«الاتحاد»: عيد تحرير سيناء يحمل ذكريات الفخر على أغلى بقعة من أرضنا    وزير العمل يسلم 25 عقد عمل لذوي الهمم بجنوب سيناء    إحالة بيان الحكومة بشأن الموازنة إلى لجنة "الخطة".. ورفع الجلسة العامة حتى 7 مايو    «السعيد» تكشف خطة الاستثمارات في قطاع التعليم المدرسي والجامعي    بروتوكول تعاون بين "العمل" و"التربية والتعليم" لتأهيل الشباب السيناوي    البورصة المصرية تختتم بهبوط المؤشرات وتراجع رأس المال السوقي    فيديو| فتح باب التصالح على مخالفات البناء.. أبلكيشن لملء البيانات وتفاصيل استعدادات المحافظات    إيران تدين العقوبات الأوروبية المتوقعة وتصفها بأنها " غير قانونية"    روسيا تهدد بتعزيز الهجمات على أوكرانيا ردا على المساعدات الأمريكية لكييف    ترامب يهاجم جلسات محاكمته: وصمة عار وفوضى    محترفو الفراعنة × أسبوع| صلاح يخسر بطولة وغياب تريزيجيه والنني وفوز لمرموش ومصطفى محمد    الأهلي: عقود الرعاية تمثل أهمية كبيرة للنادي في ظل حجم الانفاق    نجم العين يتحدى الهلال قبل موقعة نصف نهائي أبطال آسيا    وزير الشباب ومحافظ شمال سيناء يشهدان ختام مهرجان الهجن    أستون فيلا يمدد عقد إيمري حتى 2027    إحباط تهريب "حشيش وماريجوانا" داخل مطار الغردقة الدولي    محافظ المنوفية يتابع استعدادت المحافظة لامتحانات آخر العام والأعياد والإزالات    11 معلومة مهمة بشأن امتحانات الثانوية العامة.. ما الضوابط الجديدة؟    استحل محارمه وتخلص من طفل السفاح.. الأب واقع ابنته وأنجب منها في الشرقية    رانيا يوسف وصبري فواز أول حضور ندوة سينما المقاومة في غزة    مكتبة الإسكندرية تشهد فعالية "مصر حكاية الإنسان والمكان"    في رمضان 2025.. محمد سامي يفجر مفاجأة بشأن مي عمر    أشرف عن ضوابط تغطية الجنازات: غدا نحدد الآليات المنظمة مع «الصحفيين»    بحضور "عبدالغفار والملا".. توقيع اتفاقيتين لدعم المجال الصحي بمطروح وبورسعيد    موجة حارة وعاصفة ترابية- نصائح من هاني الناظر يجب اتباعها    الرقابة المالية تسمح بحضور الجمعيات العمومية لصناديق التأمين الخاصة إلكترونيا    محافظ بوسعيد يستقبل مستشار رئيس الجمهورية لمشروعات محور قناة السويس والموانئ البحرية    الجامعة العربية تشهد اجتماع لجنة جائزة التميز الإعلام العربي    رئيس جامعة عين شمس يبحث مع السفير الفرنسي سبل تعزيز التعاون الأكاديمي    فيلم "شقو" يحصد 916 ألف جنيه بدور العرض أمس    عبير فؤاد تتوقع ظاهرة غريبة تضرب العالم خلال ساعات.. ماذا قالت؟    فتح أبواب متحف السكة الحديد مجانا للجمهور احتفالا بذكرى تحرير سيناء    وزير العدل: تشكيل لجنة رفيعة المستوى لوضع مشروع قانون ينظم استخدامات الذكاء الاصطناعي    التصريح بدفن جثة طفلة سقطت من أعلى بأكتوبر    محافظ المنيا: تنظيم قافلة طبية مجانية في مركز أبو قرقاص غدا    سيدات سلة الأهلي يواجه مصر للتأمين في الدوري    «نجم عربي إفريقي».. الأهلي يقترب من حسم صفقة جديدة (خاص)    دار الإفتاء: شم النسيم عادة مصرية قديمة والاحتفال به مباح شرعًا    هل يحق للزوج التجسس على زوجته لو شك في سلوكها؟.. أمينة الفتوى تجيب    «النواب» يوافق على اتفاقية بشأن منحة مقدمة من البنك الدولي لتحسين إدارة النفايات الإلكترونية    محافظ كفر الشيخ ونائبه يتفقدان مشروعات الرصف فى الشوارع | صور    مصرع سائق في حادث تصادم بسوهاج    نستورد 25 مليون علبة.. شعبة الأدوية تكشف تفاصيل أزمة نقص لبن الأطفال    هل مكملات الكالسيوم ضرورية للحامل؟- احذري أضرارها    اللعبة الاخيرة.. مصرع طفلة سقطت من الطابق الرابع في أكتوبر    فرج عامر: الفار تعطل 70 دقيقة في مباراة مازيمبي والأهلي بالكونغو    السفير طلال المطيرى: مصر تمتلك منظومة حقوقية ملهمة وذات تجارب رائدة    مجلس النواب يحيل 23 تقريرًا برلمانيًّا للحكومة -تعرف عليها    خلال الاستعدادات لعرض عسكري.. مقتل 10 أشخاص جراء اصطدام مروحيتين ماليزيتين| فيديو    وزير الأوقاف من الرياض: نرفض أي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته    جيش الاحتلال الإسرائيلي يقصف مناطق لحزب الله في جنوب لبنان    قطاع الدراسات العليا بجامعة القناة يعلن مواعيد امتحانات نهاية الفصل الدراسي الثاني    رئيس الأركان الإيراني: ندرس كل الاحتمالات والسيناريوهات على المستوى العملياتي    الرئيس السيسى يضع إكليلا من الزهور على النصب التذكارى للجندى المجهول    الثلاثاء 23 أبريل 2024.. الدولار يسجل 48.20 جنيه للبيع فى بداية التعاملات    مستدلاً بالخمر ولحم الخنزير.. علي جمعة: هذا ما تميَّز به المسلمون عن سائر الخلق    الإفتاء: التسامح في الإسلام غير مقيد بزمن أو بأشخاص.. والنبي أول من أرسى مبدأ المواطنة    علي جمعة: منتقدو محتوى برنامج نور الدين بيتقهروا أول ما نواجههم بالنقول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إسماعيل ياسين يقول للملك فاروق نكتة تبدأ ب «مرة واحد مجنون زي جلالتك كده»..فأدخله الملك مستشفي الأمراض العقلية!
نشر في القاهرة يوم 04 - 09 - 2012

كان إسماعيل ياسين قد ضج من العطالة. وبينما يشرع في الانصراف يائسا من المقهي يوما، استوقفه شخص يتساءل وهو يعيده إلي الجلوس: الأستاذ إسماعيل ياسين؟ - أيوه يافندم أي خدمة؟ أنا متهيألي شفت حضرتك قبل كده. ضحك القادم وهو يجلس: جايز. أنا اسمي فؤاد الجزايرلي. - أيوه كده صح. أستاذ فؤاد المخرج السينمائي المشهور. - أيوه أيوه. اسمع يا أستاذ إسماعيل. أنا بعمل فيلم جديد، ومعي فنانين كثيرين: فوزي الجزايرلي وإحسان الجزايرلي وأنور وجدي وعباس فارس وتحية كاريوكا ومحمد عبدالمطلب وأدمون توما وآخرين، واسم الفيلم "خلف الحبايب". - اللي جابلك يخليلك يا فؤاد بيه. - ظريف. علشان كده أنا اخترتك معايا في الفيلم الكوميدي ده. - يا فرج الله، سيما حتة واحدة! - إيه رأيك يا بطل؟ - سيما وكمان بطل!! - لا لا. مش قوي كده. إنت هتعمل دور صغير، بس هايل، وبكره يا سيدي الصغير يكبر. كان ياسين أول الواصلين إلي ستوديو مصر، في انتظار بقية فريق عمل "خلف الحبايب". الأجواء هادئة في مكان فسيح يشبه ساحة انتظار السيارات التي عمل مناديا بها في السويس، عُلّقت فيه أعمدة للإضاءة. وصل الفنيون وعمال الديكور وليتحوّل المكان الفسيح الخالي إلي شقق وممرات وحجرات نوم وصالونات و.. ما إن دارت كاميرا المخرج فؤاد الجزايرلي حتي أصابت الدهشة ياسين مجدداً، ما هذا السحر؟ ما هذا الأسلوب الذي يعملون به؟ يقف الفنانون كل في المكان المخصص له، ويصيح المخرج "أكشن"، ليبدأ الجميع في تنفيذ حركات مرسومة، والتحدث بكلام محفوظ. كل واحد يعرف دوره وموعد دخوله وخروجه، من دون تأخير أو تقديم... . عندما وقف ياسين أمام الكاميرا نسي بعضاً مما كان يحفظ من دوره، وقبل أن يتوه أو يتوقف عن الكلام أنقذته خبرته المسرحية، وكان ذهنه حاضراً، فاستخدم كلمات بديلة وأضاف حركات تناسبها، وعندما همّ مساعد المخرج بإعطاء الإشارة للتوقف، فوجئ بالمخرج يطلب منه الاستمرار، حيث أدهشه حضور إسماعيل، حتي أن الإضافات التي قدمها كانت أفضل كثيراً من النص المكتوب! ولعل الأهم أن الفنان فوزي الجزايرلي، وقف بعد انتهاء التصوير معبرا عن إعجابه بأداء ياسين، وقال للمشاركين في الفيلم، كاشفا عن بصيرة نافذة: "عليكم أن تخافوا هذا الفنان، فالمستقبل له". العودة إلي السينما مر الدور السينمائي الصغير مرور الكرام، فراح إسماعيل يتنقل بين الفرق حيث صادفه النجاح، وصارت إعلانات الصحف والمجلات تسبق اسمه ب "المنولوجست المحبوب". وحقق مع "فرقة حسين المليجي" نجاحاً كبيراً استقطب جمهوراً واسعاً، استشعره علي الكسار صاحب الفرقة المجاورة. كان الكسار اسماً كبيراً يشعر بحساسية لأي نجاح يطل برأسه ليهدده، مما جعله يتردد خلسة علي كازينو حسين المليجي، يشاهد ياسين الذي أصبح اسمه علي كل لسان. وفي الوقت نفسه كان إسماعيل يزور مسرح الكسار كثيراً، لمشاهدة ما تقدمه فرقته، خصوصاً عندما علم أن ثمة منولوجست جديد يصول ويجول في تلك الفرقة. وراح يبدي إعجابه بمحمود شكوكو، ويتوقع له مستقبلاً باهراً، وأصبحا من أحب وأقرب الأصدقاء، فأوكل الكسار لشكوكو مهمة إقناع ياسين بالانتقال إلي فرقته، حيث وافق بعد إلحاح طويل. تسلل إلي ياسين شعور بأن السينما نسيته وأن تجربة الجزايرلي مرت دون أن يشعر بها أحد، إلي أن فوجئ يوما بالمخرج حسين فوزي يرسل في طلبه.. استقبله بترحاب، وكأن ثمة سابق معرفة كبيرة بينهما: - شوف يا سيدي أنا بعمل فيلم اسمه "أحب الغلط". - أهو ده اللي محبوش. ضحك فوزي: إن شاء الله مفيش غلط. لكن أنا عايزك تعمل دور في الفيلم. صحيح هو دور صغير بس.. وقبل أن يكمل جملته قاطعه إسماعيل: بكره الصغير يكبر و.. رحب ياسين بالدور الصغير، لأنه سيتيح له الوقوف أمام نجمين سينمائيين كبيرين هما تحية كاريوكا وحسين صدقي، بل ولأن النجاح فيه يمكن أن يعفيه من الاستمرار بالعمل في الملاهي! كان مخرجو تلك الأيام حريصين علي التنويع، ما بين الكوميدي والبدوي والمغامرات و...، الأمر الذي جعل الواحد منهم لا يستقر علي أبطال بعينهم. وهكذا غاب ياسين من جديد عن السينما. لكن عند تقديم نيازي مصطفي فيلمه الكوميدي "مصنع الزوجات" (1941)، تذكر الممثل المشهور بإلقاء المونولوجات، وقرر الاستعانة به في دور صغير، وفعلاً ظهر ياسين في دور لا يستغرق سوي ثلاث دقائق، جسد فيه شخصية "سكير"، لكنه استطاع من خلال هذه الدقائق أن يخلق مساحة جديدة تعلن عن وجوده علي شاشة السينما. إعادة اكتشاف وجعلت أدوار ياسين القصيرة المخرج توجو مزراحي يدرك عمق قدرات إسماعيل، وحسن تقبّل جمهور السينما له.. استشعر أنه مبعث الابتسام، بل والضحكات العالية، حتي إن كان الفيلم ميلودراما قاتمة تُبكي الجمهور. واكتشف أن ياسين دوما ما يكون أخف دماً ممّن حوله من عتاة الممثلين، فضلاً عن قدرته علي الحركة بتلقائية وخفة أمام الكاميرا. والأهم من ذلك كله أنه مهما كان دوره، فإن الجمهور يخرج من دار العرض متذكراً الممثل الكبير الفم، مبعث السعادة والبهجة في الفيلم. وجاءت الانعطافة الحقيقية في علاقة الرجلين عندما طلب علي الكسار من مزراحي أن يصاحبه إسماعيل في فيلمه الجديد "علي بابا والأربعين حرامي" (1942). رحّب مزراحي باقتراح الكسار، ولكنه راح يتمنع حين حضر إسماعيل، مؤكداً أن لديه شرطا كي يوافق: - أشرط يا أستاذ. أنا تحت أمرك. - لازم تشوفلك حل وتغير شويه من نفسك. - أغير من نفسي أزاي. أربي شنبي؟ - يا أخي لا. شوف لك حل في "بُقك" ده. - أعمله إيه؟ أقطع منه حتة؟! - معرفش. أصله بصراحة كبير قوي وممكن يملا الشاشة. - عموماً يا أستاذ أنا كان يشرفني إني اشتغل معك انت والأستاذ علي الكسار. لكن مفيش نصيب. وهنا تدخّل الكسار: الراجل يضحك معك. انت معانا في الفيلم بالتأكيد. شكره إسماعيل وسأل وهو يهم بالانصراف: ومتي يبدأ التصوير؟ - يا أستاذ إحنا بدأنا التصوير فعلا. جهز نفسك هتدخل الاستوديو حالا. روح للماكيير يعملك الماكياج. ارتجف إسماعيل فهذه أول فرصة للظهور في فيلم تاريخي، لا علاقة له بالكوميديا، وإذا حدث وفشل فلن يعرف طريقه إلي الاستوديوهات بعدئذ. استجمع شجاعته، وجلس بين يدي الماكيير وإلي جانبه مساعد المخرج، يحفظه دوره وتحركاته أمام الكاميرا والإشارات التي يجب أن يقوم بها مع الحوار. وما كاد مزراحي يشير إلي بدء التصوير حتي شعر إسماعيل ببرودة شديدة تسري في جسده، وبأن شيئاً ما في داخله يمنعه من النطق. أحس أنه يمثل للمرة الأولي، وأنه نسي كل شيء، لكن من حسن حظه أن مزراحي اكتشف خطأ في الديكور فأوقف التصوير، وراح يعنف المسئول، واستغرق إصلاح الخطأ بعض الوقت تغلّب إسماعيل خلاله علي خوفه، ونسي كل شيء إلا المشهد الذي سيمثله. اندمج فيه وغاب عن كل ما حوله، وأفاق علي صوت توجو مزراحي مهللاً: برافو يا سمعه برافو. كانت هذه الصيحة شهادة دخوله الجديد إلي عالم السينما، فقد تعاقد معه مزراحي في نفس اليوم علي فيلم جديد بأجر قدره 15 جنيهاً، بعد أن نفحه 12 جنيهاً علي مشاركته في "علي بابا والأربعين حرامي". وطفرت الدموع من عيني ياسين وهو يأخذ الشيك، إذ تذكر أيام أرصفة السويس، ويومها اشتري بدلة "سموكنج" من آخر طراز، حرص علي الاحتفاظ بها، حتي بعد أن بات يملك عشرات مثلها! كان "علي بابا والأربعين حرامي" بداية ظهور ياسين ظهورا حقيقيا وقويا علي شاشة السينما، فقد حرص مزراحي علي توظيف قدرات ياسين في الفيلم، لدرجة أنه كتب دوره بنفسه، وجعله يغني ويرقص ويؤدي حركات، أصبحت فيما بعد بين سمات أدائه، كذلك جعل كبر فمه مادة للسخرية، الأمر الذي صار من اللوازم، التي يحرص سمعه علي مبادرة الآخرين بذكرها، قبل أن يواجهونه بها. استغرق تصوير دور سمعه في "علي بابا والأربعين حرامي" أسبوعاً، لكنه ما كاد ينتهي حتي بدأ تصوير "تحيا الستات"، وشارك معه في الفيلم مديحة يسري وليلي فوزي وأنور وجدي وحسن فايق وبشارة واكيم. وانتقل منه مباشرة إلي التمثيل في "الطريق المستقيم" مع يوسف وهبي وفاطمة رشدي وأمينة رزق. صداقات العمر لاقي "علي بابا" نجاحاً منقطع النظير عند عرضه، وعاش ياسين نشوة غير عادية لنجاحه إلي جوار علي الكسار أحد أهم نجوم ذاك الزمان. كان تمثيل ياسين يعد شيئا ثانويا في الأفلام التي شارك فيها قبل "علي بابا والأربعين حرامي"، علي اعتبار أنه مؤد للمونولوج، واستطاع عبرها مواصلة نجاحه كمنولوجست، مما دعم مكانته وأضاف إلي رصيده في سوق "الصالات". لكن تقديم مزراحي له بصورة جديدة وجيدة لفت الأنظار إليه كممثل له حضوره القوي علي الشاشة، مما جعله مطلوباً أيضا في أكثر من مسرح وصالة وملهي ليلي. لكن الأهم بالنسبة لسمعه كان النجاح في إثبات وجوده السينمائي، علي نحو يمكن أن يغنيه عن "بهدلة" الصالات والكباريهات! وكان أهم ما خرج به ياسين من الفيلم، إضافة إلي النجاح، اقتناع مزراحي- أحد أهم مخرجي السينما آنذاك- به، بل ونشوء صداقة كبيرة بينهما، علاوة علي الصداقات التي كونها سمعة مع بقية الأبطال، مثل المطرب محمد عبدالمطلب، الذي كان ينافسه في الغناء بالفيلم، والفنانة ليلي فوزي وأنور وجدي و...، وربما كان الأهم إطلاقا ما اكتشفه من حب وموهبة حقيقية داخل فنان- سيرتبط به ارتباطا وثيقا- يبدو قاسي الملامح، لكنه طيب القلب، يدعي رياض القصبجي. وقد لفتت متابعة أفلام مزراحي نظر ياسين إلي المطربة ليلي مراد. واستوقفه طويلا أنها كانت تظهر في الأفلام باسم "ليلي"، وأن اسمها يظهر دائما في عنوان الفيلم! ولم يمر وقت طويل حتي طلبه مزراحي للعمل في فيلم جديد يجمع بينه وبين علي الكسار بعنوان "نور الدين والبحارة الثلاثة". وكانت المفاجأة التي أسعدت ياسين أنه وجد معه في الفيلم ذلك الفنان طيب القلب قاسي الملامح رياض القصبجي. شريك في فرقة الكسار لم يكن نجاح الفيلم في حد ذاته مفاجأة، لكن المفاجأة المدوية حدثت مع النجاح، إذ وجد سمعه علي الكسار يبادره: اسمع يا إسماعيل. أنا عايزك تشتغل معايا. - سلامتك يا أستاذ علي. أمال أنا بشتغل مع مين. مش برضه دي فرقة علي الكسار؟ - أنا عايزك تدخل شريك معايا في الفرقة. - بتقول إيه؟ - زي ما سمعت كده. تدخل معايا شريك في المسرحية دي. وأي شغل تعمله الفرقة. - أيوه، ده شرف كبير وثقة كبيرة منك. لكن أنا زي ما انت راسي "أل نيا با فلوس"! - يعني إيه؟ - بالعربي كده مفيش فلوس. - ما هو أنت هتدخل شريك بأجرك. - بس يا أستاذ. - قول موافق. راحت السينما تلتفت إلي إسماعيل، فاختاره المخرج هنري بركات ليشارك أنور وجدي والفنانة مني ابنة المنتجة آسيا في فيلم "القلب له واحد". وقبل أن ينتهي تصوير الفيلم اختاره المخرج كمال سليم ليشارك في فيلمه الجديد "ليلة الجمعة" مع أنور وجدي وإبراهيم حمودة وتحية كاريوكا وبشارة واكيم، واختاره المخرج. حتي أنه أنجز ما مجموعه ستة أفلام خلال عام 1945 . في هذه الأثناء شرع إسماعيل ياسين في الزواج مرة ثالثة- بعد زيجتين فاشلتين- وراح يفكر: مادامت السينما فتحت ذراعيها علي هذا النحو، لماذا لا يعتزل الصالات التي تنقص كثيراً من قدره، فهو ليس مطرباً مثل المطرب الكبير محمد عبدالوهاب، أو حتي المطرب الجديد فريد الأطرش.. إن فوزية التي يود الزواج منها من عائلة، ولا يليق أن يتقدم لخطبتها باعتباره منولوجست، فثمة فارق كبير إن تقدم باعتباره أحد نجوم السينما الذين يشير الناس إليهم بالبنان، ويهرولون وراءهم لمجرد السلام أو لتوقيعهم علي "أوتوجراف". وهكذا اعتزل إسماعيل العمل في الصالات والكباريهات والكازينوهات. في هذه الأثناء تنبه الفنان أنور وجدي إلي أن ليلي مراد وإسماعيل ياسين سيكونان الجوادان الرابحان في السينما المصرية، لهذا ما إن بدأ التفكير في الإنتاج ثم الإخراج- منتهزا فرصة رحيل المخرج كمال سليم 1945- حتي كان أول أفلامه مع ليلي مراد "ليلي بنت الفقراء"، الذي حقق نجاحاً لم يكن يتوقعه صناع السينما آنذاك.. لهذا عمل في العام التالي علي تقديم ليلي، التي صارت زوجته، في فيلم يحمل اسمها أيضاً بعنوان "ليلي بنت الأغنياء"، يستعين فيه بالجواد الرابح الثاني إسماعيل ياسين. ولم يغب سمعة بعد ذلك عن عقل الفنان والمخرج أنور وجدي، فتوطدت الصداقة بينهما، واستعان به في بطولة فيلم "قلبي دليلي" عام 1947، مع محمود شكوكو وإلياس مؤدب واستيفان روستي وبشارة واكيم، وخريج معهد التمثيل الجديد فريد شوقي، وبرع إسماعيل تمثيلاً
وغناءً، ثم تبعه فيلم "عنبر" وفيلم ... . ولم يأت عام 1949 إلا وكان وجدي قد اسند لسمعة أول بطولة مطلقة في فيلم "الناصح"، أمام الوجه الجديد ماجدة، وما لبث أنور يرفض تصوير أي فيلم إلا إذا كان سمعه مشاركا فيه. فاكهة السينما ولم يكن هذا شأن أنور وجدي وحده. فقد اختاره محمد فوزي ليقدم معه أفلامه واستعراضاته ساعيا إلي النجاح كفنان فكاهي إلي جانب الاستعراض. وفي هذه المرحلة استطاع إسماعيل تثبيت قدميه، لدرجة أنه أصبح يشبه "طبق الفاكهة" الذي لابد منه في أي فيلم. لقد كان سمعه يملك الصفات التي جعلت منه أحد نجوم الإستعراض، فإلي جوار كونه مطرب ومنولوجست كان ممثلا يتميز بالتعامل مع السينما مباشرة، دون تاريخ مسرحي يعرقله. ومع نهاية الحرب العالمية الثانية تضاعف عدد الأفلام المصرية من 16 فيلماً عام 1944 إلي 67 فيلماً عام 1946، تجاوز نصيب ياسين منها ستة أفلام، بل وتجاوز عدد أفلامه عام 1947 العشرة أفلام! وهكذا أصبح، بنجاحه المتواصل، "تميمة الحظ" لكثير من الفنانين، الذين بدأوا حياتهم الفنية خلال فترة ظهوره السينمائي الطاغي.. حدث هذا مع المخرج الكبير صلاح أبو سيف حين استعان به في أول أفلامه، وتكرر الأمر مع عدد كبير من المخرجين الذين حرصوا علي أن تكون بداياتهم من خلال العمل مع سمعة، بعد أن عمل بعضهم كمساعد مخرج في بعض أفلامه، جرياً وراء عدم المخاطرة، أو كسراً لرهبة التجربة الأولي، بالاعتماد علي نجم سبق التفاهم معه، ومن هؤلاء: حسن الصيفي وحسن حلمي وحمادة عبدالوهاب وفطين عبدالوهاب. وبسبب حضور ياسين وجاذبيته، وقدرته علي التعامل مع آلة التصوير، وصل عدد أفلامه عام 1949 إلي 19 فيلما. وفي عام 1950 دُعي ياسين لإلقاء بعض مونولوجاته في حفل خيري لصالح جمعية "مبرة محمد علي" في "ملهي الأوبرج". يومها أوعز الملك فاروق إلي أحد رجاله بدعوة إسماعيل إلي الاستراحة الملكية للتسرية عنهم. بادر الملك إسماعيل وهو يقف بين يديه متوترا: "يلا يا إسماعيل سمِّعنا نكتة جديدة". ومن فرط الارتباك بدأ إسماعيل النكتة قائلاً: مرة واحد مجنون زي جلالتك كده! فصرخ الملك: انت بتقول إيه؟ يا مجنون! أدرك إسماعيل الموقف فما كان منه إلا أن سقط متظاهراً بالإغماء، وغادر الملك غاضباً لمتابعة بقية الحفلة، وإن ظل بعض رجال الحرس حول إسماعيل، لينفذوا العقاب الذي سيأمر به جلالة الملك. لكن يوسف رشاد- طبيب الملك الخاص- قال لتمرير الموقف إن إسماعيل مريض، تصيبه حالات من ضعف الذاكرة وفقد الإدراك، وهو في حاجة لأن يقضي فترة تحت الرقابة الطبية لمعالجة هذه الحالة، فأمر الملك بإيداعه "مستشفي الأمراض العصبية والنفسية". وصدرت الصحف في اليوم التالي مشيدةً بالعطف الملكي الكريم علي إسماعيل ياسين، الذي عاوده مرض الصرع أثناء الحفل الخيري، فأمر الملك بعلاجه علي نفقته الخاصة. غادر إسماعيل المستشفي بعد عشرة أيام، وإن ظل يعيش محنته مع الملك بينه وبين نفسه، ولا يجرؤ أن يذكرها أمام أحد، لما انطوت عليه من ذكريات أليمة، ومن خشية معاودة التنكَّيل به. وظل الأمر علي هذا النحو حتي استيقظت مصر علي ما حدث في يوليو 1952 . حركة الجيش المباركة تلقي سمعة- مثله مثل بقية الناس- أنباء تحرك الجيش بفرحة غامرة، غير أنه شعر أيضا بأن القدر قد انتقم له. وفكر في طريقة يشارك بها الجيش والشعب الفرحة. كان قد انتهي للتو من تصوير فيلم "اللص الشريف"، الذي شاركته البطولة فيه شادية ولولا صدقي، فاتفق مع المخرج حمادة عبدالوهاب وكاتب السيناريو علي الزرقاني علي إرجاء عرض الفيلم، وإضافة مشهد يقدم فيه مونولوجاً، يعبر عن فرحة الشعب بالثورة وإعلان مساندته للجيش، وصوّر المونولوج وهو يغني في الشارع بين الناس، تعبيراً عن فرحة الشعب، وأكدت الكلمات التي كتبها الشاعر "ابن الليل" ذلك. هزّ مونولوج ياسين وجدان فئات الشعب المصري، بمن فيهم أعضاء مجلس قيادة ثورة 23 يوليو، وعلي رأسهم اللواء محمد نجيب والبكباشي جمال عبدالناصر، الذي كان أحد عشاق فن سمعه، وزاد حبه وعشقه له بعد أن شاهد المونولوج. غير أن إسماعيل لم يكتف بهذه التحية للوضع الجديد، فبعد حوالي شهر قدم "اسكتش الثورة" بمشاركة الفنانة شادية في فيلم "حظك هذا الأسبوع" الذي كان من بين مجموعة أفلام قدمها ياسين خلال عام 1953. كان إسماعيل يشارك في بداياته بأداء الدور الثاني أو السنيد لكثير من الأسماء مثل بشارة واكيم وحسن فايق وهند رستم وتحية كاريوكا ومحسن سرحان، ثم أصبح البطل الأول في أفلامه. ليس هذا فحسب، بل كان يحاط دائماً بكوكبة من كبار ممثلي الكوميديا مثل استيفان روستي وعبدالفتاح القصري وعبدالسلام النابلسي ومحمود شكوكو وسعاد مكاوي وثريا حلمي وياض القصبجي وحسن أتلة وماري منيب و... . لكن سرعان ما أصبح سمعة بعد الثورة النجم الأول والأغلي، الذي تتنافس علي الوقوف أمامه مجموعة كبيرة من نجمات السينما. ومن كثرة الأعمال التي كانت تعرض علي سمعه، كان يرفض نصفها تقريباً لضيق الوقت، حتي أنه بات لا ينام أكثر من ثلاث ساعات يومياً، حتي يستطيع الوفاء بالتزامات العقود التي يبرمها، وكان من نتيجة ذلك أنه قدّم في العام التالي للثورة 17 فيلماً، وزادت نجوميته عام 1954 ليقدّم 18 فيلماً، جميعها بطولات مطلقة؟! إسماعيل ياسين في.. لم تعد واجهة دار عرض تخلو من "أفيش" لفيلم يحمل اسم "إسماعيل يس". ومن هنا- مع حكاية ليلي مراد القديمة- نشأت عام 1954 ظاهرة (إسماعيل ياسين في...)، عندما أطلق المخرج يوسف معلوف علي فيلمه، استغلالاً لرواج الفنان، اسم "مغامرات إسماعيل يس"، علي الرغم من أن بطولة الفيلم كانت لكمال الشناوي "فتي الشاشة الأول"، وفق ما كان يطلق عليه آنذاك، ورغم أنه كان يقدم بطولات مطلقة. ولم يجد الشناوي، كما لم تجد شادية دلوعة السينما المصرية وبطلة الفيلم، غضاضة في أن يتصدر اسم ياسين "الأفيش". لاقي الفيلم صدي كبيراً وحقق نجاحاً باهرا، ولفت أنظار المنتجين والمخرجين، فقدم المخرج حسن الصيفي في العام نفسه فيلم "عفريتة إسماعيل يس"، وتوالت بعد ذلك سلسلة أفلام "إسماعيل ياسين في...". ليكون الممثل الأول، في تاريخ السينما العربية، الذي يقدم سلسلة أفلام تحمل اسمه الحقيقي وليس اسم البطل- أكثر من 17 فيلماً فضلاً عن الأفلام التي أعيد عرضها، ليتصدّر اسمه الأفيش قبل اسم الفيلم، مثل فيلم "بيت الأشباح" الذي أنتج عام 1951، وأعيد عرضه باسم "إسماعيل ياسين في بيت الأشباح". في عام 1955 وفي فورة الحماسة، شعر ياسين بوجوب المشاركة في تعزيز الإنجازات التي حققتها الثورة، ففكّر في تقديم فيلم عن الجيش.. كتب عبدالمنعم السباعي قصة وسيناريو وحوار فيلم "إسماعيل ياسين في الجيش" وأخرجه فطين عبدالوهاب، وهما في الأصل من ضباط الجيش المصري، ووجه ياسين الدعوة إلي عبدالناصر، الذي حضر العرض الأول للفيلم في رفقة أعضاء مجلس قيادة الثورة. وضحك ناصر كثيرا، كما استشعر رسالة الفيلم والأهداف التي يرمي إليها. ومما يقال أن ياسين قدم سلسلة أفلامه الشهيرة عن أسلحة الجيش المصري بتعليمات مباشرة من ناصر. المهم أن نجاح الفيلم أغري ياسين والمنتجين والمخرجين بتكرار التجربة، فاستعان إلي جوار المخرج فطين عبدالوهاب بتوأمه الفني أبو السعود الأبياري، لتظهر تباعاً سلسلة أفلام "إسماعيل ياسين في الطيران، البوليس، الأسطول، البوليس الحربي... . ولازمه في هذه الأفلام الممثل الذي أحبه رياض القصبجي، الشهير بالشاويش عطية، حيث باتت مشاهدهما محطة مهمة في تاريخ الكوميديا، يستمتع بها الجمهور حتي الآن، لما فيها من مفارقات عجيبة. ورويدا أصبح إسماعيل أحد أهم نجوم عصره وأغزرهم عطاءً وأغلاهم أجراً، إلي جوار إتاحته فرص عمل للفنانين والفنيين ولتشغيل الأستوديوهات والمعامل والعاملين فيها باستمرار، بل ولتشغيل دور العرض علي مدار سبع حفلات يومياً. تفكير في المسرح مثل إسماعيل ياسين كثير من الأفلام وحقق رقما قياسيا لم يحدث مع ممثل في تاريخ السينما العربية! وقد كتب أبوالسعود الأبياري غالبية هذه الأفلام، التي كان هدف صانعيها الأول تحقيق الربح واستغلال "فترة الرواج التجاري" لاسمه، الذي بات يسوق أي عمل إذ كان الاتفاق يتم علي اسمه! وذات مساء أقيم حفل في "حديقة الأندلس" قدم ياسين خلاله منولوجاته أمام مجلس قيادة الثورة وعلي رأسه محمد نجيب وجمال عبدالناصر، ولقي مونولوج "عشرين مليون وزيادة" نجاحاً كبيراً. فبادره أبو السعود الإبياري: عندك كل الشعبية دي وساكت؟! - مش فاهم. يعني أعمل إيه؟ ما أنا بغني أهه. - لقد بات لك اسما كبيرا، ليه ما يكونش عندك فرقة مسرحية، وأنا واثق من نجاحها. واختمر المشروع مع ظروف المناخ الثقافي والاجتماعي السائد، واستطاع وجيه أباظة، أحد الضباط الأحرار، تذليل المشكلة التي تقف في طريق الفرقة، بإقناع سولي بيانكو صاحب دار "سينما ميامي" بتحويلها إلي مسرح، لكن دور ياسين المسرحي موضوع آخر. وتبقي إشارة إلي أن ياسين قد يبدو، في النهاية، أقرب إلي المهرج، وتبدو أفلامه ضعيفة فنيا، لكن بعض التقارير ترصد أنه ما زال، النجم الكوميدي الأول الذي يقبل الجمهور العربي علي أعماله، ويطلبها حتي عبر الوسائل الجديدة مثل الدي في دي وشبكة الإنترنت. لقد كان بمقدور ياسين أن يعطي ما هو أقيم وأعمق وأكثر لو وجد من يجيد توظيف استعداداته الفطرية الهائلة، حيث نجد أنفسنا في نهاية المطاف أمام إمكانات عبقرية تستنزف في أعمال ساذجة دارجة، بينما كان بمقدوره الوفاء بما هو أكثر قيمة وعمقا- ولنا في شارلي شابلن أسوة حسنة- لو وجد الظروف التي توظف قدراته الهائلة، التي تعززت بالحضور والقبول والكاريزما الطاغية، وذلك في مضامين إنسانية رفيعة المستوي. ولعل "إنسان غلبان" (1954) المأخوذ عن "أضواء المدينة" لشابلن، دليل علي ذلك.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.