كتبت- أميرة إبراهيم: إقالة رئيس المخابرات العامة، تعتبر حدثا ذا دلالة خاصة فى أى دولة، حتى لو جاءت تحت اسم إعفاء من منصبه لا إقالة، وفى حالة اللواء محمد التهامى، فإن إقالته تعنى رغبة الرئيس السيسى فى طرح رؤية جديدة من خلال اختيار قيادة على دراية بأهداف المرحلة التى تعيشها مصر. مدير المخابرات العامة، اللواء محمد التهامى، عاد مؤخرا من زيارة إلى المملكة العربية السعودية، عقد خلالها سلسلة اجتماعات مع ولى العهد الأمير سلمان، ووزير الدفاع، ونظيره مدير المخابرات، وعدد من مسؤولى المملكة جرى فيها التطرق إلى ملفات عديدة، أهمها الأمن المشترك لمصر والخليج فى مواجهة تنظيمات إرهابية مدعومة دوليا، إلا أنه وبمجرد عودة التهامى أعلن قرار إحالته إلى المعاش، وتعيين نائبه مكانه. إقالة، أم إعفاء، أم معاش؟ التحرير حاولت طرح السؤال بأكثر من زاوية على أكثر من خبير، رأى بعضهم أن إقالة التهامى تعود إلى أسباب طبية بحتة تتعلق بالوضع الصحى للواء التهامى، الذى يمر بأزمة صحية ممتدة منذ شهرين، ويعالج فى الخارج، ورغم تأكيد اللواء المتقاعد، سامح سيف اليزل، وهو أحد المقربين من جهاز المخابرات، لوكالة أسوشيتد برس أن التهامى كان فى المستشفى لإجراء عملية جراحية فى الفخذ، ومع ذلك فلم يذكر أى من الجنرالات المقربين من دوائر الحكم أو من مؤسسة وجهاز المخابرات أن يكون التهامى تقدم بطلب إعفائه من منصبه لظروف صحية، بل إنه سافر إلى المملكة السعودية قبل أيام من خروج مبادرة الملك عبد الله للتقارب مع قطر، مما يلقى بظلال من الشكوك حول مصداقية الأسباب الصحية كسبب وراء ترك المنصب طوعا، أو كرها. التهامى الذى يعد -كما يحلو للبعض أن يصفه- الأب الروحى للرئيس عبد الفتاح السيسى، ليس فقط لأنه كان قائده فى سلاح المشاة، حيث تدرج الاثنان فى بادئ حياتهما العسكرية، ولكن لأنهما سلكا تقريبا سلكا متشابها فى الانتقال من الجيش إلى المخابرات الحربية، حيث عمل التهامى رئيسا للجهاز، قبل أن ينتقل ليترأس جهاز الرقابة الإدارية فى 2004، لمدة 8 سنوات، حتى أطاح به الرئيس الأسبق محمد مرسى، وأحاله إلى التقاعد بعد أن اتهمه بالتستر على الفساد، حتى كانت عودته للمخابرات العامه بعد انتهاء حكم الإخوان، فعينه الرئيس السابق، عدلى منصور، مديرا للمخابرات العامة فى 2013، بناء على ترشيح المشير السيسى له، وذلك بعد إقالة اللواء رأفت شحاتة، مدير المخابرات، الذى أقسم يمين الولاء لمرسى على المصحف لأول مرة فى تاريخ أداء اليمين القانونية، وبعد أكثر من عام بقليل يترك منصبه ويحال إلى المعاش ليلحق ربما مكرما بالمشير طنطاوى، الذى كان دائما يعتبر السيسى ابنا غير رسمى فى المؤسسة العسكرية، ولا يزال السيسى يحفظ ود الرجل، ويدعوه للمشاركة فى كل مناسبات الدولة، بشكل غير رسمى. اللافت أن مؤسسة الرئاسة كما تركت تسريبات خبر التصالح مع قطر تخرج وتنتشر بعيدا عن نوافذها، ثم اكتفت بالتأمين على بيان الملك عبد الله خادم الحرمين، أيضا تركت التسريبات تخرج أولا عبر فضائيات وبرامج حوارية ومواقع إلكترونية، تنازعت جميعها فضل السبق والانفراد بمعرفة خبر الإقالة، أو الإعفاء، أيا كان الاسم، وتبارت فى تنازع حق ملكية معرفة اسم المدير الجديد، لكن أيًّا منها لم يتأكد من مصادره التى لم تنف أو تؤكد، إذا ما كان منصب مدير المخابرات العامة، هو أول خطوة فى التغيير المنشود لمؤسسات الدولة الجديدة، أم أنه نقلة تكتيكية نوعية للتعامل مع واقع وقاعدة أمنية مخابراتية تستلزم إجراء من هذا النوع لمواجهة اختراق مؤسسة الرئاسة، تزامنا مع تسريبات واختراق مواز لهذا الجهاز وملفاته، فى إشارة واضحة للتسريبات الأخيرة، لبعض وثائق الجهاز إبان ثورة يناير. خروج التهامى من جهاز المخابرات فى هذا التوقيت ربما كان يمهد بقوة للرئيس أن يتابع خطوات الثورة على نظامه، حسب روشتة الأستاذ حسنين هيكل، فخروج أحد الصقور الشديدة المعروفة بتأييدها للسيسى، ورفضها سياسات الخنوع لابتزاز أمريكا وحلفائها من الإخوان، يفتح المساحة واسعة للرئيس للتخلص بأريحية ممن هم أقل ولاء وتجاوبا مع رؤية الإدارة التى تحكم مصر حاليا، أو ربما كانت تعارضها. الرئاسة خرجت فى اليوم التالى ببيان تؤكد أن التهامى ترك منصبه بقرار للرئيس بإحالته إلى المعاش، رغم أنه تجاوز سن المعاش من قبل إعادته إلى المخابرات عقب ثورة يونيو، كما صدر قرار آخر بمنحه وسام الجمهورية من الطبقة الأولى، تقديرا لجهوده وعطائه طوال مسيرته المهنية، وفى ذات البيان أكدت الرئاسة صدور قرار جمهورى آخر بتكليف خالد محمود فؤاد فوزى، بالقيام بأعمال رئيس المخابرات العامة، اعتبارا من 21 ديسمبر الجارى، وقرار رابع بتعيين محمد طارق عبد الغنى سلام، نائبا لرئيس المخابرات العامة، وبالفعل أدى اللواء فوزى يمين المنصب، واجتمع بالرئيس فى حضور نائبه الجديد. وبينما اعتبر بعض المراقبين الخطوة فرصة جيدة لتجديد الماء فى جهاز المخابرات العامة، تمسك آخرون بأن العمل فى أجهزة المخابرات لا يتغير بتغيير الرؤساء، ولكن يتم تحديث وتطوير الملفات وفقا للمستجدات. جهاز المخابرات العامة واحد من أكثر الأجهزة الأمنية ذات السمعة الذهبية بين أوساط المصريين، حيث تأسس الجهاز بقرار من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر عام 1954، وكلف زكريا محيى الدين بإنشائه، ثم على صبرى، لكن التأسيس الحقيقى للجهاز بشكل مؤسسى كان على يد صلاح نصر عام 1957، وتعاقب على رئاسة الجهاز بعد ذلك أمين هويدى، ومحمد حافظ إسماعيل، وأحمد كامل، وأحمد إسماعيل على، وأحمد عبد السلام توفيق، وكمال حسن على، ومحمد سعيد الماحى، ومحمد فؤاد نصار، ورفعت جبريل، وأمين نمر، وعمر نجم، ونور الدين عفيفى، وعمر سليمان، ومراد موافى، ومحمد رأفت شحاتة، ومحمد فريد تهامى. أما اللواء خالد فوزى، 58 عاما، فهو من أبناء الإسكندرية، وتولى منصب مدير المنطقة الشمالية والغربية بالمخابرات، وهو من أبناء الجهاز، حيث عمل فى هيئة الأمن القومى وهى جزء من المخابرات العامة، حتى وصل إلى منصب رئيس الهيئة، قبل ترقيته إلى قائم بأعمال رئيس الجهاز، ويعد إحدى أهم الهيئات المهمة داخل جهاز المخابرات العامة، ومنوط بها كشف قضايا التجسس، وحماية الدولة من التخريب، ويعمل فيه ضباط على مستوى عال جدا من الكفاءة، لكن نجم فوزى لمع بسرعة وفى فترة قصيرة، عقب الثورتين بفضل مساهمته فى كشف كل قضايا التجسس عقب الثورة، وأهمها قضية إيلان جرابيل الجاسوس الإسرائيلى، بميدان التحرير. اللافت هنا أن اللواء فوزى ينتمى إلى سلاح المشاة، نفس سلاح السيسى والتهامى، ثم التحق بجهاز المخابرات العامة برتبة نقيب، وتدرج فى الجهاز حتى ترأسه، وهو ما يعنى أنه ابن المخابرات العامة، أكثر مما هو ينتمى إلى القوات المسلحة، وبعد أن أدى اليمين، وأصبح مديرا للمخابرات العامة، كان أول المطلوبين للشهادة أمام محكمة جنايات الجيزة فى جلستها التى انعقدت الأسبوع الماضى، لمحاكمة 4 متهمين، من بينهم ضابطان بجهاز المخابرات الإسرائيلية موساد ، فى قضية اتهامهما بتكوين شبكة تجسس على مصر لصالح إسرائيل، حيث تأجلت القضية إلى أول يناير المقبل لتمكين الدفاع من استكمال الاطلاع والاستعداد للمرافعة.