هل سمعت مرة كلمة أو اصطلاح ديجا فو ؟! أظن أن أغلب القراء الأعزاء لم يسمعوا بهذه الكلمة قَط، رغم أنها تشير عند علماء النفس إلى ظاهرة تداهمنا وتدهشنا فى أحيان ومواقف كثيرة، أى عندما نشعر بقوة أن بعض الصور والأحداث التى نشاهدها أو نعيشها فى اللحظة الراهنة سبق أن مرت علينا بكل تفاصيلها، وأنها ليست جديدة، بل مجرد شريط مصور جرى تسجيل المشهد أو الحدث عليه فى الماضى، وأن هناك يدًا خفيّة تعيد الآن عرضه من دون تعديل أو تحوير أو مونتاج ، وهو ما يُفقدنا الإحساس بسير الزمن وتتابعه ويملؤنا بشعور موحش بالرهبة والغربة وأن التاريخ تجمّد فأضحى حاضرنا هو نفسه ماضينا بحذافيره. ال ديجا فو هذا، اصطلاح مستخرج من قاموس اللغة الفرنسية (déjà vu) ومعناه الحرفى شوهد من قبل ، وقد حار الباحثون النفسيون فى تفسير تلك الظاهرة الشعورية وأخفقوا فى الإمساك بسبب أو أسباب محددة ومؤكدة وقطعية تقف وراء حدوثها، لكنهم ذهبوا مذاهب شتى فى محاولات لا تنقطع لتفسيرها سواء على الصعيد الجسمانى أو النفسانى، لكن أبرز وأقوى هذه الأسباب (المفترضة حتى الساعة) يعيدها عدد كبير من العلماء إلى مشكلات عارضة أو دائمة تصيب منطقة حفظ الذكريات فى الدماغ البشرى، وهو ما يفسر عندهم أن بعض الناس يتعرضون لهذه الظاهرة بكثافة وتكرار أكثر من غيرهم. باختصار، الثابت والمؤكد حتى الآن، أن العيب ليس فى الزمن والتاريخ، إذ إنهما لا يتوقفان أبدًا، وهما بطبيعتهما فى حالة حركة وسيرورة مستمرة ودائمة، ولكن العيب و التلف عندنا وفى أدمغتنا نحن البشر. عزيزى القارئ، لو كنت لا تزال تقرأ هذه السطور ولم تطح بالصحيفة كلها بعيدًا بعدُ، فأنا أكاد أسمع حضرتك تسأل بضيق ونفاد صبر: إيه مناسبة هذا الكلام كله عن الست ديجا فو هذه؟!.. هوّ احنا ناقصين وجع دماغ؟! الحقيقة أن المشهد العبثى الراهن يقطع بأننا ناقصين فعلاً.. دليلى على ذلك ليس دليلاً واحدًا، بل ألف على الأقل، سأنتقى من تلالها صورة الأخ أحمد عز الذى هو أحد أبرز وأقبح رموز نظام الأستاذ حسنى مبارك وولده، بينما حضرته يتحضر ويتلمظ ويتأهل رسميًّا هذه الأيام لكى يخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة كمواطن شريف عفيف، صفحة سوابقة نظيفة تمامًا من أية جرائم أو مصائب سوداء!! لقد تجاوز الأخ عز الحديدى الاحتكارى مرحلة إرسال الإشارات بأنه عائد من الماضى الأليم لينتقم (كما عاد أغلب زملائه فى العصابة) وكأنه لا شىء حدث ولا زمن مضى ولا تارخ اتكتب ولا شعب ثار، ولا أى حاجة أبدًا خالص البتة.. الآن صارت الإشاعة البغيضة حقيقة، فهو أنهى بالفعل الكشف الطبى اللازم لترشحه فى انتخابات يصعب جدًّا (البعض يقول مستحيل ) أن يسقط فيها.. لماذا؟! لأن المشهد المزرى القديم كله لم يتغير لا فى أدمغتنا أساسًا ولا على أرض الواقع. صورة أحمد عز الراهنة ليست شريطًا آتيًا من الماضى للعرض فقط، لكنه إنتاج مادى جديد للظروف والمعطيات والخرائب القديمة التى ثُرنا وانتفضنا (مرتين) وشققنا حناجرنا فى الشوارع والساحات بالهتاف للخلاص من زبالتها ، غير أن التلف والعطب الذى أصاب أدمغتنا وعقولنا تحت وطأة البؤس الطويل، أعجزنا ومنعنا من فعل أى شىء له قيمة يضمن أن نمشى على الطريق إلى مستقبل مختلف وأجمل وأنظف من زمن أحمد عز وباقى عصابة القط الأسود.. ربما فعلنا العكس، لهذا نشرب الآن من الكأس المسمومة نفسها. صباح الخير..