أحمد حلمى فى »على جثتى« بقلم :- ماجدة خيرالله فيلم لأحمد حلمي يعني.. حدثاً فنياً ينتظره الناس، وتنطلق معه التوقعات، إيه اللوك اللي طالع بيه؟مين البطلة اللي قدامه، حايكون فيلم كوميدي صرف، ولا كعادته في أفلامه الأخيرة سوف يضمنه غلالة رقيقة من المشاعر الإنسانية؟ والسؤال الأهم الذي يشغل بال المراقبين وصناع السينما، الفيلم حايجيب كام؟؟ أحمد حلمي يعشق المغامرة، بل يكاد يكون الوحيد بين نجوم هذا الجيل الذي يقدم عليها، كل من ظهروا معه أو سبقوه، يلعبون علي المضمون الذي لم يعد مضمونا، حتي أن بعضهم عندما ينتقل للعمل في الدراما التليفزيونية، يذهب إليها بنفس المواصفات ونفس المقاييس، ويبقي حلمي، علامة للنجاح التجاري، حتي أنه قرر أن يتحدي فكرة المواسم التي أصبحت صنما يعبده صناع السينما، ويؤمنون به إلي حد الغباء، ولكنه قرر أن يضرب الصنم في مقتل، ويعرض أحدث أفلامه "علي جثتي" بعيدا عن مواسم الأعياد، التقليدية، ونزل الميدان وحده، مدعما بمائة وخمسين نسخة دفعة واحدة، وهو ما يعني تحزيم السوق السينمائي، وحصد أكبر قدر من الإيرادات، في أقل وقت عرض ممكن، تحسباً للقرصنة، أو لظروف طارئة قد تحدث في البلاد وتؤدي لإحجام الناس عن الذهاب للسينما، لبعض الوقت! ولذلك فإن سرقة فيلم علي جثتي، وعرضه علي بعض مواقع الإنترنت قد أدي بالحتم إلي تقليص حجم إيراداته، ولكنه لن يؤدي لخسارته، علي أي الأحوال، بل سوف يزداد الاقبال عليه، لأن جمهور السينما يفضل مشاهدة الأفلام علي الشاشة الفضية العريضة، بدلا من مشاهدتها علي شاشة كمبيوتر أو لاب توب! ومن باب المغامرة التي يحرص عليها أحمد حلمي، فهو يتعامل مع مخرج جديد علي السينما، وإن كان قد حقق نجاحا ملحوظا من خلال الدراما التليفزيونية، وكان مسلسله طرف ثالث أحد أهم الأعمال الرمضانية لهذا العام، متخطيا نجاح مسلسلات لكبار النجوم، ولكن في الحقيقة فإن مظاهر الإبداع والتميز تكاد تخبو أو تقل، مع فيلم "علي جثتي" بحيث يصعب أن تلمح مشهدا سينمائيا يشي أو ينبئ برؤية مخرج، حتي أن المشاهد الأولي أرهقها طول الحوار، والاستطراد المقيت في رسم شخصية، رجل الأعمال رؤوف "أحمد حلمي"، الذي يعامل موظفيه بغلظة، دون أن يقدر ظروفهم الحياتية أو يبدي مرونة مع أوضاعهم الاجتماعية المتردية، وبنفس الطريقة الجافة يعامل زوجته الشابة سحر "غادة عادل"، وابنه الوحيد، الذي يحرمه من الحياة كطفل طبيعي، ويرهقه بقراءة كتب من نوعية مقدمة ابن خلدون والبحتري وغيرها، وهو في حاجة ماسة لقراءة ميكي واللعب كما يقتضي سنه!! المشكلة أن كاتب السيناريو تامر إبراهيم، أراد أن يطرح في فيلمه أفكارا عديدة، وقضايا متنوعة، ويلمس بالمرة علي بعض المواضيع المعاصرة الخاصة بطبيعة الحاكم أو المسئول الذي يغيره الكرسي، فينسي ما كان يعد به الناس، أو ليذكرنا بشكل ساخر بما كان عليه مجلس الشعب في دورته الأخيرة، أو ما يحدث في مباريات كرة القدم، ولذلك فقد أرهق السيناريو باسكتشات متتالية لم يكن الفيلم في حاجة إليها، ويبدو أن هاجس الإضحاك يسيطر أحيانا علي بعض نجوم الكوميديا، رغم أن هذا الهاجس كان حلمي قد تحرر منه في أفلامه الأخيرة، ولا أعرف لماذا لانحترم أفلام الكوميديا الناعمة، ونفضل الأفلام التي تهز المواطن من كتفيه أو تزغزغه حتي تضمن انطلاق ضحكاته، مع أن هناك مستجدا في الحياة طرأ علينا في العامين الأخيرين من خلال متابعة صفحات الفيس بوك، التي تنطلق منها السخرية من خلال جمل قصيرة، أو رسومات كاريكاتير، يضحك عليها الجميع ويرددونها، رغم بساطتها، فالضحك يحتاج إلي ذكاء وليس بالضرورة كل هذا العناء، ومع ذلك فقد ضحكت في مواقع كثيرة من فيلم علي جثتي، ولكن أزعجني زحام الفيلم بالموضوعات المطروحة، وقد يظن البعض أنها ميزة وأراها. عيباً، وفكرة الفرصة الثانية التي قد يتمناها الإنسان ليعيد صياغة حياته من جديد، سبق تناولها في أكثر من عمل فني، منها فيلم ألف مبروك لأحمد حلمي نفسه، الذي كان يستيقظ صباح كل يوم علي نفس الحدث، محاولا في اليوم التالي أن يتدارك بشكل ما أخطاء الأمس، ولكن نخلص إلي أن معرفة ما يخبئه القدر لاتمنع حدوثه، وهي إحدي التيمات التي تضمنها أيضا فيلم علي جثتي، حيث يتعرض رؤوف "أحمد حلمي" إلي حادث سيارة، يكاد يودي بحياته ويقع في المنطقة الفاصلة بين الموت والحياة، فروحه لاتزال معلقة لم تتحرر تماماً، من قيود الجسد، وهذا يمنحة حرية أن يري الناس ويسمعهم دون أن يروه، ويكتشف أنه ميت، وفقد قدرته علي التواصل مع الأحياء، طبعا سوف تلحظ بسهولة أو بصعوبة حسب إدراكك، أن السيناريست قد تأثر بشكل أو آخر بالفيلم الامريكي "الشبح" ghost الذي لعبت بطولته ديمي مور، ووبي جولدبيرج، غير أن المخرج لم يلجأ للاستعانة بالحيل البصرية، التي تمنح الحرية للجسد "الشبح" بحيث يمكنه أن يتحرر مما يقيد الأجساد الحية، فيفقد الفيلم بذلك واحدا من العناصر التي كان من الممكن أن تضيف إليه، وتبرير ذلك يذكرنا بحاله الجن أو العفريت "ماجد الكدواني" في فيلم طير إنت، الذي كان يؤكد أن العفاريت مش ضروري يكونوا زي ما بيطلعوا في السينما، نفس الحوار تقريبا يقوله حسن حسني، لأحمد حلمي الذي أبدي دهشته، في عدم القدرة علي المرور عبر الحوائط، كما تظهر الأشباح في الأفلام الأمريكية أو المصرية القديمة، المهم يسعي الشبح القديم نسبيا "حسن حسني" في اصطحاب أحمد حلمي في رحلة ليتابع فيها ماحدث في حياته بعد حادث السيارة، واعتقاد الجميع أنه مات ورحل عن الدنيا، ويسمع بأذنيه كيف يغتابه أقرب الناس إليه، ويدرك كم الكراهية التي يكنها له موظفو شركته، ويتمني أن يعود للحياة ولو عدة دقائق ليصحح بعض أخطائه، لعل الأخيرين يترحمون عليه إذا مات، وتحدث كل الأشياء فجأة وبسرعة، الانقلابات الدرامية، وتغير المشاعر من الكراهية إلي الحب الشديد، يضرب الجميع مثل الزلازل والبراكين، فالزوجة الشابة التي كانت ترقص مبتهجة عند سماع خبر وفاة زوجها المتجهم دائما، تبكيه بحرقة في مواقف أخري، بعد أن تردد أنه لم يكن سيئا لهذه الدرجة، وموظفو الشركة ينتقلون من حالة الكراهية للحب في أقل من عشر دقائق، أما رؤوف نفسه فيدرك أشياء لم يكن يعرفها أو أدركها بصورة خاطئة في المرة الأولي، تماما مثلما حدث في فيلم ألف مبروك، عندما تصور في البداية أن والدته تتعاطي المخدرات، وأن والده مختلس ولص، ثم يتبين له أنه كان يري صورة مخالفة للواقع، ويعيد حسن حسني شرح الحكاية، خوفا من عدم فهم الجمهور للمغزي، ليؤكد لحلمي عن طريق الحوار أيضا أنه ليس كل مانراه يكون حقيقة لأننا أحيانا نري الأمور ونحن مشحونون برأي مسبق، ينعكس علي أحكامنا! في مثل شعبي يقولك "بلاش تتحنجل لو مش قد الحنجلة"، والتعامل سينمائيا مع أفكار قائمة علي الفانتازيا، لابد أن تكون علي نفس الموجة، ولذلك فإن فيلم علي جثتي ربما يمنح المشاهد بعض الضحكات في بعض المواقف، ولكنه سوف يربكه لأنه لايقدم فكرة متماسكة ولكن عدة أفكار متناثرة! أحمد حلمي قدراته التمثيلية ليست في حاجه إلي برهان، ولكن هذه المرة لم يحسن الحكم علي مستوي السيناريو، وأخيرا ممكن أسأل هل أضاف مشهد أحمد السقا أي طرافة علي الأحداث؟؟ هل كان له أي مبرر حتي من باب الكوميديا؟؟ وهل كان أحمد حلمي في حاجة إلي مجاملة من زميله؟ الإجابة في بطن الشاعر.