لم يكتف إعلام المصطبة باللعب على أوتار الجمهور الملتهبة ومشاعره المثيرة، وإعلاء ردود الفعل الانطباعية وإهمال العقل والتفكير العلمى المنظم، وإنما صنع لمصر أزمات «دولية» من فرط جاهليته وغوغائيته وليست المذيعة التى تطاولت على السفير الإثيوبى بالقاهرة قبل فترة، هى أول حالة، بل كانت تمضى على درب ممهد لهذا النوع من الإعلام الذى يخلط بين النقد والردح، فيمكن أن يخرج مذيع معلقًا على استدعاء السفير القطرى بالقاهرة إلى الدوحة، ردًّا على اتهام مصر الدولة رسميًّا لقطر بدعم الإرهاب فى الجامعة العربية، ويقول: يروح فى ستين داهية.. إلخ، وكلامه لا يختلف عن الهشتاج الذى دشنه كثيرون شتموا فيه قطر بقسوة شعبية، ونال انتشارًا كبيرًا، أى أصبح مقدم البرامج على الشاشة يتصرف كالجمهور الحر فى شبكات التواصل الاجتماعى، وهى حالة شائعة جدًّا فى مصر. وسبق أن تطاولت مذيعة ووصفت الشعب المغربى بصفات كريهة ما أنزل الله بها من سلطان، لمجرد أن تليفزيون المغرب وصف ما حدث فى 30 يونيو بأنه انقلاب، لتحدث أزمة كبيرة أخذت وقتًا لعلاجها. المدهش أنه لا مذيعة السفير الإثيوبى ولا مذيعة الشتيمة المغربية نالتا أى عقاب، وإنما انتقلت كل منهما من الفضائية التى كانت تعمل بها إلى فضائية أخرى، بينما فى أى مجتمع يحترم نفسه وعنده تقاليد وقيم فى الحرية والإعلام كان من المستحيل أن تمر الواقعة دون مساءلة وعقاب! لكن أكبر أزمة صنعها إعلام المصطبة كانت مع الجزائر بعد مباراة كرة القدم الشهيرة فى أم درمان بالسودان، على بطاقة التأهل لمونديال 2010، فى هذه الأزمة انكشفت كل عورات هذا النوع من الإعلام: نقص المعلومات، قلة المعرفة، رد الفعل السريع الجاهل، التوغل فى قضايا لا يفهم معناها ولا مدلولها، ولا يملك أى دراية بها، فأظهر الشتائم التى تبودلت بين عدد محدود من الجماهير الجزائرية والمصرية، كما لو أنها حرب شوارع بينهما على أرض السودان، والحكاية أن الجمهور الجزائرى أشار بحركات غير لائقة لابنى الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى المدرجات، وكان معهما مطرب مشهور على علاقة وثيقة بهما، فاتصل بالفضائيات المصرية مستنجدًا من الشوم والسكاكين التى تنهال على الجمهور المصرى، وكان كاذبًا، ودخلت على الفور كل الفضائيات تقريبًا على الخط، وتحولت إلى ساحة ردح ولا الست سكسكة ، وسكسكة فتوة ردح وضرب وحركات قبيحة، وكانت شهيرة جدًّا بالجيزة، وتُستأجر فى الخناقات والسباب، وحاولت الفنانة عبلة كامل أن تجسد شخصيتها فى فيلم (خالتى فرنسا)، لكن الفارق كان كبيرًا، لأن سكسكة لم تكن تعرف حدودًا ولا أخلاقًا على الإطلاق، ولسانها أكثر عريًا من أفلام البورنو ! المهم راح إعلام المصطبة يهيج الدنيا ويستفز المصريين فى الوطن على ما يجرى للمصريين فى أم درمان من ضرب وتقطيع وقتل وفقء عيون، وبالمرة أساء إلى السودان، وحتى حين وصل إليه أرقام الضحايا وحالاتهم، لم يتوقف، إذ كان عددهم 15 مصابًا بإصابات طفيفة للغاية، لم تستدع أن يمكث أىٌّ منهم فى المستشفى ولا ساعة، ولم يفكر أى مصطباوى فى معنى الرقم وظل يردح لأكثر من عشرة أيام! وللحديث بقية