فى الصفحة الأولى من كتاب التمييز الطبقى والاجتماعى والتفرقة بين المواطنين على أسس غير عادلة، نجد اسم عبد الحميد شتا. عبد الحميد شتا، شاب من أسرة بسيطة، ولد لأب مزارع مصرى بسيط من قرية ميت الفرماوى، مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية، ومنَّى نفسه أن يلتحق بالسلك الدبلوماسى، منذ كان طالبًا بالثانوية العامة، إلا أنه حصل على مجموع 85%. لم يكن هذا المجموع ليؤهله للالتحاق بكلية أحلامه «الاقتصاد والعلوم السياسية»، فقرر أن يلتحق بامتحان الثانوية مرة أخرى العام التالى، كى يحقق طموحه وحلمه، وبالفعل حصل شتا فى المرة الثانية على مجموع أعلى (95%)، يؤهله لدخول كلية الأحلام «كلية الاقتصاد والعلوم السياسية». شقّ عبد الحميد طريق الوصول إلى حلمه مهاجرًا قريته إلى قاهرة المعز رغم معاناته ومعاناة والده فى توفير مصاريف دراسته، وأنهى شتا سنوات دراسته بتفوق بتقدير «امتياز مع مرتبة الشرف»، وبدأ فى تحضير رسالة ماجستير عن «إصلاح المحكمة الدستورية فى مصر». فى أثناء ذلك، عمل عبد الحميد على تنمية مهاراته وإمكاناته، كى يؤهل نفسه للتقدم لامتحانات وزارة الخارجية للالتحاق بالسلك الدبلوماسى، واجتهد من أجل تعلم اللغات الأجنبية بمفرده، واستكمال رسالة الماجستير. كما كتب فى أكثر من مطبوعة مهمة منها: مجلة «السياسة الدولية» ومجلة «النهضة»، التى تصدرها الكلية، وصدر له بعض الأبحاث التى قدمها فى عديد من المسابقات، ونال بها المركز الأول، لذا كان له امتياز المشاركة فى المؤتمرات العلمية التى تعقدها الكلية. تقدم عبد الحميد شتا لوظيفة «ملحق تجارى» فى 2002، ونجح فى كل الاختبارات التحريرية، ومن بعدها الشفوية، وحاز على المركز الأول على منافسيه ال43، وصار من حقه التعيين، لكنه ذهب إلى اللوحة المعلن فيها نتيجة الفائزين، فلم يجد اسمه، مما أصابه بالدهشة، واتجه ناحية اللوحة الخاصة بالمرفوضين، فوجد اسمه، وسبب الرفض فى الخانة المقابلة لاسمه مكتوب فيها: «غير لائق اجتماعيًّا». انهار عبد الحميد بجانب حلمه، بعد أن أخذوا ابن شقيقة رئيس لجنة الامتحان، ولم يستطع تحمل الصدمة بعد كل هذا الكد والكفاح فى مطاردة الحلم، الذى بدا أنه سيظل مستحيلا، حتى لو حصل على كل شهادات الدنيا بسبب ظروفه الاجتماعية. أظلمت الدنيا فى وجهه، فأجرى مكالمة أخيرة مع زوجة أخيه، أوصى خلالها الأسرة على شقيقه الأصغر الذى يدرس الطب، ثم أغلق هاتفه المحمول، واتجه مباشرة إلى كوبرى أكتوبر العابر لنهر النيل، وألقى بنفسه وسط ذهول المارة، فى 18 يوليو 2003. اختفت جثته تحت مياه النيل، كأنها تتوارى عن أعين الناس والحياة، إلى أن ظهرت بعد ثلاثة أيام عند القناطر الخيرية على بعد نحو عشرين كيلومترا شمالى القاهرة. مات شتا غريقًا، فمنحته الصحافة المصرية لقب «شهيد الإحباط». كان شتا قد حاول لشهر طويلة العثور على عمل مناسب، وكتب رسائل وشكاوى لعدد من المسؤولين كى يحقق حلمه أو ينال حقه بموجب شهاداته وتفوقه العلمى. صمت الجميع، فمات شتا يائسا. لا بدَّ أنك تعرف عبد الحميد شتا الآن جيدا. اسمه على وجوه ملايين غيره من أبناء مصر، ممن يدفعون ثمن سياسات التفرقة والتمييز على أسس غير عادلة وغير دستورية فى المحروسة.