نظمت القوى الإسلامية تظاهرات حاشدة فى الجيزة أمام جامعة القاهرة وفى عدد من المحافظات تحت اسم «الشريعة والشرعية»، وقد جرى الحشد من كل محافظات مصر، وكان حشدا ضخما بالفعل. وقد حرصت قوى الإسلام السياسى على الحشد باعتباره معيارا للقدرة التنظيمية والتعبوية من ناحية، ومؤشرا حاسما على الشعبية. حرصت رموز تيار الإسلام السياسى التى تحدث على منصتَى الجيزة على تأكيد أنها تعبر عن الغالبية وأن الشعب معها، وهو أمر مفهوم ومشروع، حتى الشعارات التى رُفعت تمجيدا للمرشد والرئيس أمر مفهوم ومتوقع، لكن الجديد الذى جرى ترويجه خلال التظاهرة هو أن ميدان النهضة المقابل لجامعة القاهرة بات هو ميدان الثورة الحقيقى وأن الثوار الحقيقيين يتجمعون فيه وحوله، وأن ميدان التحرير لم يعُد ميدانا للثورة بل بات ميدانا للفلول أى بقايا النظام السابق، وهناك من زاد على ذلك بأنه بات ميدان المؤامرة على الثورة، وبات البرادعى وصباحى جزءا من المؤامرة على البلد، يديران مع الفلول الثورة المضادة، وهناك من ذهب أبعد من ذلك بالقول إن البراعى وحمدين صباحى ومعهما عدد من الشخصيات العامة مثل الدكتور أبو الغار وجورج إسحاق وخالد على ينفذون أجندة أمريكية أوروبية للانقضاض على الثورة المصرية، وهكذا تحول إيقونة الثورة المصرية، ميدان التحرير، إلى ميدان للثورة المضادة، وبات رموز ثورة 25 يناير وأيقوناتها الحقيقية أمثال البرادعى وصباحى وأبو الغار وجورج إسحاق وخالد على وعبد الجليل مصطفى فلولا ومتآمرين على الثورة، تعالت الحناجر ضد هذه الرموز بالاسم، وكالت الاتهامات لعدد من صفوة الإعلاميين المصريين، فكل من لم ترضَ عنه الجماعة بات من الفلول ومن المتآمرين على الثورة، حلفاء أمريكا وأوروبا الذين يريدون إسقاط الرئيس الشرعى. هذا عدا سيول السب والقذف التى طالت أيقونات الثورة المصرية. كان الحشد الإخوانى السلفى ضخما، وقد وصلت رسالة الحشد، ليس فقط إلى القوى المدنية المخالفة، بل وصلت إلى مواطنين مصريين لم تكن لهم صلة بالسياسة منذ الخامس والعشرين من يناير وربما الكثير منهم لم يصوت فى الاستفتاءات والانتخابات التى جرت منذ الثورة، وصلت إليهم رسالة خوف وفزع من احتشاد يستهدف تغيير هوية مصر ومشاهدها، فالحناجر فى النهضة كانت تهتف بشعارات بعضها أخافَ المصريين غير المنتمين سياسيا. تلقف قادة ورموز تيار الإسلام السياسى رسالة الحشد فتحدثوا عن أن عدد من نزل فى النهضة تجاوز خمسة ملايين متظاهر، ومن ثم فقد قُضى الأمر، وجاء الرد فى خطاب الرئيس مرسى مساء اليوم نفسه بالسير فى الطريق المرسوم والمحدد سلفا، فقد دعا إلى الاستفتاء على الدستور فى الخامس عشر من ديسمبر الجارى، وأرسل رسالة تهديد مُبطَن للقضاة بأن لا ينصرفوا عن أداء المهمة. فى تقديرى أن نشوة الانتصار والفوز والتمكن قد سيطرت على تيارات الإسلام السياسى بعد تظاهرات السبت الأول من ديسمبر، نشوة قد تدفعهم إلى التحرك لتعطيل نظر المحكمة الدستورية صباح اليوم فى مصير «التأسيسية» ومجلس الشورى، وهو أمر إذا ما حدث فسوف يعد اعتداءً غير مسبوق فى تاريخ القضاء المصرى. عموما ما أود تأكيده هنا هو أن الرئيس وجماعته وعشيرته يتعاملون بمنطق الحشد والعدد، فلأنهم حشدوا أعدادا كبيرة فهم على حق فى القول بأن 90٪ من المصريين يؤيدون قرارات الرئيس، لذلك لا بد أن يرسل الشعب المصرى من خلال الاحتشاد فى ميدان التحرير الثلاثاء القادم رسالة يفهمها الرئيس، ومن خلال العدد فقط، فحسب حجم الحشد الثلاثاء القادم سوف تصل الرسالة إلى الرئيس، لا بد من حشد ضخم يقول للرئيس إن غالبية الشعب المصرى ليست معه، غالبية الشعب المصرى تخشى تغيير هوية مصر، تخشى اختطاف مصر وتغيير معالمها ومشاهدها وكل ركن فيها، رسالة إلى كل مصرى يريد الحفاظ على مصرية مصر، هويتها وروحها، وسطيتها واعتدالها... انزل إلى ميدان التحرير يوم الثلاثاء وساهم فى توجيه رسالة إلى الرئيس لأنه يتعامل مع المصريين بمنطق العدد، انزل إلى ميدان التحرير الذى يظل رغم محاولات التشويه، أيقونة الثورة المصرية