لم ينجح فيلم (حد سامع حاجة) في منافسة باقي أفلام العيد علي مستوي الإيرادات لأسباب كثيرة بعضها يتعلق بنجومية أبطالها وبميزانيتها الإنتاجية، ولكنه بلا شك احتوي علي بعض العناصر التي تظل مؤشر نجاح نسبياً لأفلام الفانتازيا الكوميدية خاصة بعد أن غرقت أفلام السينما هذا العام في مستنقعات واقع العشوائيات والمهمشين بصورة مبالغ فيها، ويظل البحث عن الواقع ونكد العشوائيات وقصص حب تافهة وسطحية لشباب في الجامعة أو هموم الطبقة المتوسطة وغيرها من صور الواقع هي المادة المفضلة لكتاب السيناريو، سواء كانوا يكتبون فيلماً واقعياً أو كوميدياً أو «فيلم هجين وعجين» (كوميدي علي رومانسي علي غنائي علي أي شيء آخر). ويظل ابتعاد السينما المصرية عن الخيال والفانتازيا مثل الابتعاد عن شخص مريض بمرض مُعدٍ رغم أن الأيام والتجارب القليلة تثبت أن في هذه الأعمال جاذبية خاصة إذا تم الاهتمام بها، ويمكن ملاحظة أن أفلام الفانتازيا التي عرضت في هذا العام حققت نجاحاً ملحوظاً لأصحابها حتي وإن تفاوت هذا النجاح بتفاوت نجاح عناصر العمل، حقق مثلاً فيلم (1000 مبروك) نجاحاً كبيراً رغم أنه قائم علي فكرة خيالية تماماً لشاب يتكرر يوم واحد في حياته ينتهي دائماً بموته، وتبعه فيلم (طير إنت) علي الطريق نفسه، وأخرج فيلم (حد سامع حاجة) «رامز جلال» من فخ النمطية والتكرار في ثالث بطولاته المطلقة، وحتي مع الإقرار بأن الفيلم لم يكن ناجحاً بنفس مستوي نجاح (1000 مبروك) أو(طير إنت) لكنه بالفعل مختلف وبه بعض الإيجابيات رغم أن السيناريو أفسد الفكرة الجذابة التي بدأ بها الفيلم. ومن خلال هذه الأفلام الثلاثة التي تمثل أقل من 10 بالمائة من إنتاج السينما المصرية هذا العام يمكن اكتشاف أن الفانتازيا والخيال يقبلها الجمهور وتمثل عنصر جاذبية في السينما المصرية التي أصبحت تدور في فلك الواقع ولا ينجح منها سوي عدد قليل للغاية في الظهور بشكل جيد ومختلف، بينما يرصد الباقي الواقع بصورة مهزوزة وغير واضحة ومفتعلة تماماً كأنه يبحث عن قيمة أدبية تغطي عجزاً فنياً في صنع عمل إبداعي متميز، في بعض الأحيان يبحث صناع السينما عن الأكشن في الواقع لتقديم شكل مختلف عن رغي وسطحية أفلام تتحدث عن واحد فاشل بيحب واحدة وماشي طول الفيلم يهزر وهو وصاحبه الكوميديان (راجع فيلم البيه رومانسي وعلاقة محمد إمام ومدحت تيخة)، أو واحد «فاشل برضه» ومقهور في الحياة بسبب شرير الفيلم (راجع فيلم عزبة آدم وعلاقة أحمد عزمي وفتحي عبد الوهاب). بالطبع لا يمكن إغفال أن الأفلام الثلاثة السابقة مقتبسة من أعمال أجنبية، بعضها اقتبسها بتصرف ونجح في تقديمها بشكل جيد علي الشاشة، وبعضها اقتبس بشكل طايش وفشل في تقديم المضمون بصورة قوية أو مفهومة، ويمكن مراجعة فيلم (حد سامع حاجة) الذي كتبه «أحمد عبد الله» لأنه من هذا النوع الأخير علي عكس تصرف «عمر طاهر» في فكرة فيلم «Bedazzled» واقترابه في فيلمه (طير إنت) من أجواء عفاريت ألف ليلة وليلة وأفلام أخري قديمة مثل (عفريتة هانم) و(عفريتة إسماعيل يس)، وأيضاً الأخوان محمد وخالد دياب في إخلاصهما لروح فكرة فيلم «Groundhog Day» الإنسانية بغض النظر عن إنكارهما لاحقاً أن الفيلم مقتبس، وإذا كانت السينما المصرية الكوميدية حافلة بأفلام الفنتازيا الكوميدية مثل (الفانوس السحري) لإسماعيل يس و(من أين لك هذا؟) لمحمد فوزي و(طاقية الإخفاء) لعبد المنعم إبراهيم و(عفريتة هانم) لفريد الأطرش فلماذا لا يهتم صناع السينما بهذه النوعية؟ ولماذا لا يهتم كتاب السيناريو باستخدام خيالهم وعقولهم الخاصة بدلاً من الديفيدي بلاير وقناة «Mbc2» ؟ لدي مخرجي الأفلام الثلاثة (حد سامع حاجة) و(ألف مبروك) و(طير إنت) رغبة واضحة في استخدام المتاح من تقنيات سينمائية فنية لتحقيق أجواء الخيال والفانتازيا، يلفت المخرج «سامح عبد العزيز» في (حد سامع حاجة) النظر حينما ينجح في السيطرة علي مود الفيلم وأجوائه بخدع وتقنيات التصوير والمؤثرات حينما يقوم بتثبيت صورة الخلفية أثناء تحرك البطل الذي يكتشف أن الواقع حوله مجرد وهم خيالي، لأنه ليس إلا شخصية خيالية في ذهن مؤلف، أيضاً يبرع «أحمد جلال» في تنفيذ مشاهد موت «أحمد حلمي» المتكرر في (1000 مبروك)، وكذلك يقوم «أحمد الجندي» بصنع عفريت له مواصفات خاصة من خلال شخصية «ماجد الكدواني»، ومن خلال الشخصيات المتنوعة التي قدمها «أحمد مكي» في الفيلم.