بمناسة ذكري ميلاد الفنانة ذات الصوت الآسر ليلي مراد، أقامت الإدارة العامة للنشاط الثقافي بدار الأوبرا المصرية برئاسة آمال سعد الدين، بالاشتراك مع مركز تنمية المواهب برئاسة «عبدالوهاب السيد»، احتفالية فنية قدم لها الفنان سمير صبري الذي جاء متكئا علي عصاه عناية منه لتقديم الحفل نظرا لقيمة وقدر «ليلي مراد»، وأيضا الصداقة الجميلة التي ربطته بالقيثارة، إضافة لصداقته مع ابنها «أشرف وجيه أباظة» الذي حضر الحفل بصحبة أخيه الفنان «زكي فطين عبدالوهاب» وألقي كلمة قصيرة حيا فيها الجمهور الذي احتشد في المسرح الصغير بدار الأوبرا. استهل الفنان «سمير صبري» حديثه لجمهور الحفل بقوله الليلة سوف أحكي لكم حكايتي مع قيثارة الغناء ليلي مراد، والتي شرفت بتقديم دور «أنور وجدي» في مسلسل إذاعي - عرض لمشوارها - أمام الفنان «يسرا» التي قدمت شخصية «ليلي مراد»، ثم أضاف أن «ليلي مراد» بلدياتي، فقد ولدت في مدينة الإسكندرية في 18/2/1920 لأب يعشق الموسيقي والغناء هو المطرب والملحن المعروف «زكي مراد»، لقد أنجب باقة من البنين والبنات، لكن لم يورث نبوغه الفني إلا ل«ليلي» وأخيها «منير مراد». التحقت «ليلي» بمدرسة للراهبات، فاكتسب صوتها الصافي ثقافة بمشاركتها لفريق التراتيل، وكانت وهي بعد صغيرة تدندن بطقاطيق ذلك الزمان وتقلد أعمدة الغناء آنذاك منيرة المهدية وفتحية أحمد وبالطبع أم كلثوم، كان يتسيد المشهد السينمائي في مصر رائدات الشاشة عزيزة أمير وفاطمة رشدي وبهيجة حافظ، ولم يخطر علي بال الأب «زكي مراد» ولا البنوتة الرقيقة «ليلي» الظهور علي الشاشة، ولكن موهبة «ليلي» لم تغب عن أحد أهم رواد صناعة السينما المصرية «توجو مزراحي» وكان يهوديا مصريا أخرج وأنتج أفلاما بطولة «علي الكسار» و«يوسف وهبي» و«بهيجة حافظ»، كان «مزراحي» صائدا للمواهب ومكتشفا للنجوم فأقنع «بهيجة» بطلة فيلم الضحايا الناطق عام 1939 أن تستعين بغنوة - من خارج الكادر - بصوت الناشئة «ليلي مراد». وفي العام التالي كان «مزراحي» يحضر لفيلم الموسم «يحيا الحب» الفيلم الثاني لساحر النساء «محمد عبدالوهاب» والذي كتبه الأديب «عباس علام» ليخرجه «محمد كريم» وكان يبحث عن وجه جديد يتميز بالرقة والرقي لتقف أمام «عبدالوهاب»، كانت «ليلي» في ذلك الوقت فتاة في السابعة عشرة خجولة كحلم، رقيقة كطيف، حين قدمها «كريم» لعبد الوهاب، وجدها ملائمة للدور، غنت «ليلي» في الفيلم باقة من أعذب الألحان، غنت: ياما أرق النسيم، ويا قلبي مالك كده حيران، كما غنت مع «عبدالوهاب» دويتو «يادي النعيم اللي إنت فيه يا قلبي»، ولم تكن الشابة اليافعة علي دراية بحرفية الوقوف أمام الكاميرا إلا أن الفيلم نجح نجاحا كبيرا وكشف عن معدن صوتها البلوري فأفسح مساحة «ليلي» علي خريطة السينما. مر عامان دون عمل إلي أن دفع بها «مزراحي» لتقف أمام العملاق «يوسف وهبي» في فيلم «ليلة ممطرة» عام 1939 من إخراجه وإنتاجه، وفي ذلك الفيلم أبدت «ليلي» تفهما لحدود وأبعاد الكاميرا بفضل توجيهات «مزراحي»، شدت «ليلي» في الفيلم بباقة من أعذب ألحان كبار الملحنين كما رياض السنباطي وزكريا أحمد ومحمود الشريف، لفتت «ليلي» الأنظار واستحوذت علي الأسماع بينما كانت علي قمة الفيلم الغنائي سيدات الطرب أم كلثوم ورجاء عبده ونجاة علي غير منيرة المهدية. بعد نجاح «ليلي» في ليلة ممطرة كممثلة ومغنية انهمرت عليها أدوار البطولة، وتعد «ليلي مراد» هي الفنانة الوحيدة في السينما المصرية التي قدمت مجموعة من الأفلام تحمل اسمها كما «ليلي بنت الريف» و«ليلي بنت مدارس» وغيرهما ولم يماثلها في ذلك سوي الفنان الكوميدي «إسماعيل ياسين». في عام 1944 بدأ نجم «أنور وجدي» يلمع في سماء الفن وقرر أن يخوض مجال الإنتاج وكانت الفنانة «أسمهان» قد رحلت في حادث أليم فلم يجد سوي سندريللا السينما الغنائية لتشاركه بطولة أفلامه فأخرج لها عام 1945 «ليلي بنت الفقراء». ووفر لها أكبر الملحنين كما «محمد القصبجي» و«زكريا أحمد» و«رياض السنباطي»، غنت «ليلي» في الفيلم ليلة جميلة يا محلاها وأغنية اللي في قلبه حاجة يسألني، كما غنت احنا الاثنين والعين في العين. وعلي المستوي الخاص شعرت ليلي بفراغ كبير بعد رحيل والدها وكان أنور وجدي قريبا منها فأحبته وتزوجته، ومن الطريف أن ختم الفيلم بمشهد زواجهما في الواقع، كان «أنور» ينتمي إلي أسرة متدينة من أصل سوري، تعرفت «ليلي» خلالهم علي بعض مظاهر الدين الإسلامي فرغبت أن تعتنق الإسلام فاصطحبتها شقيقة أنور لتشهر إسلامها علي يد «الشيخ شلتوت». قدمت «ليلي» خلال أفلامها شخصية الفتاة الخجولة ذات الصوت الهامس، فقام العبقري «أنور وجدي» بإعادة صياغتها في قالب البنت المرحة الشقية التي تغني للحياة والحب أغاني مفعمة بالتفاؤل والبهجة فأحبها الجمهور في صورتها الجديدة، عملت مع «أنور وجدي» مجموعة من أجمل وأنجح الأفلام، ك«ليلي بنت الأغنياء» عام 1946 و«قلبي دليلي» عام 1947 و«عنبر» عام 1948 و«حبيب الروح» عام 1951 و«بنت الأكابر» عام 1953، ذلك كله إضافة لفيلم «غزل البنات» عام 1949 الذي استمر عرضه 14 أسبوعا وقيمه النقاد واحدا من أهم مائة فيلم في السينما المصرية. لقد شدت ليلي بأكثر من 2000 لحن، من منا لا تشجيه أغانيها كما اضحك كركر، بتبص لي كده ليه، اتمخطري يا خيل، أبجد هوز، الحب جميل، مين يشتري الورد، أنا قلبي دليلي، إضافة للدويتو الشهير مع «نجيب الريحاني» عيني بترف وراسي بتلف. لقد ساعدت ليلي زوجها الفنان «أنور وجدي» علي تطوير أسلوبه الفني بفضل سحر صوتها ولياقتها فتخطي حدود الأغنية الفردية والدويتو إلي الاستعراض الغنائي الذي يعد له الديكورات الضخمة ويشارك فيه عشرات الكومبارس ذلك الأسلوب يصل إلي ذروته في أوبريت اللي يقدر علي قلبي. لقد أحب الجمهور ليلي في أدوارها المرحة وأغانيها المفعمة بالتفاؤل، فكانت أنجح أفلامها مع «أنور وجدي» وأيضا أفلامها مع المخرج «هنري بركات» الذي أخرج لها ثلاثة من أبدع أعمالها هي «ورد الغرام» وفي الفيلم قدمت مع «محمد فوزي» الدويتو المشهور «شحات الغرام»، كما قامت ببطولة فيلم «من القلب للقلب» عام 1952 غير أنها في عام 1950 قدمت من إخراج «بركات» تحفتها «شاطئ الغرام» شدت فيه بأبدع أغانيها «رايداك والنبي» وأيضا «بحب اتنين سواء» و«يا أعز من عيني»، لقد مثلت «ليلي» 27 فيلما ياقية في ذاكرة ووجدان الشعب ويذكر أنها تعاونت مع عدد من كبار المخرجين، كما «أحمد سالم» و«حسن رمزي» و«نيازي مصطفي»، إضافة ل«يوسف شاهين» إلا أنهم قدموها في حالة بائسة وصورة بائسة فلم يقتنع بها الجمهور. وقد حدث أن فتر الحب وفسدت العلاقة بين «ليلي» و«أنور» فقد كان «أنور» غيورا يريد أن يستحوذ علي فن «ليلي» فثار ثورة عارمة حين انفردت باتخاذ قرار العمل مع النجم اللامع «أحمد سالم» في فيلم «الماضي المجهول» وحين حاول «أنور» إعاقته طلب منه أجرا لها قيمته 12 ألف جنيه ولم يكن المبلغ هينا عام 1946 مع الضائقة المالية التي يمر بها «سالم» ولكنه احضر المبلغ وحقق الفيلم وهو ما لم يغفره لها «أنور»، غنت «ليلي» في الفيلم باقة من أجمل الأغاني، غنت «أنا قلبي خالي واللا انشغل بك» و«حيران في دنيا الخيال». لقد دأب «وجدي» علي الإساءة ل«ليلي» إضافة لأنها كانت في أوج نضجها وكانت تتوق لأن تكون أما وحين اكتشفت عدم قدرته علي منحها طفلا قررت الانفصال عنه. أشاع أنور من فرط غيظه أن «ليلي» قد تبرعت بمبلغ 12 ألف جنيه لإسرائيل تلك الشائعة التي كادت أن تحطمها نفسيا وفنيا، ولكن التفاف صديقاتها من الوسط الفني حولها عاونها علي تحمل الصدمة. بعد قيام ثورة يوليو 1952 شاركت «ليلي» في قطار الرحمة واتخذت من شعار الثورة عنوانا لأغنيتها «الاتحاد والنظام والعمل» وقد شاء القدر أن يبتسم للفنانة الرقيقة فالتقت الضابط «وجيه أباظة» سليل الأسرة العريقة وتزوجها لتنجب له ابنهما «أشرف»، ولكن أسرته أبت عليه أن يتزوج بفنانة، رأت «ليلي» أن تخرج من حالة اليأس بعد انفصالها بالعمل في فيلم «الحياة الحب» وفيه غنت مجموعة من أجمل الأغاني، غنت «اسأل عليه» و«جواب حبيبي». وقد أراد «رمسيس نجيب» أن يجمع بين «ليلي مراد» والنجم الصاعد «عبدالحليم» فكلف «إحسان عبدالقدوس» بكتابة فيلم يجمعهما فكتب سيناريو «دعني لولدي» واستعدت «ليلي» للعمل كما استعد «بليغ حمدي» بمجموعة أغنيات بينها أغنية «تخونوه» التي سلبها عبدالحليم ليغينها في فيلمه «الوسادة الخالية» وقدمها للجمهور في حفل بحديقة الأندلس، وهو الأمر الذي أغضب «ليلي» فأعادت السيناريو إلي المنتج وأخبرته أنها صدمت في «بليغ وحليم». ويختتم سمير صبري حديثه بأنه التقي لأول مرة «ليلي مراد» في المعمورة وفي بيت صفية المهندس وبابا شارو ليلتها غنت ليلي مراد بعض أغنياتها الجميلة وكانت هناك سيدتان يتحدثان بصوت مسموع فلفت نظرهما «سمير» فما كان من «ليلي» إلا أن همست له بالشكر علي فعله، وفي الثمانينات كان «سمير» يحيي مع فرقته فرحا في الماريوت وكانت «ليلي» إحدي المدعوين ودعاها إلي الغناء فأبدعت كأنها لم تنقطع يوما عن المغني وبعدها التقي «ليلي مراد» بعد اعتزالها، وكان يصور فيلما في لندن فسألها أن تعود إلي السينما وكانت في أبهي صورها إلا أنها قالت له: أحب أن يحتفظ لي الجمهور بصورتي الجميلة. وفي ختام الحفل عرض «سمير صبري» مشهدا نادرا لليلي مراد وهي تغني في فرح الماريوت وعقبه شدت الفنانة الشابة إيمان عبدالغني بباقة من أجمل أغاني الفنانة الخالدة ليلي مراد لتعلو صالة المسرح بالتصفيق. لقد توفيت الفنانة الخالدة «ليلي مراد» عام 1995، ولكن الإبداع الصادق لا يموت ولا يفني، والآن ألا تستحق فنانة بقامة «ليلي مراد» أن يقام لها متحف يضم أعمالها؟! ذلك مطلب جماهيري نرفعه إلي وزير الثقافة.