التزم الإعلام المصرى هذه المرة بضبط النفس، فلم يتطوع هؤلاء المتخصصون فى الردح وفرش الملاية إلى توجيه شتائم للمملكة المغربية ردًّا على مذيع فى التليفزيون الرسمى قال إن ثورة 30 يونيو انقلاب ومرسى هو الرئيس الشرعى. أعلم أن إضافة صفة رسمية للقناة المغربية ليست عشوائية، والخبر الذى تبادلته أجهزة الإعلام فى مصر حرص على تأكيد ذلك، مما يشير إلى أن المملكة كان من الممكن أن تمنعه، وأنه خاضع للسيطرة من قبل الأجهزة هناك، ليصبح الوجه الآخر أو باقى الجملة المسكوت عنها هو: لماذا لم يتم وقفه؟ بدأنا بعدها وفى لحظات نبحث عن الدوافع، هل هو رد فعل لهذا الخطأ، أو للدقة الخطيئة ، التى ارتكبتها مذيعة فى قناة خاصة وتجاوزت فى هجومها على الشعب المغربى؟ أم أنها إحدى القنوات المصرية الخاصة المتهمة بولائها للإخوان أرادت الوقيعة وهاجمت الملك محمد السادس فجاء الرد المغربى واصفًا الثورة بالانقلاب؟ لن أتعب نفسى كثيرًا بالبحث، المهم أنه لم يضبط أحد من مقدمى البرامج المصريين إياهم وهو يرتدى زى الفتوة ويضرب بعشوائية فى كل ما هو مغربى ولا يعنيه إهانة شعب بأكمله، ما دام قد استشعر أن هذا هو المطلوب. من الذى منع المذيع الفتوة؟ والمذكر هنا لا يعنى أبدًا أنه لا توجد مذيعة فتوة، بل إن ما حدث فى الأشهر الأخيرة أثبت أن المرأة تتفوق أكثر فى هذا المجال، ويجيد بعضهن الردح على أصوله، واللى ما يشترى يتفرج. الدول أهم من الأشخاص، هل تعلمنا الدرس؟ أم أن هناك تعليمات للقنوات كلها بعدم الانزلاق إلى هذه الأخطاء المجانية؟ كلنا يعلم أن المغرب بها نسبة من الشعب لا ترحب بثورة 30 يونيو وتعتبرها انقلابًا، بينما المملكة رسميا كانت هى أول من أيد الثورة ورحب بخارطة الطريق، وهو ما حرص على إعلانه الملك مباشرة وفى أكثر من مناسبة. هناك قطاع من الشعب المغربى له وجهة نظر أخرى، سبق مثلًا أن تعرضت المطربة شيرين لمأزق مماثل قبل أكثر من عام عندما أعلنت موقفها السياسى المؤيد للسيسى فى إحدى الحفلات الغنائية على المسرح. ضبط مشاعر الغضب هو المطلوب حتى لا نعيد حالة التراشق غير المسبوق التى حدثت فى أواخر عهد مبارك فى أعقاب مباراة أم درمان، حيث امتد أتون المعركة إلى الوسط الفنى وشاهدنا عددًا من النجوم وهم يعيدون جوائزهم للسفارة الجزائرية، ووجدنا نجما كوميديا يتبرأ علنا من جذور والده الجزائرية! كان المطلوب وقتها هو إثبات الولاء للنظام الأسبق، النجوم اعتقدوا أن عليهم توصيل رسالة ترضى العائلة التى كانت تحكم مصر وزايدوا كعادتهم ولم يدركوا أنهم كانوا يسيئون إلى مصر أكثر من الجزائر. لن ندخل فى معركة مع قناة فضائية رسمية أو غير رسمية بالمملكة المغربية، يتحمل المذيع المغربى أو القناة تبعات هذا الرأى ولا نشهر بدولة ولا شعب. أتصور أن أصحاب القنوات أدركوا هذه المرة أن الدولة رسميا لن ترحب ولا هى ترغب فى الدخول فى معارك صغيرة، ولم يشعر أى منهم أنه فى اختبار إثبات الولاء. كنا فى الماضى عندما نختلف مثلا مع ليبيا نجد على الفور الكاريكاتير دخل طرفا وأشار إلى قصرية يجلس عليها معمر القذافى، ولو كان مهذبًا يكتفى بطاسة على رأسه. هل هى تعليمات أم أنه وعى ونضج فجأة لعدد من القنوات؟ أتمنى أن تكون الثانية، وإن كنت أعتقد مع الأسف أنها الأولى. الدولة رسميًّا لن تقف مكتوفة الأيدى أمام انفلات مذيع أو قناة، وكله مسؤول عن لغلوغه!