«واهم» من يظن أن محمد مرسى يمكنه التخلى عن رئاسة الجمهورية.. و«غافل» من يتصور أن الاحتكام إلى صندوق الانتخابات سيبعد الإخوان المسلمين عن الحكم! الأمر لم يعد خيارا متاحا أمام مرسى، إذ بات ارتباطه بمنصبه، «قدريا» لا يمكنه الفكاك منه، فهو -قبل غيره- يعلم جيدا أن ابتعاده عن الكرسى، يعنى محاكمته وجماعته، على العديد من الجرائم السياسية والجنائية.. وما أكثرها! قطعا.. صورة مبارك، وهو ممدد على السرير داخل القفص لا تبارح خياله.. ولا شك أن قيادات جماعته وأهله وعشيرته، يرون أنفسهم وهم يرتدون الملابس «الزرقاء» على غرار رجال مبارك! بين النظام السابق والنظام الحالى تشابه كبير.. نفس الأسلوب، نفس الطريقة، نفس الجرائم.. لذا فإن الطريق واحد -وربما- المصير، أيضا، لن يختلف كثيرا. ولنتأمل معا المشاهد التالية: قتل المتظاهرين أمام الاتحادية، وغيرها من الميادين وفى محافظات (السويس وبورسعيد والإسكندرية).. اختطاف الناشطين وتعذيبهم.. تعرية المتظاهرات وإطلاق البلطجية للتحرش بهن.. تزوير الاستفتاء.. اتهام المعارضين بالعمالة.. البلاغات الكيدية ضدهم.. توجيه الصحافة القومية، ومحاصرة الإعلام الحر.. تعيين الأتباع والمحاسيب فى المناصب المهمة.. «التكويش» على مفاصل الدولة.. فضلا عن فتح الحدود أمام أعضاء حماس، دون حسيب أو رقيب، خصوصا أن هناك شكوكا لارتكاب عدد من أعضائها جرائم لصالح «التنظيم الدولى للجماعة»، وقياداته بمصر. ولو ثبت ذلك لأصبحت جريمة دولية. أضف إلى ذلك: تبادل التدريب العسكرى بين شباب الإخوان وشباب حماس فى غزة (الحارس الشخصى لخيرت الشاطر نموذجا).. والتعاون الوثيق مع أمريكا وإسرائيل.. فحتى الآن، ما زال الغاز يتدفق على تل أبيب بالأسعار الرخيصة التى حوكم بسببها مبارك، وحبس بجريرتها وزير البترول الأسبق سامح فهمى؟! جماعة الإخوان تدرك جيدا أن مصيرها مرهون بمدى استطاعتها الاستمرار فى الحكم.. وإذا سقطت فلن يرحمها أحد.. وستتم ملاحقة قادتها قضائيا فى الداخل، والخارج.. لذلك فإن الحل الوحيد أمامها هو السيطرة على البلد واحتلال مناصبها بكل الوسائل. والاحتكام إلى الصندوق -بالنسبة إلى الجماعة- وسيلة مضمونة ومجربة، واتت بنتائج ساحرة من قبل.. وإذا انقلب السحر على الساحر وباءت محاولات رشاوى المواطنين بالفشل، ولم تؤت الشعارات الدينية ثمارها، وكان الغضب الجماهيرى قويا، والفشل كبيرا -كما هو موجود حاليا- فإن تزوير الانتخابات للحصول على الأغلبية فى البرلمان أو على كرسى الرئاسة مرة أخرى -إذا أجريت انتخابات رئاسية مبكرة حسب بعض المطالبات- سيكون ضرورة تبيح المحظور.. فإن لم تستطع فالفوضى والدماء، هما الاحتمال الأقرب! وبالتالى، فالكلام عن الاحتكام إلى اختيارات رجل الشارع، وهم كبير.. لأن المنافسة الشريفة غير متوافرة، ولن يوافق الإخوان على شروط تؤدى إلى انتخابات نزيهة وشفافة، وسيرفضون الرقابة الدولية والإشراف القضائى الكامل. أما إذا أردت أن تعرف شكل المشهد، إذا ما فشلت الجماعة فى البقاء على سدة الحكم.. فعليك -فقط- أن تتذكر تهديدات الجماعة التى أطلقها عدد من قياداتها وقت انتخابات الرئاسة، إذ قالوا إن الدماء ستسيل والبلاد ستدمر إذا لم ينجح مرشحهم؟! مؤكد أن الأمر لم يكن هزلا، أو هزارا.. أو مجرد كلام للتهويش، إنما مخطط -حسب تقديرى- معد سلفا، وقابل للتنفيذ لو كان مرسى سقط. إذن.. لا تنحى ولا تنازل عن الحكم إلا لإخوانى آخر.. ولا انتخابات نزيهة إلا إذا جاءت بأغلبية إخوانية.. ولا تبادل للسلطة إلا بين الإخوان والإخوان! .. هذا أو الدماء؟! وحينها، سيكون هنالك أكثر من (بلعيد) مصرى.. وفتاوى التكفير موجودة وجاهزة.. وجلهم -تقريبا- بعيدون شكلا عن الإخوان، إذ يبدون كأنهم ينتمون إلى تنظيمات أخرى، لكنهم -للمفارقة- نفذوا مخططات تصب فى صالح الجماعة! وهنا أتساءل: أين ذهب حازم صلاح أبو إسماعيل وحركة (حازمون )؟!، أم أنهم أصبحوا الآن (كامنون)، بعد إن انتهى بنجاح حصارهم للمحكمة الدستورية ومدينة الإنتاج الإعلامى؟! ببساطة، يمكن أن نفهم من هذا أن (حازمون) يقضون، حاليا، فترة نقاهة (شرعية!) إلى أن يتم تكليفهم، بمهمة أخرى. ولعل جماعات أخرى «مماثلة» تنتظر دورها فى المشاركة.. وربما، هى جماعات غير معروفة -الآن- إعلاميا! إذن، ماذا نفعل؟ هل نظل نتكلم، ونتكلم، فقط أم أن علينا أن ننتبه لما قد يحدث فى المستقبل القريب؟! أتصور أن على المعارضة أن تنظم نفسها جيدا، وترتب أولوياتها، وتضع تصورات كاملة عن كل الاحتمالات.. ومن ثم تصر، ابتداء، على إجراء انتخابات «تحت رقابة دولية»، وبضمانات واضحة لتأكيد الشفافية.. أو مقاطعتها وفضحها داخليا وخارجيا، وعدم إعطائها شرعية لا تستحقها.. وفى المرحلة التالية، عليها إيجاد الوسيلة الملائمة، التى تكفل تداول السلطة بغير دماء، وإذا تأكدت من سيناريو الدم. ففى هذه الحالة.. أعتقد أن الأمر يحتاج إلى كشف المخططات، قبل تنفيذها، حتى تكون المسؤولية واضحة.. من يحمل السلاح، ومن سيقتل؟ كما علينا أن نعرف ماذا سنفعل عندما تنطلق أول رصاصة؟