لا أعرف لماذا تجاهل الرئيس محمد مرسى الغارة التى شنتها الطائرات الإسرائيلية مساء الثلاثاء الماضى على أحد المراكز العلمية فى سوريا؟ لماذا لم يصدر بيان إدانة حتى اليوم فى الوقت الذى اعترض فيه على ضرب القوات الفرنسية لتنظيم القاعدة فى شمال مالى؟ هل الرئيس يخشى انتقاد العدو الصهيونى أم أنه يوافق على الغارة الإسرائيلية على دولة عربية شقيقة؟ هل الرئيس لا يعترف سوى بالمسلمين المتطرفين فكريا؟ هل المسلم فى مفهوم الرئيس هو الذى يتبنى الخطاب التكفيرى الجهادى الدموى فقط؟ يوم الثلاثاء الماضى قامت الطائرات الإسرائيلية بقصف أحد المراكز العلمية فى منطقة جمرايا بريف دمشق شرق العاصمة السورية، وقالت سوريا إن الغارة الإسرائيلية أسفرت عن مقتل شخصين وجرح خمسة آخرين. وقيل إن المركز يعمل على رفع مستوى المقاومة لجنود الجيش السورى. الولاياتالمتحدةالأمريكية أكدت أن الغارة الإسرائيلية استهدفت رتلا ينقل الأسلحة إلى حزب الله فى لبنان. وقال نائب مستشار الأمن القومى الأمريكى بن رودس ل«بى بى سى» إن الرتل كان يحمل صواريخ سام 17 المضادة للطائرات. مراسل «بى بى سى» فى واشنطن بول آدامز ذكر أن أنباء الغارة الإسرائيلية لم تثر أى قلق فى العاصمة الأمريكية، مضيفا أن وجود مدير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية فى واشنطن وقت وقوع الغارة يشير إلى أن الإسرائيليين قد يكونون قد أحاطوا الإدارة الأمريكية علما بها قبل وقوعها. والولاياتالمتحدة قد سبق وحذرت سوريا من تعريض أمن منطقة الشرق الأوسط للاضطراب وذلك بنقل أسلحة إلى حزب الله اللبنانى. روسيا وإيران وحزب الله أدانوا بشدة الغارة الإسرائيلية على أراضى دولة ذات سيادة، ووصفت روسيا العملية بأنها انتهاك فاضح وغير مقبول لميثاق الأممالمتحدة، وحزب الله رأى فيها مخططا لتدمير سوريا وإسقاط دورها المحورى فى خط الممانعة، وهدد بأن حزب الله لن يكتفى بالمراقبة أو التزام سياسة «النأى بالنفس» كما هددت الحكومة الإيرانية بإطلاق يد فيلق القدس الموجود فى دمشق. ومع أن الغارة الإسرائيلية قد وقعت منذ ثلاثة أيام، مساء الثلاثاء الماضى، وأعلنت عنها الحكومة السورية صبيحة يوم الأربعاء، فإن الدكتور محمد مرسى لم يعلن موقفه من الغارة حتى هذه اللحظة، والغريب أن الحكومة المصرية ممثلة فى وزارة الخارجية لم تصدر بيانا يوضح موقف مصر من العدوان الإسرائيلى على أحد المواقع السورية. والذى يقارن موقف الدكتور مرسى من قصف القوات الفرنسية لمواقع تنظيم القاعدة فى شمال مالى، بموقفه الحالى المتجاهل للغارة الإسرائيلية على سوريا، يصاب بدهشة كبيرة، هذه الدهشة تطرح عديدا من المخاوف، لماذا؟ لأن الوضع فى جمهورية مالى يتناقض تماما مع الوضع فى سوريا، فقد احتل بعض الجماعات المتطرفة دينيا منطقة أزواد فى شمال البلاد، وهى المنطقة المتاخمة للأراضى الجزائرية، حيث انتقل أعضاء تنظيم القاعدة من الأراضى الجزائرية إلى شمال مالى بعد أن ضيقت عليها القوات الجزائرية، وقد قامت جماعة القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى بنشر خطابها فى شمال مالى، وانشق عنها جماعة أنصار الدين، وحركة التوحيد والجهاد فى غرب إفريقيا، إضافة إلى جماعة انفصال أزواد التى شكلها الطوارق، وهى جماعة انفصالية مدنية تطالب بانفصال أزواد عن مالى، وقد قامت الجماعات المتشددة بالسيطرة على المدن الشمالية، وطبقت بها مفهومها المتشدد للدين الإسلامى، فقطعت يدالسارق، ورجمت الزانى، ومنعت تعليم المرأة، وفرضت الحجاب والنقاب على النساء، كما أباحت تزويج الفتيات القادرات (من سن 9 سنوات)، ولم يكتفوا بهذا، بل اتحدت هذه الجماعات وقررت الزحف على جميع المدن والاتجاه إلى العاصمة المالية والسيطرة على كامل الأراضى المالية وإقامة الدولة الإسلامية، كما اعتبرت هذه الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة المدن المالية قاعدة للزحف على الدول الإفريقية والعربية لإعلان الخلافة الإسلامية، وقد فر آلاف المواطنين من عنف هذه الجماعات إلى الدول الإفريقية المجاورة، كما هربوا إلى العاصمة المالية، وقد فشلت الحكومة المالية فى مواجهة هذه الجماعات المسلحة بأسلحة ثقيلة ومتطورة فاستغاثت بالدول الإفريقية كما استغاثت بالحكومة الفرنسية لإنقاذ البلاد من زحف تنظيم القاعدة، وبالفعل استجاب بعض القوات وتدخلت الحكومة الفرنسية لمعاونة الجيش المالى فى التصدى للجماعات المتطرفة والعمل على وقف زحفها إلى العاصمة المالية وطردها خارج الحدود المالية. الرئيس مرسى صبيحة التدخل الفرنسى أعلن رفضه وإدانته للتدخل الفرنسى فى شمال مالى، وطالب بخروج القوات الفرنسية من البلاد، وهو نفس الموقف الذى اتخذته دولة قطر، وقد اتهمت صحف أوروبية وفرنسية الحكومة القطرية قبل فترة بمساعدة الجماعات المتطرفة فى شمال مالى ومدها بالأموال. وموقف الرئيس مرسى هذا لقى استهجانا شديدا من دول عربية وأجنبية، لأنه يعنى مساندته لتنظيم القاعدة وموافقته على احتلال هذا التنظيم التكفيرى المتطرف على جمهورية مالى، والغريب أن يسارع الدكتور مرسى برفضه استجابة الحكومة الفرنسية لاستغاثة الحكومة المالية، ويتجاهل تماما قصف الطائرات الإسرائيلية لموقع سرى بالقرب من العاصمة دمشق، لماذا؟ هل لأن تنظيم القاعدة المتطرف الدموى التكفيرى الإرهابى يتبع أعضاؤه المذهب السنى وبشار الأسد من العلويين؟ هل لأن تنظيم القاعدة يسعى لإقامة الخلافة الإسلامية التى تؤمن بها جماعة الإخوان؟ هل لأن الرئيس مرسى يخشى أن تضيق الحكومة الأمريكية عليه الخناق وتسعى إلى إسقاطه فى حالة إدانته للغارة الإسرائيلية على سوريا؟ هل مواقف مصر السياسية والأخلاقية سوف تتوقف على المصالح الضيقة والشخصية لرئيسها أم سترتبط بخطابه الدينى؟