عيار 21 بعد التراجع الأخير.. أسعار الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم الجمعة في الصاغة    27 جنيها للكيلو.. وقف صرف السكر الحر الإضافي ببطاقات التموين    تدمير 3 طائرات مسيّرة أطلقها الحوثيون من اليمن    تعيين رئيس جديد لشعبة الاستخبارات العسكرية في إسرائيل    أيمن سلامة ل«الشاهد»: القصف في يونيو 1967 دمر واجهات المستشفى القبطي    خبير تحكيمي: ركلة جزاء الزمالك صحيحة.. وطرد مهاجم البنك الأهلي قرار خاطئ    جمال علام: لا توجد أي خلافات بين حسام حسن وأي لاعب في المنتخب    سر جملة مستفزة أشعلت الخلاف بين صلاح وكلوب.. 15 دقيقة غضب في مباراة ليفربول    العثور على جثة سيدة مسنة بأرض زراعية في الفيوم    مصطفى كامل ينشر صورا لعقد قران ابنته فرح: اللهم أنعم عليهما بالذرية الصالحة    أحكام بالسجن المشدد .. «الجنايات» تضع النهاية لتجار الأعضاء البشرية    فلسطين.. وصول إصابات إلى مستشفى الكويت جراء استهداف الاحتلال منزل بحي تل السلطان    رسميًّا.. موعد صرف معاش تكافل وكرامة لشهر مايو 2024    عز يعود للارتفاع.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    انقطاع المياه بمدينة طما في سوهاج للقيام بأعمال الصيانة | اليوم    أحمد شوبير منفعلا: «اللي بيحصل مع الأهلي شيء عجيب ومريب»    السفير سامح أبو العينين مساعداً لوزير الخارجية للشؤون الأمريكية    الأرصاد تكشف أهم الظواهر المتوقعة على جميع أنحاء الجمهورية    نكشف ماذا حدث فى جريمة طفل شبرا الخيمة؟.. لماذا تدخل الإنتربول؟    قتل.. ذبح.. تعذيب..«إبليس» يدير «الدارك ويب» وكر لأبشع الجرائم    برلماني: إطلاق اسم السيسي على أحد مدن سيناء رسالة تؤكد أهمية البقعة الغالية    جناح ضيف الشرف يناقش إسهام الأصوات النسائية المصرية في الرواية العربية بمعرض أبو ظبي    فريدة سيف النصر توجه رسالة بعد تجاهل اسمها في اللقاءات التليفزيونية    فريق علمي يعيد إحياء وجه ورأس امرأة ماتت منذ 75 ألف سنة (صور)    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدده    معهد التغذية ينصح بوضع الرنجة والأسماك المملحة في الفريزر قبل الأكل، ما السبب؟    "عيدنا عيدكم".. مبادرة شبابية لتوزيع اللحوم مجاناً على الأقباط بأسيوط    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    ضم النني وعودة حمدي فتحي.. مفاجآت مدوية في خريطة صفقات الأهلي الصيفية    اليوم.. الأوقاف تفتتح 19 مسجداً بالمحافظات    سفير الكويت: مصر شهدت قفزة كبيرة في الإصلاحات والقوانين الاقتصادية والبنية التحتية    موعد جنازة «عروس كفر الشيخ» ضحية انقلاب سيارة زفافها في البحيرة    جامعة فرنسية تغلق فرعها الرئيسي في باريس تضامناً مع فلسطين    ليفركوزن يتفوق على روما ويضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي    طبيب الزمالك: شلبي والزناري لن يلحقا بذهاب نهائي الكونفدرالية    الغانم : البيان المصري الكويتي المشترك وضع أسسا للتعاون المستقبلي بين البلدين    رسائل تهنئة شم النسيم 2024    الحمار «جاك» يفوز بمسابقة الحمير بإحدى قرى الفيوم    شايفنى طيار ..محمد أحمد ماهر: أبويا كان شبه هيقاطعنى عشان الفن    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    مجلس الوزراء: الأيام القادمة ستشهد مزيد من الانخفاض في الأسعار    حسام موافي يكشف سبب الهجوم عليه: أنا حزين    بعد تصدره التريند.. حسام موافي يعلن اسم الشخص الذي يقبل يده دائما    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    مباراة مثيرة|رد فعل خالد الغندور بعد خسارة الأهلى كأس مصر لكرة السلة    بطريقة سهلة.. طريقة تحضير شوربة الشوفان    تركيا تفرض حظرًا تجاريًا على إسرائيل وتعلن وقف حركة الصادرات والواردات    مدير مشروعات ب"ابدأ": الإصدار الأول لصندوق الاستثمار الصناعى 2.5 مليار جنيه    القصة الكاملة لتغريم مرتضى منصور 400 ألف جنيه لصالح محامي الأهلي    «يا خفي اللطف ادركني بلطفك الخفي».. دعاء يوم الجمعة لفك الكرب وتيسير الأمور    صحة الإسماعيلية تختتم دورة تدريبية ل 75 صيدليا بالمستشفيات (صور)    أستاذ بالأزهر يعلق على صورة الدكتور حسام موافي: تصرف غريب وهذه هي الحقيقة    بالفيديو.. خالد الجندي يهنئ عمال مصر: "العمل شرط لدخول الجنة"    محافظ جنوب سيناء ووزير الأوقاف يبحثان خطة إحلال وتجديد مسجد المنشية بطور سيناء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حلمى النمنم يكتب:البنا دافع عن الجزية ووصفها ب«المرحمة»
نشر في التحرير يوم 27 - 02 - 2013

خطابات البنا كانت تثير قلق غير المسلمين.. وتجعلهم يشعرون بأنهم غير آمنين على دينهم وعقيدتهم
بين كل أعمال العنف والاغتيالات التى نفذها التنظيم الخاص لجماعة الإخوان المسلمين فى الأربعينيات، تستحق عملية اغتيال أحمد ماهر رئيس الوزراء التوقف أمامها، فهى عملية كاشفة لكثير من العمليات الإرهابية الأخرى ولطبيعة ذلك التنظيم الخاص، فضلا عن فكرة العنف لدى حسن البنا وفى فكره.
تم اغتيال د. أحمد ماهر (باشا) رئيس الوزراء فى بهو مبنى البرلمان (مجلس الشعب حاليا) يوم 25 فبراير سنة 1945م بعد أن انتهى من إلقاء كلمته فى جلسة سرية لمجلس النواب، ليقنع الأعضاء بما اتفقت عليه الحكومة من إعلان الحرب على اليابان، أى على دول المحور بزعامة ألمانيا الهتلرية.. وكانت الحكومة المصرية قد تلقت من الإدارة الأمريكية أن دول الحلفاء الخمس، وهى: إنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا والصين، سوف تعقد فى 25 أبريل من نفس السنة اجتماعًا فى «سان فرانسيسكو» لإنشاء منظمة دولية جديدة خلفًا لمنظمة «عصبة الأمم» التى كانت تأسست فى أعقاب الحرب العالمية الأولى، وأن الخبراء القانونيين بالدول الخمس وضعوا أسس الاشتراك فى هذه المنظمة، ومن بينها أن تكون الدول الراغبة فى الاشتراك بها أعلنت الحرب على خصوم الحلفاء قبل أول مارس سنة 1945م، فكانت تلك فترة العسل بين كل من ستالين وتشرشل وروزفلت.
«يحملون غيرهم» المقصود بها غير المسلمين، ويحملونهم بمعنى يدفعونهم دفعا أو يضغطون عليهم ضغطا وغير ذلك. وهذا لا بد أن يثير قلق غير المسلم، ويجعله يشعر بأنه غير آمن على دينه وعقيدته. ثم يجعله يتساءل عن مكانه داخل «الوطن الإسلامى»، خصوصا أن حسن البنا كرر هذه المعانى مرات أخرى، وراح يحذر من «الوطنية» بالمعنى الذى طرحت به فى عصره، فقد راح يتحدث فى رسالته «نحو النور» عن المبررات التى اتخذها بعض الذين سلكوا سبيل الغربيين، أنهم أخذوا يشهرون بمسلك رجال الدين المسلمين من حيث موقفهم المناوئ للنهضة الوطنية.. ثم يقول «تلك إذن مزاعم لا يجب أن تتخذ ذريعة لتحويل الأمة عن دينها باسم الوطنية المجردة». أى أن الحديث عن الوطنية المجردة، هو ذريعة وهدف لتحويل الأمة عن الدين، باختصار الوطنية عند حسن البنا تساوى اللا دين، أو التحول عن الدين الإسلامى.. والمعنى أنه لا يمكن الجمع بين الوطنية والدين، وإذا كانت الوطنية تعنى اللا دين، فهل نستنتج أن الدين والتدين يعنى اللا وطنية أو خيانة الوطن؟!
ويستعمل حسن البنا مصطلحات ومفاهيم لم يعد لها مدلول ولا ذات معنى فى الدول المدنية والوطنية الحديثة، يتحدث إلى الشباب مرة عن مفاخر الإسلام فيقول «.. كما أوصى بإنصاف الذميين وحسن معاملتهم -لهم مالنا وعليهم ما علينا- نعلم كل هذا فلا ندعو إلى فرقة عنصرية ولا عصبية طائفية، ولكننا إلى جانب هذا لا نشترى هذه الوحدة بإيماننا ولا نساوم فى سبيلها على عقيدتنا ولا نهدر من أجلها مصالح المسلمين».
وهنا أيضا يثور التساؤل هل الوحدة بين عناصر الأمة وانتهاء العصبية الطائفية يؤدى أو يعنى المساومة على العقيدة الإسلامية والإيمان؟ وهل أدت تلك الوحدة -من قبل- إلى إهدار مصالح المسلمين؟ وماذا يعنى ذلك؟ ألا يحمل فى ثناياه تعريضا بتجربة ونموذج ثورة 1919؟ ففيها كانت الوحدة بين عنصرى الأمة، وتحققت تجربة رائعة فى الوئام والوحدة الوطنية، فهل تم ذلك بالمساومة على إيمان الأمة أو حدث بالتحول عن الدين الإسلامى؟! بالتأكيد لا.
وفى نوفمبر 1947م يتحدث حسن البنا إلى أنصاره ومريديه عن «الجزية»، مدافعا عنها ومحبذا إياها، فيصفها بأنها «أبلغ معانى الإنصاف والمرحمة التى جاء بها الإسلام» ويشرح باستفاضة معنى الكلمة وتاريخ ظهورها، ثم يقول «وإنما سلك الإسلام هذه السبيل ولجأ إليها مع غير المسلمين من باب التخفيف عليهم والرحمة بهم وعدم الإحراج لهم حتى لا يلزمهم أن يقاتلوا فى صفوف المسلمين، فيتهم بأنه إنما يريد لهم الموت والاستئصال والفناء والتعريض لمخاطر الحرب والقتال، فهى فى الحقيقة (امتياز فى صورة ضريبة) وفى الوقت نفسه احتياط لتنقية صفوف المجاهدين من غير ذى العقيدة الصحيحة والحماسة المؤمنة البصيرة».
ورغم غرابة التفسير الذى يطرحه، أو التشكيك فى عقيدة غير المسلم، فإن هذا يمكن أن نلتمس له بعض العذر أو يمكن تفهمه لو أننا بإزاء باحث يحاول أن يعد دراسة فقهية أو يعد دراسة تاريخية حول «الجزية» والمراحل المختلفة لتطبيقها، ومع ذلك سوف نلاحظ أن حسن البنا يتجاهل، وربما يجهل، أن صلاح الدين الأيوبى أسقط الجزية عن أقباط مصر فى أثناء الحروب الصليبية، نظرا إلى أن الأقباط تقدموا للدفاع عن مصر وحمايتها من الحملات الأوروبية، ولم يشكك صلاح الدين فى عقيدة غير المسلمين (المسيحيين)، كما لم يشك فى وطنيتهم، وسوف نلاحظ أن أحدا لم يتهم صلاح الدين بأنه يريد أن تتم إبادة الأقباط فى الحرب، هو لم يدفع بهم، بل هم الذين تقدموا، وانتهت هذه الحملات على النحو المعروف بهزيمة الصليبيين ورجوعهم إلى بلادهم، ولم يهتز الإسلام فى مصر سواء بسبب مشاركة الأقباط فى القتال والجهاد ولم ينهر اقتصاد الدولة الأيوبية بسبب إسقاط الجزية عن الأقباط.. وبغض النظر عن هذا كله، فإن الذى يقول هذا الكلام ليس باحثا أكاديميا ولا يلقيه فى مدرج جامعى، بل هو زعيم أو مرشد له أنصار وأتباع فى الشارع، وهؤلاء الأتباع بينهم من يمارس العنف تجاه الآخرين، كان أنصاره قد اغتالوا من قبل أحمد ماهر، وفى نوفمبر 1947م حين تحدث عن الجزية كان قرار التقسيم قد صدر، مما هيج المشاعر الدينية وأربك العلاقة بين المسلمين واليهود فى مصر وفى معظم بلاد المنطقة، لكن قبل قرار التقسيم، كانت قد جرت واقعة خطيرة فى مارس 1947م، حيث تم إحراق كنيسة فى الزقازيق، إثر شائعة انتشرت فى المدينة عن قيام شاب مسلم بالتحول عن دينه إلى المسيحية وأن الكنيسة كانت خلف هذا التحول، وكان ذلك العمل يأتى على النقيض من الروح التى أحدثتها ثورة 1919م فى العلاقة بين المسلمين والأقباط، وكان إحراق الكنيسة عملا مفاجئا للكثيرين، ومخيفا بالتأكيد للأقباط، خصوصا أن رجال الأمن فى مدينة الزقازيق لم يعثروا على متهم فى حادثة الإحراق، ولم يكن هناك مجرم بعينه، لكن المتابعين لهذا الشأن اتهموا مباشرة حسن البنا، واعتبر خطابه وحديثه عن الجزية وعن الذميين وأهل الكتاب خطابا تحريضيا بشكل مباشر ضد غير المسلمين، خصوصا المسيحيين واليهود، وجاءت أحداث العنف سنة 1948م ضد المنشآت اليهودية لتؤكد هذا الشك، فقد كان رجال البنا وراء هذه الأعمال، وكانوا يتفاخرون بها، ولكن تداخلت هذه الأعمال مع حالة الاحتقان العامة لتقسيم فلسطين وإنشاء دولة إسرائيل وهزيمة الجيوش العربية فى حرب 1948م، مع وجود ثقافة لم تميز كثيرا بين اليهود واليهودية من جانب والصهيونية وإسرائىل من جانب آخر، لكن بالنسبة إلى الأقباط كان الأمر مختلفا، وكان القلق باديا مما يقوم به حسن البنا من إثارة الاحتقان الطائفى، وضح ذلك فى مقالات سلامة موسى والقمص سرجيوس.
■ ■ ■
كان لدى سلامة موسى موقفا مضادا من حسن البنا وجماعته، فهو من دعاة فصل الدين عن الدولة، وكان البنا يريد العكس تماما؛ لذا تعددت انتقادات سلامة موسى للبنا، ولكن كان جانب من هذه الانتقادات يتعلق بما يمكن أن نسميه «الموقف الطائفى» الذى رآه سلامة موسى فى دعوة وأفكار حسن البنا، ونشر سلامة موسى هذه المقالات فى جريدة «مصر»، وفى جريدة «الشعلة»، لسان الوفد الأسبوعى.
جرت حادثة إحراق كنيسة الزقازيق فى عهد وزارة محمود فهمى النقراشى سنة 1947م، وكان النقراشى متهما من بعض القوى السياسية والحزبية أنه «يدلل» حسن البنا والإخوان، وقد وجدها سلامة موسى فرصة ليصب غضبه على النقراشى جراء ما حدث، فيكتب بالشعلة، فى باب «من أسبوع لأسبوع» عدد 11 أبريل سنة 1947م تحت عنوان «حادثة الزقازيق».
قال سلامة موسى فى مقاله «يومان فى تاريخ النقراشى باشا هما أشأم الأيام فى تاريخ مصر، ويومان فى تاريخ الوزارة النقراشية هما يوما النحس ونذيرا الهوان لمستقبل هذا الوطن المتعوس بأبنائه، اليوم الأول هو يوم 4 أكتوبر حين هجم الإخوان المسلمون وغوغاؤهم على المتاجر اليهودية ونهبوا ودخلوا الكنيس وحطموا كراسيه وداسوا الكتب المقدسة فيه وكانت هذه الحادثة فى 1945م فى وزارة النقراشى».
واقعة سنة 1945م التى يتحدث عنها سلامة موسى بخصوص الاعتداد على المتاجر اليهودية، سقطت من الذاكرة التاريخية، لا يشير إليها أحد، وكأنها لم تحدث، ويفسر التوقف -فقط- عند الاعتداءات التى قام بها الإخوان تجاه اليهود المصريين سنة 1948م، أى فى أعقاب قيام إسرائىل، لكن واقعة 1945م تكشف أن هناك موقفا طائفيا وعدائيا من الجماعة تجاه اليهود المصريين، حتى قبل اشتعال أزمة فلسطين.
وينتقل سلامة موسى إلى الواقعة الطازجة، التى جرت وقت كتابة المقال أو بسببها كتب مقاله يقول «اليوم الثانى هو يوم 27 مارس الماضى حين هجم الإخوان المسلمون وغوغاؤهم أيضا على كنيسة الأقباط فى الزقازيق، فضربوا سيدات الأقباط وطاردوهم ثم حطموا الكراسى وكسروا النوافذ. وحملوا الكتب المقدسة وداسوها ومزقوها وهدموا سور الكنيسة وفرت النساء وكلنا يعرف ماذا يحدث حين تفر النساء وخلفهن غوغاء من الإخوان المسلمين»، ثم يقول سلامة موسى «وحادثة الزقازيق يجب أن تنشر تفاصيله وتعين أسبابه لجمهور المسلمين المتدينين قبل جمهور الأقباط المتدينين، حتى يعملوا جميعا على محو التوحش والخسة والنذالة».
■ ■ ■
ويندد سلامة موسى بحكومة النقراشى قائلا «الإخوان المسلمون دعاة الماضى الذين يهدمون الكنائس يجدون التشجيع. ولم يقبض على أحد منهم بعد هدم كنيسة الزقازيق». ثم يقول «الوزارة النقراشية ارتضت سلوكهم وأذنت لهم بإخراج جريدة يومية، فأصبح لهم نشاط يتزايد، بل يتفاقم كل يوم ونحن نقرأ عن (الجزية التى يجب أن يؤديها الأقباط)، فى إشارة إلى حديث حسن البنا السابق عن الجزية، ويتذكر سلامة موسى ويتألم «إنه لأسف يحزن الصدر، هذا الأسف الذى نحسه حين نذكر شبان المسلمين يخطبون فى سنة 1919م من فوق المنابر فى الكنائس وشبان الأقباط يخطبون من فوق المنابر فى المساجد، ثم نذكر ما انتهت إليه الحركة الوطنية التى يتسلط عليها الآن الدراويش الذىن يهدمون الكنائس وينهبون المتاجر ويطالبون بالجزية من اليهود والأقباط».
ورغم ما حدث هناك لمحة تفاؤل لدى سلامة موسى «إننا ما زلنا نرى بصيصا من النور فى أولئك الطلبة الجامعيين من المسلمين الذين شاركوا إخوانهم الأقباط فى سخطهم على حادثة الزقازيق واشمئزازهم من الإخوان المسلمين الذين قاموا به وحرضوا عليها».
لم تكن مقالات سلامة موسى حول حسن البنا كثيرة، هناك مقال له نشر فى «مصر»، عدد 2 أبريل 1948م، حمل عنوان «حزب حسن البنا وفضيحته» يقول فيه «ولم تكتف هذه الجماعة بإيجاد حزب سياسى ينهض على التفريق الدينى، بل عمدت إلى إيجاد هيئات اقتصادية أيضا تقوم على هذا التفريق. كما رأينا مثالا فى شركة تسمى المعاملات الإسلامية».
وينقل سلامة موسى فقرات كاملة من مقال كتبه أحمد حسين زعيم «مصر الفتاة»، ضد حسن البنا وجماعته، الفقرات بالغة القسوة والحدة نقرأ منها «فشعوذة الشيخ تأبى إلا أن تصور لأتباعه أنهم هم المسلمون حقا وأن بقية الناس كفار. وشعوذة الشيخ تأبى إلا أن تصور لغلمانه أنهم رهبان الليل وفرسان النهار وأنهم السابقون المقربون لدى الله. وشعوذة الشيخ ودجله يأبيان إلا أن تحدث الغلمان عن الحور العين..».
وينتقل أحمد حسين فى ما نقل سلامة موسى إلى الحديث عن جرائم الإخوان، فيقول «الإخوان المسلمون قد أصبحوا خطرا على أمن مصر وسلامها الداخلى والخارجى، وقد حان الوقت لوضع حد لهذه المهزلة وهذه السخرية، فقد طالت حتى باخت وتحولت إلى خطر داهم». ثم يعدد أحمد حسين مظاهر هذا الخطر، فيقول «لقد سمع الناس بمقتل الخازندار بك لأنه رجل عظيم شهير ولأنه أول رئىس محكمة فى كل تاريخ مصر يقتل بهذا الأسلوب الوحشى، ولكن هناك جريمة لا تقل هولا عن هذه الجريمة إلا من حيث شخصية المجنى عليه، ولم يسمع بها الناس أو سمعوها ولم يعيروها كل ما تستحق من الأهمية». ويحكى رئيس «مصر الفتاة»، الواقعة بتفاصيلها «منذ ثلاثة أسابيع فى مدينة كوم النور، ذهب نفر من مصر الفتاة ليؤلفوا شعبة فى كوم النور فما كان من الإخوان المسلمين إلا أن يجمعوا جموعهم ويقف فيهم الخطيب محدثا إياهم عن غزوة بدر وحرب المشركين وضرورة إبادة الكفار من وادى النيل، فينطلق هؤلاء المجرمون الحمقى وهم مسلحون فيقتلون أول من يصادفهم فى القرية وقد كان شابا فى ريعان الشباب لم يمض على زواجه عشرة أيام إلا وهو شهيد...».
ويواصل أحمد حسين فى ما ينقل عنه سلامة موسى بالقول «لو أن الجرائم التى يرتكبها الإخوان المسلمون كانت موجهة ضد أعداء البلاد من أى نوع كان، لالتمسنا لهم العذر ولكنها كلها موجهة إلى أبناء البلاد، أولم يأتك هذا النبأ عندما ألقى طلبة أغرار قنبلة فى مدرسة الزقازيق الثانوية فأصابت من أصابت من الطلاب». ثم يقول أحمد حسين «أولم يأتك نبأ حرقهم لكنيسة من الكنائس». موقف سلامة موسى من حسن البنا وجماعته يتضح أكثر فى مقال له بعنوان «تشجيع التحزب الدينى لمنع التطور السياسى» نشره فى كل من «الشعلة»، وفى «مصر» 4 يونيه 1947م. وفكرته الأساسية فى ذلك المقال أن «المستعمرون الأجانب والمستبدون الوطنيون» يشجعون الحركات الدينية، التى تهتم بالتمييز الدينى لا بمكافحة الفقر وبناء المدارس والجامعات وإقامة الديمقراطية والحياة الحزبية، وقد برع الإنجليز فى ذلك.. فعلوه فى الهند وفى مصر وفى فلسطين وفى السودان، يقول «يفرح الإنجليز لهذه الدعوة إلى التحزب الدينى حتى إنهم أجازوا للإخوان أن ينشئوا فرعا فى السودان وفلسطين وشرق الأردن. ويفرح أيضا المستبدون لهذه الدعوة لأن كل ما يحفظ للمستعمرين امتيازاتهم واحتكاراتهم يحفظ أيضا للمستبدين امتيازاتهم واحتكاراتهم».
*****
شخصية القمص سرجيوس تختلف كثيرا عن شخصية سلامة موسى.. القمص رجل دين فى المقام الأول، وهو أحد رموز ثورة 1919م، شارك فيها، وحضر عديدا من المؤتمرات فى الأزهر وغيره من المساجد الكبرى، وصعد منبر الأزهر يخطب مثيرا الحماس للثورة والمطالبة بالاستقلال، حتى إن هناك من أطلق عليه «خطيب الثورة». نحن إذن بإزاء رجل دين لديه اهتمام بالشأن الوطنى والشأن العام، هو كذلك كان متحمسا لما يؤمن به، وهذا ما جعله يدخل فى صراعات عديدة، وكان من الذين اصطدم بهم القمص سرجيوس، مرشد الإخوان حسن البنا، وكان البنا هو الذى بدأ الصدام، من المؤكد أنه كان لسرجيوس موقف من الإخوان، هو -بمعنى ما- ابن لثورة 1919م وأحد رموزها، وجاءت «الإخوان» من البداية تعلن العداء لحزب الوفد، وترفض مبدأ الوطنية المصرية داعية إلى دولة الخلافة الإسلامية، وكان ذلك مصدر قلق لدى كثيرين، خصوصا أبناء ثورة 1919م، وكان القمص سرجيوس واحدا من هؤلاء، والذى حدث أنه فى مطلع مايو 1947م دُعى سرجيوس من الجمعية القبطية الأرثوذكسية بمعسكر التل الكبير لإلقاء بعض العظات الدينية فى الكنيسة بالمعسكر، ولبى هو الدعوة يوم 7مايو، وزار الكنيسة وألقى عظاته، فإذا بجريدة الإخوان المسلمين تشن هجوما قاسيا على سرجيوس، وقد وجهت إليه عديدا من الكلمات والاتهامات القاسية، كتبها حسن البنا على النحو التالى «علمنا أن القمص سرجيوس يجتمع بمواطنينا الأقباط فى التل الكبير (....) وأن هذا الاجتماع يتم فى كنيسة داخل أحد المعسكرات البريطانية (...) فما وراء هذه الاجتماعات؟ وهل هناك تدبير مبيت للاعتداء على كنيسة أخرى مثل كنيسة الزقازيق؟» وتقول المجلة أيضا «إن إصبع المستعمر فى إثارة الفتنة بارز ملموس وإن كان للإنجليز أن يطبقوا سياستهم التى استعمروا بها العالم، وهى التفريق بين أبناء الوطن الواحد (....) فكيف يسمح رجل من رجال الدين لنفسه أن يكون مطية لأعداء الوطن والدين».
واتهام كهذا بالغ القسوة فى حق الرجل الذى عرف بعدائه للإنجليز، فقد كان فى بعثة كنسية للسودان وأعاده الإنجليز من هناك إلى مصر سنة 1915م إذ وجدوا أنه يحرض المواطنين عليهم، وفى أثناء ثورة 1919م نفوه إلى رفح فى فلسطين وفى خطبه فى أثناء الثورة كان شديد النقد والسخرية من الإنجليز، وإذا هو بعد ذلك يتهم من مرشد الجماعة أنه صار مطية للإنجليز، ولم يتوقف أمر الاتهامات عند هذا الحد، بل امتد الأمر إلى تحريض الجهات الرسمية عليه بضرورة «لفت نظر الحكومة لهذه المؤامرة الجديدة حتى تقضى على الفتنة فى مهدها، فما فى كل مرة تسلم الجرة».
ويحرض المرشد كذلك الأقباط عليه.. «الاتجاه إلى مواطنينا الأقباط ليتبرؤوا من هذا القمص وليثبتوا إخلاصهم للوطن الذى يجمعنا والذى يجب أن نفتديه بدمائنا وأموالنا».
أعاد القمص نشر ما نشرته عنه جريدة الإخوان، وبدأ فى الرد بجملة قاسية وموجعة تجاه حسن البنا نفسه وجماعته، وصلت ردوده إلى أكثر من عشرين مقالا، كان الأول منها بعنوان «الموت ولا حكم دولة عم حسن البنا» نشره فى مجلته التى كان يصدرها «المنارة المصرية»، المقال مطول، جاء فيه «ها نحن قد عشنا وشفنا ووقفنا مع الذين سبقونا ورددوا هذا القول لأننا ما كنا نحلم أو نتصور أنه فى القرن العشرين وفى عهد الدستور والديمقراطية والقنبلة الذرية يقوم فى مصر (...) هنا فى عروس الشرق وقدوته، يقوم عم حسن البنا يجمع حوله رهطا هم أعلم الناس بحقيقة أنفسهم يتطلعون إلى الحكم فى مصر وإخضاع البلاد وإذلال العباد، ولم يقفوا عند حد التطلع، بل أخذوا يعملون على الوصول إلى أغراضهم، فجيشوا جيوشا عرمرم وحشدوها فى كل بلد وفى كل مكان كما جمعوا من الأسلحة ما جمعوه، وها هم ينشرون إرهابهم فى البلاد وإن كانوا بدؤوا بالمسيحيين واليهود فحرقوا الكنائس وهجموا على الجمعيات وأقاموا المظاهرات..». ثم يقول «ولما استمرؤوا المرعى ولم يجدوا من يردعهم هجموا على رجال الحكومة فى مركز ههيا وضربوهم، لأنهم تصدوا لهم وأرادوا أن يمنعوهم عن المظاهرة لزفة مسيحى أكرهوه على الإسلام..»، ويتخيل سرجيوس النحاس باشا وهو يدعو المسلمين والمسيحيين واليهود ليتوجهوا بالدعاء إلى الله «خدها يا رب ما تحضرهاش حكم هذه الدولة قبل أن يحكم فيها زعيط ومعيط ونطاط الحيط. فالموت ولا حكم دولة عم حسن البنا». ويقدم القمص تبريرا لموقفه أو رأيه الأخير بالقول «نحن إذا قلنا هذا لا نفترى على عم حسن ورهطه، فهو ذا عم حسن ورهطه كانوا فى بادئ أمرهم من القوم الذين يحشدهم المرشحون لعضوية النواب والشيوخ ليعطوهم أصواتهم أو ليقوموا لهم بعمل الدعاية فى أوساطهم فلما تكرر حشدهم واستخدامهم لأغراض مماثلة داخلهم الغرور فقالوا فى أنفسهم: إذا كان الزعماء والشيوخ والنواب لا يصلون إلى كراسيهم إلا بواسطتنا فلماذا لا نأخذ نحن هذه المراكز لأنفسنا (...) ولماذا لا نكون نحن الإخوان نوابا وشيوخا ووزراء وكبيرنا رئيسا للوزراء؟» وتوالت مقالات القمص، كان عنوان أحدها -28 يونيه 1947م- «اليوم تدلل وغدا تذلل يا حسن البنا!». وفى 12يوليو كان عنوان مقاله «حسن البنا يخنق نفسه بيده». وردت جريدة الإخوان تدافع عن المرشد، وحاول البنا أن يدافع عن نفسه، ويبدو أنه لم يكن يتوقع حدة القمص، الذى بدا أنه متابع جيد لمسيرة البنا وجماعته ويدرك الكثير من الخبايا عن التوظيف السياسى الذى قامت به الحكومات المختلفة للجماعة، وفضلا عن ذلك كان القمص ينتقد بعمق كتابات ومقالات البنا، وأثبت القمص أن لديه إلماما واسعا بالثقافة الإسلامية وعلى دراية كاملة بالآيات القرآنية وأقوال كبار المفسرين حولها، فقد اتهمه أنه يقدم «تفسيرا ملتويا للقرآن الكريم»، وكان البنا يقدم «نظرات فى القرآن الكريم». وحاول أن يفسر الآيات القرآنية التى تتعلق بالمسيحيين وبأهل الكتاب، والحقيقة أنه لم يكن مفسرا ولا كان ملما بخبايا وأسرار علم التفسير، وكذلك كانت ثقافته المعاصرة محدودة؛ لذا راح يطلق أحكاما بالكفر على أهل الكتاب، مما أثار عليه ليس القمص سرجيوس فقط، بل آخرين غيره وكشف سرجيوس فى ردوده عن ثقافة واسعة وإحاطة بالثقافتين الإسلامية والمسيحية، فضلا عن إلمامه بالأفكار الحديثة، وهذا ما افتقده البنا، الذى أخاف غير المسلمين، وترصده سرجيوس بالبحث والرد، مفندا كل ما يقول به فى سلسلة أخرى من المقالات حملت عنوان «حسن البنا يحرص على قتال الأقليات».
وكان البنا قد توقف أمام الآية القرآنية الكريمة «قاتلوا الذين لا يؤمنون.... عن يد وهم صاغرون» (التوبة: 29) وجاء فى تفسير البنا لها «وقد وصفت الآية أهل الكتاب وهم فى عرف الإسلام اليهود والنصارى بثلاث صفات بأنهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر وبأنهم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله، وبأنهم لا يدينون دين الحق وذلك معلوم من سيرتهم وكتبهم..». وقال أيضا «وأهل الكتاب فيقاتلون كما يُقاتل المشركون تماما إذا اعتدوا على أرض الإسلام أو حالوا دون انتشار دعوته». وقال فى سياق آخر «وأما أهل الكتاب فقد ترخص الإسلام فى أمرهم وأجاز الاكتفاء بأخذ الجزية منهم، فمتى شهدوا بأدائها ورضوا بها فقد وجب أن يرفع عنهم السيف، ومثلهم فى ذلك المجوس والصابئون والمشركون من غير العرب والوثنيون كذلك فى أرجح الأقوال». وراح القمص يرد على هذه الآراء بعبارات غاية فى الانفعال والقسوة، فأطلق على حسن البنا «شيخ السوء» وبدلا من لقبه المرشد العام قال عنه «المفسد العام». والواقع أن الآية القرآنية الكريمة لم تدن «أهل الكتاب» عموما، لكن فئة منهم هم الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر.. ولذا راح سرجيوس يستشهد بأقوال مفسرين آخرين وبآيات أخرى من القرآن الكريم تشيد بأهل الكتاب وتنفى ما ذهب إليه البنا، وكان عدد من علماء الأزهر ومن هيئة كبار العلماء قد ردوا على البنا، واستشهد بهم سرجيوس «ولعل فى فتاوى حضرات علماء المسلمين التى نشرت ضده فى الصحف ما يجعل المسلمين فى بلاد الشرق أن يضربوا بأقوالك عرض الحائط (...) لا شك أصبحت غير ذى ثقة فى أمور الدين بعد أن اتخذت الدعوة إلى الخير وسيلة لارتكاب المحرمات وهو من أشد ما يمقته الدين، الأمر الذى فيه تسخير المظهر الدينى للحصول على الشهوات، وهو باب فى الوقت نفسه من أبواب إفساد الأخلاق، كما جاء عنك فى رأى فضيلة الأستاذ محمود شلتوت عضو هيئة كبار العلماء».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.