هل عندما يجلس «رجل ما» أمام الشاشة، وكأنه على «المصطبة»، ويردح لمن يشاء.. أو «يهبش» وزيراً، نسمى هذا إعلاماً؟!. أو عندما يأتى ضيف، ويقتحم البيوت، ويسب الناس بكل الألفاظ النابية كما يحلو له، بينما يضحك المذيع أو المذيعة، (فى حالة انشكاح)، وهو فخور بإنجازه الإعلامى العظيم.. يعد هذا إعلاماً؟!. بكل أسف أن هذا يحدث بشكل شبه يومى، بل ويجلب الإعلانات، ويرفع من أجر البرنامج، وتتناقله مواقع الإنترنت، تحت اسم الإعلام، رغم أنه لا يخلو فقط من مبادئ وأساسيات الإعلام، بل الأدهى من ذلك أنه يخلو من الأدب والأخلاق وينقل الوقاحة إلى بيوتنا وأولادنا!!. لقد عملت بالإعلام المرئى منذ عام 2000 (إعداد وتقديم)، وتنقلت بين عدة قنوات «عربية»، كانت مساحة الحرية المتاحة فيها أعلى بكثير من مساحة الحرية فى تليفزيون الدولة الرسمى. لكن كانت هناك ضوابط، ومحظورات، وجهة رقابة فى قنوات Art مثلاً، وكذلك فى روتانا.. أذكر أن الشيخ «صالح كامل» كان يعلق قائمة فى أروقة المبنى بالملابس الممنوع على المذيعات ارتداؤها.. ولم يكن لدينا -آنذاك- قنوات خاصة. فكرة القنوات الخاصة جاءت بتعليمات من «مبارك» -أثناء حكمه- لمواجهة قناة «الجزيرة»، ودخل التليفزيون الرسمى شريكاً فى قناتى «المحور» و«دريم» بنسبة 30%.. ومن كان يخرج عن السياسة العامة للدولة منهما -كما يحدث فى دريم- كان يُعاقب مادياً ومعنوياً وتضرب استثماراته. وبعد ثورة 25 يناير ظهرت العديد من القنوات، فقد أدرك رجال الأعمال وجماعة «الإخوان» أن الصحف والفضائيات أداة ضغط على أى سلطة. من هذه القنوات من أنفق ملايين على النجوم والديكورات ومحتوى البرامج، ومنها من استسهل واستعان بأشخاص لا علاقة لهم بالإعلام من قريب أو بعيد.. وبالردح والتطاول والعدوانية تحولوا إلى نجوم فى غمضة عين!!. لكنها نجومية تمحى بأستيكة «صاحب المحطة» متى شاء.. فلا معايير لأى شىء، لا أجور الإعلاميين ولا «الهرتلة» التى يمارسونها، ولا سياسة إعلامية واضحة لأى قناة عدا قنوات الأفلام والأغانى. هذا عن سلبيات الإعلام، لكن يظل الإعلام (مرئى ومقروء) هو رأس الحربة التى أطاحت ب«الإخوان» مع صمود القضاة، وحركة الجماهير.. وبكل أسف هذه البطولة زادت ما يسمى «تضخم النجومية»، فتحول بعض الإعلاميين إلى طغاة كل منهم يتصور أنه رئيس حزب أو زعيم الأمة، وحتى لا يعطى الكلمة لضيفه، ويفتى فى كل شىء من السحر والشعوذة إلى الأمن القومى.. إلا من رحم ربى!. الإعلام يعنى تقديم الأفكار والآراء إلى جانب المعلومات والبيانات للجمهور الذى يستقبل الرسالة الإعلامية، ويجب أن يراعى الحياد ويعرض الحقائق من كافة الزوايا، حتى يتمكن المشاهد من تكوين رأيه وأفكاره. لكن الإعلام فقد بوصلته ورسالته.. وعندما تتحدث عن «ميثاق شرف إعلامى» يهبون فى وجهك وكأنك تنتقص من حريتهم أو تدفن الديمقراطية فى مقبرة الأسس المهنية!. لقد التقى رئيس الجمهورية «عبدالفتاح السيسى» مع الإعلاميين، ليبصرهم بخطورة المرحلة الحالية، ثلاث ساعات يتحدث الرئيس عن الاستعدادات الجارية لعقد الاستحقاقات البرلمانية، وأوضاع الحريات فى مصر، وجهود الدولة لمكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار.. إلخ تلك الأمور الاستراتيجية.. ودور الإعلام فيها. لكن العلاقة الملتبسة بين الإعلام والسلطة لا تحدد ملامحها جلسة، فالإعلام انقسم بين النفاق والهجوم.. لا وجود للحياد والموضوعية!. ولا يوجد إعلامى يتقاضى الملايين سنوياً مستعد للتضحية بأجره (إذا خفت بريق الشو الذى يقدمه) من أجل الوطن!.. هذا بخلاف توجهات ومصالح «مالك القناة». هل أنا متحاملة على الإعلام المصرى؟!. ربما. لأنه أصبح أداة لنشر فضائحنا فى الخارج، أصبح «سبوبة» بعدما كان رسالة.. أقول هذا وكلى يقين أن لدينا إعلاميين يعدون على أصابع اليد الواحدة وضعوا رقابهم مقابل تحرير مصر من الإخوان وما زالوا يعملون لصالح الوطن. نحن لا نريد إعلاماً موجهاً، ولا حرية غير مسئولة.. فأول درس فى الإعلام يجب أن تتلقاه «شلة الردح والمصالح» هو: معنى مسئولية الكلمة والمسئولية الوطنية.. ربما ساعتها ينصلح حال الإعلام.