بورسعيد المدينة الباسلة، التى تشهد واحدة من أسوأ أزماتها فى العصر الحديث، سياسيا واجتماعيا وأمنيا، تتواصل جراحها وآلامها على المستوى الاقتصادى، إذ إن نزيف الخسائر الذى تتعرض له جراء الأحداث الأخيرة، يصل بها إلى حافة الهاوية والكارثة المحققة. فبنظرة عابرة على ما تمثله هذه المحافظة من ركيزة أساسية للاقتصاد المصرى المحتضَر، فإن استمرار الأحداث فى بورسعيد على وتيرتها المشتعلة، بدءًا من حظر التجول ومرورا بالعصيان المدنى وانتهاء بالعنف الأمنى، يوحى بجهل حكومى وإخوانى منقطع النظير بالأهمية الاقتصادية للمحافظة التى يرد إلى مينائها ما يتراوح بين 35% و40% من إجمالى الواردات الخارجية، وفقا لمحمد المصرى رئيس الغرفة التجارية ببورسعيد. المصرى أوضح أن ما تعانيه بورسعيد حاليا أمر يؤدى بالتبعية إلى عدم وصول البضائع لمخازنها التجارية ومنافذ توزيعها فى المواعيد المقررة، مما يزيد تكلفة هذه البضائع، نتيجة ما تتحملة الشركات المستوردة من غرامات تأخير لتكون المحصلة النهائية ارتفاعا فى الأسعار. المصرى أشار إلى أن الأهمية الاقتصادية لبورسعيد لا تقتصر على ما تحمله السفن إليها من بضائع، وإنما تمتد إلى كونها تمثل أكبر منفذ لصادرات الملابس فى الجمهورية، من خلال المنطقة الحرة، وفى ظل تواصل الأحداث على هذا النحو من السوء يدفع نحو مزيد من تأخر وصول الصادرات، ومن ثَم إلى ارتفاع التكلفة، مما تنعدم معه تنافسية الصادرات المصرية فى الخارج. إضافة إلى ما سبق، يقول المصرى، فإن بورسعيد تمثل ثالث أهم محافظة اقتصاديا فى مصر، بعد القاهرة والإسكندرية، بسبب وجود واحد من أهم الموانى فى مصر فيها هو ميناء بورسعيد، الذى يقع على المدخل الشمالى لقناة السويس، أكبر ممر ملاحى عالمى، كما يعتبر أكبر «ميناء عبور» فى العالم، نظرا إلى موقعه على قناة السويس، وتبلغ مساحة الميناء 3 كيلومترات مربعة، وتبلغ طاقته الاستيعابية القصوى 12.175 مليون طن سنويا، بالإضافة إلى أنه يعمل لمدة 24 ساعة يوميا، لافتا إلى أن النشاط السياحى الوارد إلى بورسعيد متوقف تماما منذ بدء الأحداث وهو ما يكبد الاقتصاد المصرى مزيدا من خسائر العملة الصعبة فى الوقت الذى يتراجع فيه احتياطى النقد الأجنبى باستمرار، مؤكدا أن ما تدره بورسعيد من عملة صعبة لا يقتصر على الحركة السياحية الواردة إلى المحافظة، وإنما يمتد إلى دخلها من خدمات الشحن والتفريغ والترانزيت للسفن. فى الوقت ذاته، رصد محمود فؤاد الأمين العام لائتلاف تجار بورسعيد ما تكبدته المنطقة الصناعية فقط كأحد أهم المعالم الاقتصادية بالمحافظة من خسائر على نحو تقديرى ب100 مليون دولار خلال الفترة الماضية، مرشحة للزيادة المستقبلية حال استمرار الأحداث فى ظل الانهيار المؤسسى الذى تعانى منه الدولة على كل المستويات. فؤاد أشار إلى تقديرات أولية بخسارة نحو 80 ألف تاجر (إجمالى عدد التجار بالمحافظة ) بقيمة إجمالية بلغت 300 مليون دولار للموسم الحالى، ناتجة عن توقف حركة التجارة البينية بين بورسعيد وباقى محافظات الجمهورية. وأضاف فؤاد أن بورسعيد محافظة تحيا خارج الدولة، إن وجدت، مشيرا إلى الجهل الحكومى بما تمثله المحافظة للاقتصاد المصرى وحركة التجارة الداخلية والخارجية، مشددا على أن أهمية بورسعيد الاقتصادية كفيلة بإجبار أعتى الأنظمة، حال وعيها بتلك الأهمية، لوضع الحلول السياسية للمحافظة على القيمة الاقتصادية لهذه المدينة.