قد تشغلك نتيجة مباراة الأهلى والزمالك عن السؤال الأهم الذى لا أعتقد أن أحدًا وجّهه بعد، وهو: مَن سيحاسب على فاتورة قلّة الأدب فى لقاء القمة اليوم؟ دعونا نسمّى الأمور بمسمياتها حتى لو أدّى ذلك إلى سبّنا بأمهاتنا أو الخوض فى أعراضنا، لأن ما حدث قبل لقاء القمة لا يخرج عن كونه قلة أدب حقيقية فى مجتمع أصبح يشجّع قلة الأدب، لكنه يشتكى من فواتيرها، ودولة أصبحت ترعى قلة الأدب، ثم تدفع ثمنًا باهظًا. مباراة معروف موعدها قبل شهور، لكن أزمة اختيار الملعب تعيد صورة الإدارة الفاشلة لاتحاد كرة القدم المصرى، إضافة إلى الإخفاق فى «إدارة الأزمة» نفسها، لتكون «الدولة» ممثَّلة فى «الحكومة» هى المسؤولة عن التدخُّل، ويدفع «الأمن» ثمن إخفاق الإدارة فى إطفاء حريق ليس له أى لزوم. ثم أجواء مشحونة من الألتراس الذى ندافع عنه وعن حقّه فى التشجيع والوجود فى المدرج، لكنه يأبى إلى أن يضع «التاتش بتاعه» فى آخر تدريبات النادى الأهلى، لتكون المحصلة أن شتيمته وسبابه أكثر من تشجيعه، كأن قلة الأدب هى العُملة المطلوبة. ثم رئيس نادٍ منفلت، لا يردعه أحد، ولا يقف أمامه قانون، تشجّعه «دولة» رخوة، قد ترضَى أحيانًا عن أسلوبه حين يهاجم خصومها، أو تؤجّل المواجهة معه، لأنه يفيدها بشكل أو بآخر، أو لأنها «أضعف» من مواجهته، وهو يشتم هذا ويسب ذاك على الهواء مباشرة فى أكثر من برنامج طيلة سنوات، لم يفعَّل فيها عديد من البلاغات ضده، وحين تفعَّل، يجب أن تسأل أصحاب الدعاوى: لماذا يتصالحون فى النهاية؟ وأى ثمن يدفعون لقاء التصالح؟ بل أى ثمن ندفعه نحن؟ ثم إعلام منحطّ، يصنع مما يمثله هذا الرجل من قيم وأساليب، نجومية للابتذال، بحثًا عن «حلقة سُخنة» تجذب أنظار الناس، وتخلق جوًّا من الشحن الذى سيؤدّى بنا إلى التهلكة. كل مقادير الفشل والانحطاط وقلة الأدب السابقة تجعلنى أعيد السؤال: مَن سيدفع فاتورة قلة الأدب؟ تخيّل نتيجة مباراة اليوم وأخبرنى عن رد الفعل بعدها.. لو فاز الزمالك على الأهلى سيحصل على الدورى وسيفرح الزملكاوية، لكن الرعب، كل الرعب، من مجموعة من الموتورين على الجانب الآخر، سيعتبرون الأمر مهينًا لكرامتهم، ليتحوَّل الأمر إلى خصومة شخصية مع رئيس الزمالك، الذى نخشى، رغم كل شىء، ورغم كل ما يفعله، على حياته، من أن يكون ضحية عمل أرعن أهوج أحمق هو أو أىٍّ من أفراد عائلته. ولو فاز الأهلى على الزمالك، فالخوف، كل الخوف، من احتفالات قد تشهد تشفِّيًا ومزيدًا من الشتائم، وربما يسقط فيها ضحايا جدد فى مسلسل الدم المصرى الرخيص. ولو تعادل الطرفان سيحصل الزمالك أيضًا على الدورى، لكن فاتورة قلة الأدب سندفعها نحن بعد أن تحوّل الأمر إلى سباب مباشر من رئيس نادٍ جماهيرى كبير لرئيس نادى القرن. سيناريوهات كابوسية لا تنتهى، وكلها بسبب قلة الأدب وفاتورتها التى سنحاسب عليها جميعًا، وترفض الدولة «ردعها» رغم أنها تستطيع «شد الفيشة» عن كل ما هو منحط وسافل ومقزز فى حياتنا، وينتقل عبر الملاعب أو الشاشات أو المواقع والصحف، لكن يبدو أن الأمر لا يعنى الدولة، التى لا تتحرَّك إلا بعد وقوع الكوارث. أتمنى أن تنتهى قمة اليوم على خير أيًّا كانت النتيجة، وأن لا يتكرر وجود ضحايا بزعم حب النادى الذى «عشانه أموت» كما فى عقيدة البعض، ورغم أن المباراة دون جمهور، فإن أى احتفالات بعد المباراة نتمناها بعيدًا عن أى «تعصُّب» أو قلة أدب. أتمنى أن يعتذر رئيس الزمالك رسميًّا عما بدر منه، اعتذارًا حقيقيًّا ينزع به فتيل عديد من الأزمات، فما أسهل السب والشتم، وما أفضل أن نتّقى الله فى بلدنا. أتمنى أن يكفّ الإعلام عن استضافة الشتامين والسبابين، وأن تستيقظ الدولة من نومها قبل الكارثة وليس بعدها. أتمنى أن تعود أيام «المتعة» الحقيقية، وقت كانت مباراة القمة عيدًا حقيقيًّا للكرة المصرية، كبيرها «إفيهات» بين أصحاب بعد النتيجة يضحك عليها الجميع وليس خوفًا من دماء جديدة. أخيرًا.. أتمنى أن يخيّب الله ظنّى فى كل السيناريوهات الكابوسية السابقة، وأن يحاسَب على فاتورة قلة الأدب أصحابها فقط، وليس مصر بأكملها. ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد.