وثمة إشارة مهمة تتعلق بمصيرنا جميعًا، كبشر مختلفين، أو كأصحاب عقائد متعددة، فقد قال تعالى فى سورة الحج: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ» (17)، وهكذا ندرك أنه لا حق لنا فى الحديث عن مصير الآخرين، أصحاب العقائد الأخرى، فالحق وحده هو الذى سيحكم علينا جميعًا يوم القيامة، ومن ثَم على كل منا أن يجتهد ويعمل لآخرته، ويكف تمامًا عن الحكم على مصير الآخرين. وقال تعالى: «ألم تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَمَن فِى الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء» (18)، وهنا موقع السجدة الأولى فى هذه السورة ذات السجدتين، وهذه الآية تشير إلى ظاهرة الانسجام الكونى، أو جمال (الهرمونى الوجودى) وجلاله، والذى يراه الإنسان السوى فى جميع أنحاء الكون من حوله، كما يمكنك أن تعيشه بنفسك من خلال مناسك الحج، فملايين البشر يرتدون نفس الثياب، ويؤدون معًا نفس الشعائر، ويتبعون نفس الخطوات، ولنفس الهدف النهائى. ويمكنك أن تدرك من هذه الآية الكريمة أن الإنسان وحده، ودون سائر مخلوقات الله، هو الذى يمكنه أن يشذ عن مقتضيات الضرورة الحتمية، فيصبح نشاز فى وسط جمال الكون وكماله! وهذا الخروج الأحمق على سنن الحق سبحانه وتعالى، هو سبب ما يلاقيه كثير من البشر من صنوف العذاب الأليم. ومن ثَم يخبرنا المولى -عز وجل- عن حال أهل النار، وما هم فيه من عذاب شديد، ويتبع ذلك بحال أهل الجنة، وما هم فيه من نعيم مقيم، كما جاء فى قوله تعالى: «إنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ. وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ» (23-24). وهنا إشارة روحية إلى صفة رائعة من صفات أهل الجنة، ويمكنك أن تعرفهم بها فى هذه الدنيا، كما فى الآخرة، فقد هداهم الحق -سبحانه وتعالى- إلى الطيب من القول، فترى كلماتهم -دائمًا- كلمات طيبة وطاهرة ومشرقة وجميلة، تذكر المولى -عز وجل- وتثنى عليه بما هو أهله، وتترفع عن مقولة السوء، فإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، كما تراهم وقد هدوا إلى الصراط الحميد، أى الطريق المستقيم، فقولهم -دائمًا- حق، وفعلهم -دائمًا- صدق، ومن ثَم تراهم فى المكان الكريم الذى يحمدون فيه ربهم على كل ما هم فيه من نعم وخيرات، فهو -سبحانه وتعالى- ولى الذين آمنوا، إذ يخرجهم من الظلمات إلى النور. «يتبع».