كأن الزمن لا يدور وكأنما النزاعات لا تسمو، والفكر لا يتطور نعود إلى الوراء، ونمعن فى الارتداد إلى فكر القرون الوسطى، إلى عصر الطغيان والاستبداد، إلى الأسياد والعبيد، فغشاوة العقيدة الموروثة تعمى البصر والبصيرة. أليس عجيبًا أن أولئك القائمين على تحقيق العدالة، هم أنفسهم الذين يخرجون لها ألسنتهم ثم يديرون لها ظهورهم. من المضحكات المبكيات أن يخرج علينا وزير العدل الأسبوع الماضى بتصريح صادم عن عدم أحقية وصلاحية أبناء الزبال تولى منصب القضاء، ومن المؤسف أن هذا التصريح يعكس فكرًا وممارسة طبقية طائفية تمييزية متغلغلة فى عقول وأجساد وضمائر من يتقلدون المناصب الكبرى ومن بيدهم السلطة والسلطان. هل نسينا عبد الحميد شتا، طالب كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الأول على دفعته عام 2005، الذى رفضت الخارجية المصرية تعيينه لأن أباه حارس عقار، فانتحر بإلقاء نفسه من فوق كوبرى 6 أكتوبر. وهل نسينا رفض الجمعية العمومية للمجلس الأعلى للقضاء فى 2013 قرار المجلس الخاص للشؤون الإدارية بالمجلس بالموافقة على فتح باب التقدم للنساء للتعيين فى وظيفة مندوب مساعد بالمجلس فى 22/8/2009، وبعد الثورة تم الإعلان عن فتح باب تقدم الخريجين الجدد للتعيين فى وظيفة «مندوب مساعد»، أولى درجات السلم القضائى، وعندما توجه عدد من الخريجات لسحب ملف، رفض الموظفون الإداريون بالمجلس التعامل معهن وأخبروهن أن التقديم مقتصر على الذكور فقط. وعندما أرسلت السفيرة ميرفت التلاوى خطابًا لمجلس الدولة تطلبه بتعيين الإناث بالمجلس تفعيلا لمواد الدستور الجديد، ما كان من مجلس إدارة نادى قضاة مجلس الدولة إلا أن أرسل خطابًا لرئيس المجلس بما نصه «ساء سائر قضاة المجلس الخطاب الخطيئة الصادر من ميرفت التلاوى، والذى تخطت فيه كل أصول اللباقة والأدب والأعراف فى مخاطبة شخصكم الرفيع بصفتكم رئيس أعرق هيئة قضائية فى مصر، وهو ما يمثل تدخلاً سافرًا غير مسبوق فى شؤون قضاة مجلس الدولة والذى يعد جريمة جنائية مكتملة الأركان، وفقًا لنص المادة 184 من الدستور الجديد». هكذا رأى مجلس إدارة نادى القضاة أن ميرفت التلاوى هى المسؤولة رسميا من قبل الدولة عن حقوق المرأة ومحاربة أى تمييز يقع عليها أنها تدخلت فى شأن لا يعنيها وأنها مست باستقلال كيان مجلس الدولة عندما طالبت بحق دستورى للمرأة! إنها قلعة محصنة غير مسموح للنساء بطرق أبوابها. ولا يسعنى فى هذا الصدد إلا أن أقدم فقرة من كلام إسماعيل مظهر، رئيس تحرير «المقتطف» قالها عام 1949: «ليست هذه البلاد مستعمرة للرجال تدار بمحض إرادتهم وتوزن أقدارها بمقتضى أهوائهم، وليس نساء هذه البلاد مستعبدات، ولسن إماءً اشتريناهن بالمال، بل هن محررات بحكم الطبع وحكم القانون، هن كائنات كاملات الحرية، كاملات الإنسانية، كاملات الحقوق. أما أن نقول عكس ذلك، ثم ندعى أننا شعب ديمقراطى حر يعيش فى أرض حرة، فإن ذلك يكون أبعد شىء عن منطق الواقع». هذا بالإضافة إلى الغبن الواقع على الأقباط فى ما يتعلق بالتمييز ضدهم فى تولى الوظائف العامة والمناصب العليا فى الدولة، الفقر والمرأة والأقباط ثالوث منبوذ ومفترى عليه فى المجتمع المصرى. كيف نمنع القمع وننبذ كل صنوف التمييز والتعصب؟ لن يتم ذلك بمعزل عن الرؤية الشاملة للمواطنة المنقوصة وإهدار حقوق الإنسان لمجمل المصريين، ودونما برنامج شامل للعدالة الاجتماعية وتوافر إرادة سياسية لتنفيذه.