فى أحد مشاهد فيلم «على جثتى» يتبادل أحمد حلمى وحسن حسنى الجلوس على مقعد رئيس الجمهورية فى القصر الجمهورى خلسة، وكلما جلس أحدهما على الكرسى يبدأ سلوكه فى التحول من الهدوء والتسامح إلى حالة من الغطرسة والغلظة والخشونة ومحاولة طرد الآخر بلا سبب واضح. الفيلم ليس عن لعنة كرسى الرئاسة، لكنه عن النفوس التى تفقد إنسانيتها حينما تجلس على أى كرسى إدارة. الموت وأخباره وجنازاته موضوع يومى أصبح مألوفا فى حياتنا، لذلك فكرة تناول الموت فى عمل كوميدى ليست غريبة، يوميا نتألم لموت أشخاص مخلصين وأبرياء ونغضب من إهمال تسبب فى موتهم، ونسخر سخرية مريرة من عبث نظام حكم فاشل قرر أن يجرب السلطة ولا يتأثر إذا سقط بعض ضحايا قيادته المتهورة، لم يبتعد فيلم أحمد حلمى الجديد «على جثتى» عن أجواء الواقع الحالى كثيرا، حتى وإن اختبأ خلف أجواء الفانتازيا والمشاهد الكوميدية الخفيفة، خلف الشخصيات التى يقدمها إسقاطات واضحة على شخصيات كثيرة نراها فى الحياة أو على شاشات التليفزيون، لمسات السياسة يمكن أن يلحظها المتفرج ضمن تفاصيل العمل وسلوك الشخصيات، ويمكن أن يتجاوزها إذا قرر أنه يشاهد عملا كوميديا مسليا لا أكثر، لكنه لن يهنأ بهذا كثيرا. فالفيلم تكسوه بعض الكآبة والحزن، ربما تكون الأفكار الفلسفية خلف قصة الفيلم من الأمور التى منحته بعض العمق، لكنها سلبت منه كثيرا من المرح. فكرة الفيلم هى أحد اختيارات حلمى المدهشة، الشخصية التى يقدمها لشخص يعود بعد وفاته إلى الحياة شبحا ليرى صورته الحقيقية فى عيون من حوله، البطل رؤوف (أحمد حلمى) صاحب معرض أثاث شهير، شخصيته متحفظة منغلقة متسلطة، لا يثق بالآخرين، لا يرى فيهم سوى مادة طيعة يشكلها بأفكاره، يزين مكتبه بصورة ضخمة له، يتدخل فى تفاصيل حياة كل من حوله بداية من زوجته وابنه وموظفيه وحتى بطريقة عمل مخرج الإعلان الخاص بمعرضه، هو شخص سيئ الظن يتعامل مع منافسيه على أنهم أعداء، يفرض على ابنه الطفل قراءة دواوين البحترى بدلا من مجلات الأطفال، يفرض على زوجته ارتداء ملابس انتهت موضتها، هو شخص يفتقد لأبسط قواعد العدل والإنصاف، ويفتقد إلى عدل القاضى وحكمته وإلى تحرى الدقة قبل الحكم على الآخرين، وإلى تلمس العذر للآخرين إذا أخطؤوا، هو باختصار «كوكتيل مصفى» لكل مكونات الديكتاتور، ومن حوله نموذج مثالى للنفاق وسلوك العبيد. الفيلم من نوعية الكوميديا السوداء التى تحمل بين طياتها الفكرة الساخرة وفلسفة خاصة، قدمها المخرج محمد بكير بأداء هادئ وإيقاع بطىء فى كثير من مشاهد الفيلم مثل مشهد عسكرى المرور فى بداية الفيلم مرورا بمشهد حوار رؤوف ونوح فى المحكمة. فكرة الفيلم ليست جديدة تماما، أقرب الأعمال التى حملت نفس الشكل قدمه المخرج الراحل يوسف شاهين منذ 63 عاما فى فيلمه الأول «بابا أمين»، عن الأب الذى يعود من الموت شبحا ليراقب تدهور حال عائلته بعد وفاته، وقدمتها السينما العالمية فى عديد من الأفلام منها «بابا الشبح» «Ghost Dad» من إخراج سيدنى بواتيه، وبطولة بيل كوسبى عن أب يفقد حياته حينما يسقط تاكسى يركبه فى نهر ويعود ليحاول إنقاذ عائلته من الضياع. الجزء الأكبر من فيلم «على جثتى» يتم بعد وفاة رؤوف فى حادثة سقوط سيارة فى النيل، وعودته إلى الحياة بهيئة شبح يساعده فى التأقلم مع حالته الجديدة شبح آخر للمستشار نوح (حسن حسنى)، لم يبرز سيناريو تامر إبراهيم خلفية شخصية رؤوف الشاب المتحفظ الذى يسىء الظن بجميع من حوله، كما قام السيناريو بتهميش معظم أدوار الممثلين باستثناء حسن حسنى وغادة عادل التى أجادت تقديم تناقض شخصية الزوجة قبل وبعد وفاة زوجها، ولم تلفت أدوار آيتن عامر وإدوارد وسامى مغاورى النظر، وكانت أقل تأثيرا حتى من أدوار ضيفى الشرف أحمد السقا وخالد أبو النجا.