يقول د. جابر قميحة : نعم.. إنه تسامح حقيقي, ومودة صادقة.. ولكن بلا هوان, ولا تهاون, ولا تفريط في قيمة من القيم الدينية أو الوطنية.. فحينما رأى الإخوان أحد كبار رجال الدين المسيحي وهو القمص "سرجيوس" يتصرف بما يسيء إلى الدين والوطنية هاجموه بشدة في صحيفة (الإخوان), ومما جاء فيها (13/5/1947م): ".. علمنا أن القمص سرجيوس يجتمع بمواطنينا الأقباط في "التل الكبير", وأن هذا الاجتماع يتم في كنيسة داخل أحد المعسكرات البريطانية.. فماذا وراء هذه الاجتماعات؟ وهل هناك تدبير مبيَّت للاعتداء على كنيسة أخرى مثل كنيسة الزقازيق؟ إن إصبع المستعمر في إثارة الفتنة باديةٌ وملموسةٌ, وإن كان للإنجليز أن يطبقوا سياستهم التي استعمروا بها العالم- وهي التفريق بين أبناء الوطن- فكيف يسمح رجل من رجال الدين لنفسه أن يكون مطيةً لأعداء الوطن والدين..؟". ويتابع : يظهر أن "سرجيوس"- بتصرفاته هذه وبمقالات نشرَها ينال فيها من المرشد العام ودعوة الإخوان- قد أساء إلى شعور عقلاء المسيحيين, فكتب أحدهم- واسمه "أمين برسوم"- موجِّهًا خطابه للإخوان ومرشدهم: ".. إخواني في الوطن: مما يأسف له جميع الأقباط ما اطَّلعنا عليه من مقالات "القمص سرجيوس" المُخزية التي لا يصحُّ أن تصدر عن رجال الدين الأطهار الذين هم فخرنا وهي تسيء إلى المرشد العام للإخوان المسلمين.. إننا نستنكر تلك المقالات؛ لأننا نشعر بالأخوَّة التي بيننا, وبين إخواننا المسلمين؛ لأن الوطن للجميع, والدين للدَّيَّان..". وعندما اغتيل حسن البنا عام 1949، قرر البوليس السياسي "مباحث أمن الدولة" في ذلك الوقت، رجال الدولة وعوام الناس من السير في جنازته، وقصرها على النساء فقط، غير أن السياسي القبطي الكبيرالراحل مكرم عبيد، هو الوحيد من رجال الدولة الذي تحدى قرار الحظر، وشارك في تشيع جنازة البنا مع والد الأخير! هذه هي مصر قبل أن يستولي المتطرفون الأقباط على الكنيسة في مطلع سبعينيات القرن الماضي "العشرين"، وشرعوا في استفزاز شركائهم في الوطن والتحرش بهم وبدينهم وبحقوقهم كمواطنين مصريين، والتي بلغت حد تحريض القوى الدولية الكبرى واستعدائها على البلد، وتسيير المظاهرات أمام الكاتدرائيات والتهديد بالتصعيد والتدويل والاستغاثة بالعدو الإسرائيلي ل"إنقاذ" الأقباط من "اضطهاد" المسلمين والحال أن الكنيسة بطبعتها الحالية وضعت البلد كلها في مشكلة طائفية كبيرة وأساءت إلى صورتها أمام العالم، وتورط رجال تابعون لها في الداخل والخارج في استفزاز المشاعر العامة لإخوانهم المسلمين ولم يخجلوا من ترديد الأكاذيب والتخاريف عن هوية مصر المسيحية وأنها محتلة من العرب المسلمين واتهام كل وطني قبطي رافض لتورط كهنة وقساوسة ومثقفين أقباط في تزكية روح العداوة بين عنصري الأمه .. بأنه "عميل" للعرب والغزاة المحتلين لمصر! إن حماية البلد من هذا الهوس الطائفي المتطرف والممقوت، رحمة كبيرة ليس فقط للبلد المهددة بالحرائق الطائفية وإنما أيضا رحمة للأقباط الذين سحقهم هذا التيار الكنسي المتعجرف وغير الإنساني. [email protected]