كتب- محمد بكر ونجوى إبراهيم: اختص دستور مجلس النواب بعدد من الوظائف التشريعية والرقابية على أعمال السلطة التنفيذية وإقرار السياسة العامة للدولة، إلا أنه منذ حل برلمان 2010 في فبراير2011 لم تشهد الحياة النيابية في مصر تواجدًا على الساحة باستثناء انعقاد برلمان الإخوان الذي تم حله في يونيو 2012، وقد ترتب على ذلك فراغ تشريعي انقسمت خلاله أجهزة ومؤسسات الدولة بين مستفيدة من هذا الفراغ، وأخرى متضررة منه. الجهات المستفيدة من غياب البرلمان الحكومة حدّد الدستور العلاقة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية في المادة 101 حيث نصت على أن يتولى مجلس النواب سلطة التشريع، وإقرار السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية. وبالتالي فإن الدستور قد أسند وظيفة رقابة أعمال السلطة التنفيذية لمجلس النواب، وتختلف أدوات الرقابة وجهاتها على الحكومة إلا أن رقابة مجلس النواب هي التي تشكل الخطر الأكبر على الحكومة واستمرارها، حيث يترتب على ممارسة البرلمان لدوره الرقابي سحب الثقة من الحكومة أو على الأقل من أحد أعضائها، نتيجة استخدام إحدى وسائل الرقابة مثل الاستجواب أو طرح الثقة في الحكومة، أو نتيجة مناقشة تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات الذي قد يتضمن العديد من المخالفات المالية التي ترتكبها الحكومة بالمخالفة للقوانين واللوائح، إضافة إلى إقرار الموازنة العامة للدولة دون الحاجة إلى مناقشة البرلمان لها وإقرارها. رئيس الجمهورية نصت المادة 156 من الدستور على أنه لرئيس الجمهورية إصدار قرارات بقوانين، على أن يتم عرضها ومناقشتها والموافقة عليها خلال خمسة عشر يومًا من انعقاد المجلس الجديد، وهو ما يعني أن لرئيس الجمهورية سلطة التشريع في غياب البرلمان، الأمر الذي يستطيع معه رئيس الجمهورية من تنفيذ مجموعة القرارات والمشاريع التي تحتاج إلى استصدار عدد من التشريعات، سواءً كانت على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي والأمني في وقت قليل على عكس ما هو متبع في الإجراءات التقليدية للتشريع داخل أروقة البرلمان، حيث يمكن أن يستغرق التشريع الواحد مدة تتجاوز عدة أسابيع أو عدة أشهر أو قد يستغرق دور انعقاد كامل إذا كان من القوانين المثيرة للجدل. وقد شهدت الفترة السابقة إصدار ما يقرب من 350 قانون في غياب البرلمان خلال العامين الماضيين، مما يدل على أن الرئاسة مستفيدة من غياب البرلمان. الجهات المتضررة من غياب البرلمان الأحزاب السياسية بعد أن رصدت الأحزاب ميزانيات ضخمة للانتخابات الماضية التي تم فتح باب الترشح لها في 8 فبراير الماضي وأنفقت جزء كبير منها في مرحلة تقديم القوائم وأوراق المرشحين وإقامة الدعاية المبكرة، جاء حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية قوانين الانتخابات ليوقف آمال التأهل لمجلس النواب ويربك المشهد السياسي ويضع علامات استفهام حول الموعد القادم لإجراء الانتخابا. لتدخل الأحزاب وكوادرها مره أخرى دائرة الإنقسام حول أفضيلة تأجيل الانتخابات أم إجراءها، وإشكالية دستورية القوانين الانتخابية الجديدة من عدمها، ويبدو أن هذا الفصل من الجدل لن ينتهي في المستقبل القريب، إذا تلجأ الحكومة مؤخرا لتكرر خطأ نظام "مرسي" بتحصين البرلمان القادم من الحل من خلال تعديل المادتين (48) و (49) من قانون المحكمة الدستورية، لتدخل الأحزاب في جدل جديد حول مشروعية التحصين من عدمه. مؤسسات المجتمع المدني حالة من الترقب والقلق والركود تسود منظمات المجتمع المدني وبخاصة الحقوقية منها بسبب تأخر الانتخابات البرلمانية في مصر، ولعل ذلك لا يعود فقط لتوقف التمويل المخصص لمراقبة الانتخابات والإشراف عليها بقدر ما يتعلق بالأزمة الأخيرة ما بين مؤسسات المجتمع المدني ووزارة التضامن الأجتماعي بخصوص قرار الوزارة بتوفيق الأوضاع واعتراض المنظمات على القرار لرفضهم مواد قانون الجمعيات الأهلية رقم 84 لسنه 2002 وانتظار مجلس النواب للفصل ما بينهم، وحتى موعد إجراء الانتخابات البرلمانية تواجه تلك المنظمات توقف تام لأنشطتها. الحكم المحلي (المجالس الشعبية المحلية) 4 سنوات من غياب الحكم المحلي في مصر يعاني فيها المواطن من غياب الرقابة الشعبية المحلية علي الوحدات الإدارية والتنفيذية المحلية، فقد شهد عام 2008 آخر انتخابات محلية في مصر كان من المفترض بنهاية مدتها تعديل قانون الحكم المحلي في 2010 وهو ما لم يحدث وصدر قرار بتمديد عمل المجالس حتي 2012، إلا أنه تم حلها في 2011 عقب قيام الثورة، ومنذ ذلك التوقيت ويعاني المواطن المصري من سوء وتردي الخدمات والمرافق المحلية وتدهور وإهمال الأحياء، وتظل المجالس الشعبية المحلية بإنتظار انعقاد البرلمان القادم لإصدار قانون جديد لإجراء انتخاباتها. العلاقات الخارجية والدولية في غياب المجلس النيابي يتوقف التصديق على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تبرمها الدولة ويوقع عليها رئيس الجمهورية لحين انعقاد المجلس للتصديق عليها، وقد أبرمت مصر خلال الفترة الأخيرة عدد من الاتفاقيات الثنائية مع دول الجوار لم تدخل حيز التنفيذ بعد انتظار تصديق مجلس النواب عليها. النقابات المهنية تنتظر العديد من النقابات إجراء الانتخابات البرلمانية لتعديل قوانينها والفصل في إشكالياتها الداخلية كنقابة الصحفيين والمحاميين، كما يستمر عمل مجالس الغرف التجارية حاليا بالتمديد لغياب مجلس النواب، وهو ما يستدعي ضرورة وسرعة إجراء الانتخابات البرلمانية.