ما السر فى ولع أوباما بالأخ مرسى؟ وعلى عكس اتجاه الكونجرس أو الرأى العام فى الولاياتالمتحدة، يظل أوباما هو الوحيد الذى يدافع عنه إلى الآن. قضايا الديمقراطية أو حقوق الإنسان أو التعذيب الممنهج الذى لا يستثنى الأطفال، أو قتل شباب الثورة تحت أسوار الاتحادية لا تعنيه كثيرا. المهم أن يلعب دور المخبر لحماية أمن إسرائيل، وأن ينفذ كل ما فى مصلحة الولاياتالمتحدة، وهو متعهد بذلك على طول الخط. يكفى أن يردد القادم عمال على بطال عبارة: السلام عليكم، حتى نتطوح أمامه -كالمجاذيب فى حلقات الذكر- ما علاقة هذا بولع أوباما بالأخ مرسى؟ إلى متى يستمر هذا الغرام؟ هل له أسباب أخرى لا نعلمها. البيوت أسرار. بما فى ذلك البيت الأبيض. السؤال هو: هل يبادله مرسى نفس المشاعر؟ لا أعتقد، فمرسى ليس من حقه أن يحب أو يكره إلا بتعليمات من مكتب الإرشاد. ولم أكن فى الحقيقة من الذين خالت عليهم التمثيلية. أوباما، ما هو إلا نوع من النيولوك الذى تقرر أن تجربه الولاياتالمتحدة، ليتوهم المجتمع الأمريكى أن شيئا ما على قدر من الأهمية يتغير، بالضبط كتسريحة الشعر المختلفة أو مداعبة الأطفال أثناء الزيارات الرسمية، أو كنبرة الصوت أو حركة اليدين والأصابع أو الجلوس إلى جوار السائق فى السيارة. لا توجد إشارة واحدة ضمن برنامج أوباما -الأول أو الثانى- إلى انتشال السود بالولاياتالمتحدة من الأوضاع البالغة القسوة التى يعيشونها. إنه يتحدث باعتباره رجلا أثبت على المستوى الفردى أحقيته بالقفز خارج أكواخ الزنوج البائسة، ليطفو هناك على السطح مع الذين يتحكمون فى مصير العالم. لا نية حتى لديه فى أن يتقدم -بوصفه أول رجل أسود يتربع على عرش البيت الأبيض- باعتذار تاريخى إلى ملايين الأفارقة الذين اقتيدوا مكبلين بالسلاسل -كالحيوانات- من مراعى كينيا أو السنغال، ليعملوا عبيدا فى مزارع القطن بلا أى حقوق. أما وقد حلت على الإخوان بركات الشيخ أوباما، فما الذى يمكن -يا هل ترى- أن يستجد؟ هل يتوقع كهنة الجماعة أن تمتنع الولاياتالمتحدة مثلا عن مد إسرائيل بالفسفور الأبيض الذى تستخدمه فى شواء اللحم البشرى على أنغام القنابل العنقودية؟ هل أرسلوا إلى العراق -بدلا من المارينز- ممرضات يعالجن ملايين الأطفال من آثار اليورانيوم المستنفد؟ انتظار الخلاص دائما عل يد الآخرين له معنى واحد: العجز التام عن الفعل. قال لنا السادات، بمناسبة الزيارة الفكاهية التى قام بها نيكسون إلى القاهرة منذ ما يقرب من أربعين عاما أننا سنصبح مثل أمريكا فى ظرف خمس سنوات على أسوأ الفروض، فهل هذا حقا هو ما جرى؟ نابليون بونابرت شخصيا، أقسم -ضمن المنشور الذى أصدره فور الاستيلاء على القلعة- أنه مسلم وموحد بالله، وأنه ما جاء إلا ليحررنا من المماليك الغلاظ القلب. الأطرف أنه كان حريصا -خلال أحاديثه المطولة مع مشايخ الأزهر- على الاستشهاد دائما بآيات من القرآن الكريم. الإسكندر الأكبر بجلالة قدره، صرح -ما أن وطأت قدماه أرض المحروسة- بأن رع هو إلهه المفضل، وأنه بيموت فى حاجة اسمها آمون، فإلى متى سنظل نبتلع الطعم المرة تلو الأخرى؟ لا شك أن أوباما يعد من أهم نقاط التحول داخليا فى أمريكا. أغلب الظن أنه النزوع الإنسانى الذى تأخر -بالمناسبة- كثيرا فى التعبير عن نفسه بالولاياتالمتحدة إلى إراحة الضمير دون الاضطرار إلى محاكمة أحد، أو -على الأقل- بغية التخلص قدر الإمكان من عقدة الذنب التاريخية تجاه الملونين. الفترات التى تتراكم فى سمائها سحب كثيفة من الفساد أو غياب القيم، غالبا ما تفجر الاحتياج الجماعى إلى التطهر، وهو ما حدث مثلا مع كارتر بعد سلسلة الفضائح التى ارتبطت بعهد نيكسون. هناك إذن ما يدفع إلى الاعتقاد بأن السياسات الكارثية لبوش قد أسهمت بنصيب الأسد فى نجاح أوباما، فضلا -بالطبع- عن تميز الرجل بقدرة خاصة على التواصل مع الجماهير. ربما لأنه يتحدث كراهب إصلاحى من أتباع مارتن لوثر أثناء قداس الأحد فى ثلاثينيات القرن الخامس عشر. الخطبة التى ألقاها من سنوات فى جامعة القاهرة التى أعدها جيش من مستشارى البيت الأبيض، جاءت كشكمجية ملأى بالحلى الكثيرة الزخارف التى تخطف أبصار البدائيين. البعض استقبلوا الزيارة بفرحة الصعلوك حين يتعطف عليه السلطان بنظرة خاطفة من طرف العين. الذين كانوا يتحينون الفرصة ليجاهروا بانبهارهم أمام كل ما هو أمريكى، على الرغم من مواقف الولاياتالمتحدة المعادية لحركات التحرر فى العالم، اصطفوا من يومها فى مظاهرة لا يطاردها الأمن المركزى، ليتسابق أفرادها إلى التغنى بجاذبية الطبعة الأمريكية من حسن البنا، مؤكدين أنه أسلم فى السر. هكذا أوحى الإخوان لأتباعهم الذين برمجوهم على السمع والطاعة. المستفيد الرئيسى من هذه العلاقة المريبة هو جماعة التطرف الإرهابى المتحالفة مع واشنطن. أما بخصوص الجرح العربى النازف المتمثل فى القضية الفلسطينية، فلقد أعلن هو عن مواقفه المنحازة تماما إلى إسرائيل من قبل حتى أن يستقر فى المكتب البيضاوى. وما يزال حتى هذه اللحظة يؤكد على معاداته لحق الشعوب التى تخضع إلى الاحتلال فى المقاومة. إنه نفس حل الدولتين الذى تفتقت عنه قريحة بوش. دولتان إحداهما منزوعة السلاح بالكامل تمزق أوصالها بؤر الاستيطان التى التهمت مئات القرى والضواحى، بينما الأخرى مدججة بالقنابل الذرية والدعم الأمريكى غير المحدود. الأخطر أنه يتكلم عن «تطلعات» الشعب الفلسطينى، لا حقوقه. هو يتحدث عما جرت العادة فى وسائل الإعلام الأمريكية على تسميته: «معاناة الفلسطينيين». لم يشر بكلمة واحدة إلى الدماء التى تراق على الأرصفة من بحيرة السد حتى مكتبة الإسكندرية، ولا أدان أبدا الاعتداء الصارخ على استقلال القضاء، أو محاصرة المحكمة الدستورية العليا أو مدينة الإعلام أو إغلاق القنوات، فضلا عن القوانين الفاشية الحمضانة التى يطبخها على عجل مجلس الشورى الملحق بمجلس شورى الجماعة. أوباما له كتاب عنوانه: أحلام أبى. فبأى حق -إذن- يتجاهل أحلام الملايين على امتداد مصر فى وطن بلا قتلة؟