمس الحارقة؛ كل هذا كان يترك فى نفسى أثرا أحاول أن أخفيه لحظة سلامى عليها، ولكن هيهات هيهات؛ فعندما أسلم عليها وأرتمى فى حضنها الدافئ -كأنى طفل يبحث عن الأمان المفقود بين ذراعىّ والدته- كنت فى هذه اللحظه أشعر براحة كبيرة بين أحضانها. أذكر مرة بينما أسلّم على والدى وأحتضنه طال العناق بيننا حاولت أن أنزع نفسى من بين يديه، ولكنه أبَى فاستسلمت له ودار بيننا حوار بلا كلمات أو نظرات كانت كل ضمة يضمنى بها إليه تعبر عن حنان وحب ورحمة كنت فى أمس الحاجة إليها. أبى وأمى ولم أنس لحظة زيارة أهلى (أبى وأمى وأخى معتز) أول مرة بعد انتقالى إلى سجن عنبر الزراعة، وكنت وقتها فى عنبر التأديب فى الحبس الانفرادى. استُدعيت وأنا بثيابى الممزقة والتى تمتلئ بآثار الدماء، ولحيتى وقد طالت واستطالت بلا تهذيب، فكان منظرا مأساويا بالنسبة إليهم. بكى الجميع وأخذت أمى الحبيبة تدعو على من حبسنى أمام رئيس المباحث (أشرف بيه) وقتها وهو يحاول تهدئتها. أعلنت أمى اعتصامها فى حجرته حتى يفرج عنّى.. ارتبك الموقف.. لم تفض أمى اعتصامها إلا بعد تدخلى حرصا عليها، وبعد أن وعدها الضابط أن تأتى فى الزيارة القادمة وتجد وضعى قد تحسن!. انصرفوا وأنا أنظر إليهم محاولا التماسك، ولكن دموعى غلبتنى لتعرضهما للمشقة والإرهاق فى رحلة العذاب التى يقضونها فى السفر، وفى الانتظار حتى الدخول، ثم التفتيش الذاتى للزوار، وفى تفتيش ما أحضروه من طعام وملابس، وقد كبرت بهما السن، لكنهم لم يتركوا يوم زيارة إلا كانوا أول من يحضر كل أسبوع، وكانت الرحلة تستغرق منهم أكثر من عشر ساعات ذهابا وإيابا فى تعب وضغط نفسى لا مثيل لهما. فاللهم اجعل صبرهما هذا فى ميزان حسناتهما. كان من أشد الأمور تعذيبا لى هو تذكرى مدى المعاناة التى أصيب بها والدىّ فى فترة اعتقالى؛ منها أن والدى فى سعيه الحثيث ليعرف مكانى، استطاع عبر معارفه واتصالاته أن يصل إلى رجل يعرف أمين شرطة داخل جهاز أمن الدولة، وكان ينقل إليه ما يحدث معى من تعذيب، فيقول له: (اليوم ابنك عذبوه جامد.. ابنك كان هيموت من شدة التعذيب). فتخيلوا كم المعاناة النفسية التى يعانيها أبى وأمى وهما يبيتان كل ليلة مع أمثال هذه الأخبار. والحمد لله على كل حال. النهاية قبل موعد الإفراج النهائى عنى بعد أن قضيت سبعة أشهر -منها ثلاثة فى الحبس الانفرادى بسجن عنبر الزراعة أعانى شتى ألوان العذاب- جاءتنى مجموعة من قيادات جهاز أمن الدولة من مقر الجهاز بمدينة نصر الملقب ب«عاصمة جهنم»، وقالوا لى: اعلم أنك لن ترى الشمس مرة أخرى، وأن قرار المحكمة بالإفراج عنك هو حبر على ورق (بلّه واشرب ميته)، وأظلمت الدنيا فى عينى وأغلق السجن أبوابه. أكثر من ستة أبواب متداخلة بعضها فوق بعض، وشمّعت الأبواب بالشمع الأحمر، وانصرف الجميع فى إدارة السجن إلى بيوتهم وظللت فى الحبس الانفرادى وحيدا، وكنت وقتها صائما قبيل أذان المغرب يوم الخميس وبدأت فى مرحلة الانهيار النفسى من جراء ما سمعته منهم. و لكنى تذكرت العلاج الناجع الذى لا يخيب فى أى انهيار نفسى أو ضائقة تمر بحياة الإنسان، فقمت وتوضأت وتوجهت إلى القبلة.. بكيت وتضرعت إلى الله أن يفكّ كربى. وأخذت أهتف بكل قوتى بالدعاء السرمدى الخالد «لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّى كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ»، و«وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ». أُذّن لصلاة المغرب وأنا على هذه الحال، واقفا بين يديه متضرعا إليه، أبثّه شكواى قائلا يا رب. فإذا بى أسمع أصوات الأبواب تفتح واحدا تلو الآخر، رغم أنه فى قانون السجون إذا أغلقت الأبواب لا تفتح إلا فى اليوم الثانى وبمحضر خاص، وإذا بباب زنزانتى يفتح ويدخل رئيس المباحث ويرانى على حالى هذه فينظر إلىّ باندهاش، ويقول لى: لقد عدت من المنزل خصيصا من أجلك!. سألته: لماذا؟. قال: لا أعلم!! فتعجبت أكثر، وإذا به يقول: فى الخارج من ينتظرك. فقلت له: من؟. فرفض الإجابة، فخرجت فإذا بهم ضباط أمن الدولة أنفسهم، وقالوا لى: عندنا لك مفاجأة. فقلقت أكثر وصمت، ثم قالوا لى: بعد قليل سيأتى والدك لاصطحابك إلى البيت و(ألف مبروك على الحرية). علمت بعدها أنهم اتصلوا بوالدى وقالوا له: نريد رؤيتك فى أمن الدولة. ثم أخذ أحد الضباط الوالد فى سيارته (الملاكى) وتوجه به إلى السجن الذى أنا محبوس فيه ليصطحبنى إلى البيت. ولم تمض ثلاث ساعات إلا كنت فى بيتى وفى أحضان أمى ووالدى وإخوتى. استغربت وتعجبت من طريقة الخروج، لكن من كلامهم معى فى أثناء خروجى شعرت بأنهم يقولون بلسان الحال، سنكرمك فى الخروج حتى لا تتحدث عمّا حدث معك من تعذيب وتنكيل فى وسائل الإعلام، خاصة أننى فعلتها وأنا معتقل تحت أيديهم. لكنى ما إن خرجت حتى كتبت مذكراتى ونشرتها وأجريت أكثر من حوار صحفى فضحت فيه ما حدث معى ولا تزال كل هذه الحوارات موجودة على المدونة. وأخذت أقول لنفسى: حقا متى فتح باب السماء، تهاوت أمامه كل أبواب الأرض.. فمن وجد الله وجد كل شىء، ومن فقده فقد كل شىء. فسبحانه بين طرفة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال. اللهم ارزق كل مظلوم الحرية، كل مكلوم النجاة، وأرنا عجائب قدرتك فى كل ظالم وطاغية. هذه هى شهادتى لله وللوطن وللتاريخ.