للأسف الشديد تعامل الحكومة مع الموازنة العامة للدولة لا يواكب العصر الذى نعيش فيه، فالموازنة أداة تخطيط وليست مجرد جدول للإيرادات والمصروفات وجدل بين الوزراء حول كيفية تقليل العجز. الموازنة هى العمود الفقرى لفهم الدولة والاقتصاد، وتقليل العجز فيها ليس هدفا لذاته، بل وسيلة لتنمية الاقتصاد. أما ما نقرؤه يوميا عن مناقشة الموازنة فى الجرائد فإن دل فإنما يدل على الالتزام الدقيق بالطرق التقليدية فى إدارة الدولة وتجاهل تام للابتكار. نريد اقتصادا قوامه الابتكار وتعظيم الاستفادة من موارد مصر والفرص المتاحة، وخلق فرص عمل محلية تناسب الرأسمال البشرى الموجود لدينا، لحين تطوير نظام التعليم. ومن ضمن الحلول المقترحة هو التحول نحو إنشاء مراكز وأقاليم اقتصادية متعددة على مستوى الجمهورية ذات طبيعة خاصة بتخطيط لا مركزى. محافظة مثل المنيا على سبيل المثال يقوم اقتصادها بشكل كبير على زراعة البطاطس، فلماذا لا تعطى الحكومة حوافز للقطاع الخاص من أجل إنشاء مصانع تغذية مثل شركات رقائق البطاطس والشيبسى تعفيهم من بعض الضرائب أو تسهل إجراءات تخصيص الأراضى... إلخ؟ لماذا لا يتم بناء مطار صغير لتصدير البطاطس أو الشيبسى بعد تصنيعه هناك؟ مدينة مثل الجونة منتجع الأغنياء فى مصر من الممكن استغلالها لتكون مركزا إقليميا وربما عالميا لريادية الأعمال على غرار «سيليكون فالى» فى أمريكا. والمقصود بريادية الأعمال فى هذا السياق المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التى تعمل على أفكار جديدة بالأخص فى مجال التكنولوجيا، ولديها الفرصة لتكبر وتوسع نشاطها مثل شركات «جوجل» أو «فيسبوك» أو «أمازون». تستطيع الحكومة أن تستثمر فى جامعة متخصصة فى هذا المجال، وأن تعطى حوافز لرواد الأعمال من الشباب فى هذه المنطقة، بالإضافة إلى تنظيم مؤتمرات ومعارض دولية لدعم رواد الأعمال. والجدير بالذكر أن هذه الفكرة عرضها من قبل صديق عزيز ولديه رؤية شاملة لهذا المشروع. مدن أخرى مثل الأقصر وأسوان تربط بين العالم العربى والإفريقى لما تملكه من موقع مميز على ضفاف النيل، فلماذا لا تعمل الحكومة على ترويج المنطقة لتكون عاصمة مصر الثقافية؟ فلا توجد مدينة أخرى فى المنطقة بها هذا الكم من المعالم السياحية والآثار، بالإضافة إلى الخلطة السحرية بسبب التقاء الحضارة العربية بالإفريقية. هناك أيضا إقليم قناة السويس الجارى التخطيط له حاليا، ولكن لا نملك معلومات كافية حوله. فإن كان الهدف هو إنشاء مركز تجارى عالمى مثيل لمدينة دبى، فعلينا بالبدء الفورى فى تطوير جامعة قناة السويس أو إنشاء جامعة جديدة متخصصة فى المجالات الصناعية والتجارية الجارى التخطيط لها فى المنطقة. الجامعة ضرورة قصوى للحياة فى هذه المنطقة، حتى لا تصبح معزولة مثل برج العرب أو توشكى أو عديد من المشروعات الأخرى. هذه مجرد أمثلة لفكرة بناء اقتصاد متعدد المراكز الصناعية والتجارية والتكنولوجية والثقافية. اقتصاد لا مركزى ينمى الأقاليم المصرية المختلفة ويشجع السكان على التخصص فى المجالات الاقتصادية المحيطة بهم. اقتصاد يعظم من الموارد الموجودة ويروج ترويجا مبتكرا للمراكز الاقتصادية المختلفة فى كل الأقاليم المصرية. ندعو الحكومة إلى أن تولى التخطيط على مجرد الحسابات الرياضية للموازنة، حتى نخرج بموازنة برامج تساعد على تحقيق تنمية حقيقية فى مصر.