شالله يا أوباما.. الوحيدون الذين لم يتمكنوا من إخفاء فرحتهم الهمجية بمناسبة فوزه لفترة رئاسية ثانية وأخيرة هم أعضاء الجماعة ومشتقاتها. ألم يكن هو من دعمهم -على طول الخط- ليستولوا على السلطة مقابل السهر على أمن إسرائيل، والالتزام بكامل المواد فى معاهدة السلام، وتحقيق المصالح الأمريكية بالمنطقة؟ المرشد وبطانته ومريدوه أصبحوا بصنعة لطافة أوباميين أكثر من الحزب الديمقراطى ذات نفسه. البعض ما زالوا يتذكرون النكتة التى أجمعت الصحف الأمريكية عندما فاز بالفترة الأولى على أنها الأكثر انتشارا فى الولاياتالمتحدة، منذ انتقال مفاتيح البيت الأبيض إلى الساكن الجديد. أكدت النكتة الغبية ذات الدلالة أن الفروق بين أوباما وبوش يقتصر معظمها على الشكل دون المضمون، فبدلا من رئيس جمهورية أشقر بوزيرة خارجية سوداء، أصبح لديهم رئيس جمهورية أسود ووزيرة خارجية شقراء. هذا هو كل ما فى الأمر، وبعيدا عن المزاج السقيم الذى يقف وراء هذه القفشة السمجة، فإن لحظة من التأمل لا بد أن تتمخض عنها -بالضرورة- قراءة أقل سطحية لما جرى. أوباما ما هو إلا نوع من النيولوك الذى تقرر أن تجربه الولاياتالمتحدة، ليتوهم المجتمع الأمريكى أن شيئا ما على قدر من الأهمية يتغير، بالضبط كنوع النظرة أو مداعبة الأطفال أثناء الزيارات الرسمية، وكنبرة الصوت أو طريقة الضحك أو المشى أو حركة اليدين والأصابع أو الجلوس إلى جوار السائق فى السيارة. ولم يُشِر أوباما ضمن برنامجيه الأول والثانى بكملة واحدة إلى انتشال السود بالولاياتالمتحدة من الأوضاع البالغة القسوة التى يعيشونها، إنه يتحدث باعتباره رجلا أثبت على المستوى الفردى أحقيته بالقفز خارج أكواخ الزنوج البائسة، ليطفو هناك على السطح مع الذين يتحكمون فى مصير العالم. لا نية حتى لديه فى أن يتقدم -بوصفه أول رجل أسود يتربع على عرش البيت الأبيض- باعتذار تاريخى إلى ملايين الأفارقة الذين اقتيدو مكبلين بالسلاسل -كالحيوانات- من مراعى كينيا أو السنغال، ليعملوا عبيدا فى مزارع القطن بلا أى حقوق. وقد حلّت علينا هنا فى قلب القاهرة بعد فوزه الأول مباشرة بركات الشيخ أوباما، فما الذى استجد؟ لا شىء، الإخوان وحدهم يستفيدون من بقائه فى البيت الأبيض، أما نحن فسنظل ندفع ثمنا باهظا بين أنياب الوحش الفاشى الذى يتستر خلف الدين، وعلى رأى المثل زغرطى ياللى مانتش غرمانة. انتظار الخلاص دائما على يد الآخرين له معنى واحد: العجز التام عن الفعل. قال لنا السادات إبان الزيارة الفكاهية التى قام بها نيكسون إلى القاهرة منذ أكثر من ثلاثين عاما إنه يعدنا بأحلام بطول مصر وعرضها، وإننا سنصبح مثل أمريكا فى ظرف خمس سنوات على أسوأ الفروض، فهل هذا حقا هو ما جرى؟ نابليون بونابارت شخصيا أقسم -ضمن المنشور الذى أصدره فور الاستيلاء على القلعة- أنه مسلم وموحد بالله، وأنه ما جاء إلا ليحررنا من المماليك. الأطرف أنه كان حريصا -خلال أحاديثه المطولة مع مشايخ الأزهر- على الاستشهاد دائما بآيات من القرآن الكريم. الإسكندر الأكبر بجلالة قدره صرح -ما إن وطئت قدماه أرض المحروسة- بأن رع هو إلهه المفضل، وأنه بيموت فى حاجة اسمها آمون، فإلى متى سنظل نبتلع الطعم المرة تلو الأخرى؟ لا شك أن أوباما هو من أهم نقاط التحول الشكلى فى أمريكا، الشكلى فقط، أغلب الظن أن السبب فى نجاحه هو النزوع الإنسانى الذى تأخر -بالمناسبة- كثيرا فى التعبير عن نفسه بالولاياتالمتحدة إلى إراحة الضمير دون الاضطرار إلى محاكمة أحد أو -على الأقل- بغية التخلص قدر الإمكان من عقدة الذنب التاريخية تجاه الملونين. الفترات التى تتراكم فى سمائها سحب كثيفة من الفساد أو غياب القيم غالبا ما تفجّر الاحتياج الجماعى إلى التطهر، وهو ما حدث مثلا مع كارتر بعد سلسلة الفضائح التى ارتبطت بعهد نيكسون، بالإضافة إلى أنه يتحدث كراهب إصلاحى من أتباع مارتن لوثر أثناء قداس الأحد فى عشرينيات القرن السادس عشر. خطبة جامعة القاهرة التى أعدها جيش من مستشارى البيت الأبيض جاءت كشكمجية ملأى بالحلى الكثيرة الزخارف التى تخطف أبصار البدائيين. البعض استقبلوا الزيارة بفرحة الصعلوك حين يتعطف عليه السلطان بنظرة خاطفة من طرف العين. الذين كانوا يتحينون الفرصة ليحصلوا على البركة من أمريكا على الرغم من مواقف الولاياتالمتحدة المعادية لحركات التحرر فى العالم يصطفون الآن فى مظاهرة لا تضربها مليشيات الإخوان، يتسابق أفرادها فى التغنى بجاذبية الطبعة السمراء من بابا نويل. المستفيد الرئيسى من هذه الزيارة هو جحافل التتار الجدد المتحالفين مع واشنطن. لا خلاف بين أوباما والجماعة حول قضية فلسطين، هم يعرفون مواقفه التى لا يعترضون عليها إلا فى الفضائيات. انحيازه إلى إسرائيل لا يخفى على أحد، بل إن حل الدولتين الذى تفتقت عنه قريحة بوش أصبح عند أوباما فى طى النسيان، الأخطر أنه يتكلم عن «تطلعات» الشعب الفلسطينى لا حقوقه، هو يتحدث عما جرت العادة فى وسائل الإعلام الأمريكية على تسميته بمعاناة الفلسطينيين، كما لو أنها ناتجة عن الزلازل أو الأعاصير، لكى لا يُدِين المسئول المباشر عن تفاقمها.. لا يشير أبدا إلى الجرائم اليومية ضد الفلسطينيين إلا بعبارة حق إسرائيل فى الدفاع عن أمنها، وعلى العرب أن يضحوا -بالنيابة عن المشردين- بحق العودة مقابل صك الغفران الممنوح من صاحب الغبطة الكردينال الأعظم. لماذا لا تكون سيناء المصرية هى الوطن البديل للشعب الفلسطينى؟ الدلائل كلها تثبت أن شيئا من هذا يجرى حاليا بالفعل، ولا أهمية بعد ذلك لبقاء الملايين الخمسة من اللاجئين فى المخيمات إلى الأبد بلا وطن. أوباما له كتاب عنوانه: أحلام أبى، فبأى حق -إذن- يتجاهل أحلام أطفالنا الذين ينامون فى الشوارع أو يكبرون بين المقابر أو العشوائيات ولا يلتفت إليهم الولاة الذين عيّنهم هو سلاطين لمصر؟