رغم أن أسباب الحرب الإقليمية فى المنطقة لا علاقة لها بأولويات مصر الاستراتيجية، فإنه نظرا للأزمة الاقتصادية التى تمر بها البلد وضعف الجبهة الداخلية نجد أنفسنا على شفا حفرة من التورط فيها بشكل مباشر. والكثير يتعامل مع الحرب من منطلق الأمن مقابل الغذاء، فيؤيدون التدخل العسكرى المصرى مقابل استمرار وزيادة الدعم الاقتصادى الخليجى. هذه الرؤية مبنية على افتراضية أن الانتصار فى الحرب محسوم، وبذلك «نقدم السبت علشان نلاقى الأحد قدامنا» تكتيك منطقى. لكن ماذا لو كانت تلك الافتراضية خاطئة؟ أولا، الخليج بصدد أزمة اقتصادية، ربما تعرقل تدفق المساعدات، فمع استمرار انخفاض أسعار النفط، إضافة إلى استنزاف الأموال بسبب الحرب لا يمكن معرفة مدى استمرارية الدعم الخليجى، بالأخص أنه منذ منتصف 2013 والدعم الخليجى لا يتوقف. لكن بعد مستجدات الاتفاق الإطارى بين إيران ومجموعة ال5+1 نهاية شهر مارس الماضى ستكون إيران لاعبا اقتصاديا هاما على المستوى الإقليمى، إذا ما تم التوقيع على الاتفاق النهائى قبل نهاية يونيو القادم. ثانيا، تفتقد السعودية حلفاء حقيقيين على الأرض. فالاستراتيجية السعودية فى اليمن على مدار السنوات السابقة كانت تعتمد على شراء الحلفاء من خلال الدعم المالى، لكن مع ازدياد وتيرة العنف والصراع فى اليمن وجدت السعودية نفسها بلا حلفاء حقيقيين تربطها بهم مصالح مشتركة أو مرجعية أيديولوجية وعلاقات متأصلة. وكما هو معلوم فإنه من يمتلك امتدادا له على الأرض ترتفع أسهمه فى الحرب، ولا يمكن لأى جيش أن يستبدل قواته بسكان الأرض الأصليين. ثالثا، تتجه السعودية نحو التصعيد المستمر نظرا لصراعها الممتد مع إيران، وهو ما سوف يؤثر على مساحة حركة مصر خارجيا التى تسعى إلى توسيع علاقاتها غربا وشرقا. فالاستقطاب الإقليمى سيفرض على مصر اختيارات ثنائية تفقدها القدرة على المناورة أو توسيع دائرة نفوذها إقليميا. فعلى سبيل المثال ستصطدم مصر مع بعض دول التحالف إذا ما رأت صيغة أخرى لحل الأزمة السورية، وهو ما يمكن أن يضعف التقارب المصرى الروسى. كما أن الجفاء فى العلاقات المصرية الأمريكية لا يمكن أن يستمر طويلا أو أن يكون مجرد انعكاس للعلاقة السعودية الأمريكية. رابعا، هذه الحرب ليست حربا عربية مشتركة لاستعادة دولة من بعض الإرهابيين، لكنها حرب سعودية خالصة لاستعادة الاستقرار من وجهة نظر أمنها القومى. ولا يوجد مانع فى دعم الأصدقاء والمشاركة فى الدفاع عن أمنهم القومى إذا لزم الأمر ذلك، لكن تختلف حسابات المشاركة فى الحرب على أساس دعم الحلفاء أو على أساس الدفاع عن الأمن القومى المصرى. ربما لا تمتلك مصر القدرة على لعب دور قيادى فى الحرب الحالية، نظرا لإرث نحو ثلاثين عاما من الجمود، لكن فى مثل هذه الظروف يجب أن نبنى تحركاتنا على أساس ثوابتنا الاستراتيجية، وهى الدعوة لحل سياسى حتى لو اشتركنا فى الحرب مرحليا بسبب الضرورة، وإعادة إحياء دور جامعة الدول العربية بالإصرار على التحرك من خلالها، والاستمرار فى توسيع قاعدة الشركاء والحلفاء من خلال لعب دور الوسيط فى حل بعض الأزمات مثل الأزمة السورية.