أشرقت منذ يومين شمس أول أيام السنة الثالثة والستين لثورة الثالث والعشرين من يوليو، بقيادة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر.. وفى ظنى، ومن متابعتى عن كثب، بحكم المهنة، لكل ما كتب وقيل، تقريبا، عن يوليو، أن هذه الثورة كانت علامة فارقة فى تاريخ نضال الشعوب وتطلعها إلى الحرية والاستقلال والتحرر من ربقة الاستعمارين، الخارجى والداخلى.. ومنطقيا، لو أن هذه الثورة، كانت مجرد تغيير عابر فى مسار مصر، ما كان يمكن أن تتعرض لمثل ما تعرضت له من حملات تشويه شرسة وافتراءات، ظن مطلقوها، أنها ستؤتى ثمارها بدفن مبادئ «يوليو»: الاستقلال والتحرر الوطنى والكرامة الإنسانية، وهو ما يُتوج بالضرورة، بالعدالة الاجتماعية.. رفعت يوليو، الأم، شعار، ارفع رأسك يا أخى، فقد انقضى عهد الاستعباد.. ولكل هذه الأسباب، أصاب السُّعار أعداء الخارج والداخل، فكانت مؤامرة يونيو 67 العالمية بقيادة أمريكا، التى أكدت ضلوعها فى كل مخطط استهدفنا، عندما صرح مسؤولون بها، عقب ثورة الثالث من يوليو قبل عامين، جهارا نهارا: لن نسمح بظهور ناصر آخر! إذن فإن يوليو الأم هى الهدف الأول لديهم، فانطلقت «النظريات والتحليلات والنصائح والتزييف التاريخى» لإقناع المصريين ومعهم كل الشعوب التى وجدت فى ثورة عبد الناصر الخلاص والملاذ، بأن هذه الثورة لم تجر عليهم سوى الوبال، وشددت على «ديكتاتورية!» عبد الناصر، وإذا قلت لهم، طيب ماذا عن الملايين التى اندفعت إلى الشوارع، فى دقائق، تعلن رفض الهزيمة والتشبث بقيادة عبد الناصر، لدحر آثار العدوان، أجابوا، دون أن يطرف لهم جفن، أن ذلك كله من تدبير الاتحاد الاشتراكى!! وكما كان زوجى الكاتب الراحل على الشوباشى، يقول للفرنسيين، إبان حقبتنا الباريسية: لو كان للاتحاد الاشتراكى، القدرة على تعبئة خمسة ملايين مواطن فى غضون دقائق معدودة فى القاهرة وحدها، ما كنا قد هُزمنا.. المهم، إنك إذا ما طرحت عليهم سؤالا عن «دور» الاتحاد الاشتراكى، فى يوم الرحيل، والدموع التى سالت أنهارا فى وداع الزعيم.. أصيبوا بالخرس!! الخلاصة أن ثورة يوليو، لم تغب مبادئها، رغم محاولات التغييب المستميتة، وإهالة التراب على مفجرها.. وقد ثبت هذا الكلام عمليا، عندما نفض الشعب غبار الانفتاح السداح مداح، والذى عمق الهوة بأكثر مما كانت، قبل يوليو، بين طبقة المتنعمين والأغلبية الساحقة من الشعب المصرى، ثم عقود الفساد المصاحبة للانقلاب الاقتصادى فى السبعينيات. وعندما أطاحت ثورة يناير بنظام مبارك، قفزت على الحكم، جماعة الإخوان التى تربت فى حضن المخابرات البريطانية، ثم الأمريكية، لتنفيذ مشروع «الشرق الأوسط الجديد»، أى تفتيت الوطن العربى إلى دُويلات عرقية وطائفية!!! وهو ما كان يجرى بسرعة محمومة أمام ناظرينا، فخرج عشرات الملايين فى الثلاثين من يونيو، دفاعا عن وحدة الوطن وأراضيه، ترفع شعارات يوليو الثابتة: عيش حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية.. صحيح أنه من المستحيل أن تشرب نفس المياه من النهر الدائم الجريان، وصحيح أن شخص عبد الناصر فى رحاب الله، وأن مصر ولاَّدة، ولكن إذا كان هذا الشق هو المتغير فى ثورة يوليو، فإن الثابت، هو مبادئها، غير القابلة للتقادم أو التنازل.. فالحرية والعيش والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، مبادئ خالدة وهو ما يؤكد أنها ستظل الأمل والهدف، إلى يوم الدين.