هل ما حدث أمس من إلغاء لأكثرية الإخوان فى مجلس الشعب بعد قرار المحكمة الدستورية بحل البرلمان هو سيناريو مشابه لما حدث من صدام بين الإخوان والجيش فى أواخر عام 1954، وهو الأمر الذى انتهى بأن أصبحت غالبية قيادات الجماعة فى السجون؟ عدد من المؤرخين البارزين انقسموا حول هذه الفرضية، لكنهم جميعا اتفقوا على أن ثمة عقابا نال الإخوان على طريقة إدارتهم مجلس الشعب والعملية السياسية برمتها بعد سقوط مبارك، بينما تخوف بعضهم من أن يؤدى ذلك إلى أن تفقد الثورة سلميتها وتصطبغ بلون دموى. د.خالد فهمى، رئيس قسم التاريخ بالجامعة الأمريكية، رأى أن المقارنة بين 1954 و2012 غير ضرورية لفهم ما يحدث، معتبرا أن المصطلح الوحيد الذى يمكن إطلاقه على قرار حل البرلمان هو «انقلاب عسكرى باستخدام القانون ودون استخدام دبابات». لكن د.خالد ميز ل«التحرير» بين الوضع فى 1954 والوضع الآن، فى أنه قبل 60 عاما كانت القوتان الموجودتان هما الإخوان والجيش فقط، أما الآن فهناك قوة ثالثة هى قوة ميدان التحرير، حتى لو كانت هى القوة الأضعف، لكنها يمكن أن تلعب دورا ما، لم يتضح حجمه بعد، ليس هذا هو الفارق فحسب، هنا فارق آخر بحسب رئيس قسم التاريخ بالجامعة الأمريكية وهو الدور الذى يلعبه القضاء فى الإبقاء على النظام الأساسى للدولة ممثلا فى الجيش والشرطة، ضاربا المثل بذلك فى منح الضبطية القضائية للشرطة العسكرية والمخابرات الحربية، ومن قبله براءة قيادات الشرطة المتتالية فى قضايا قتل المتظاهرين، «هذه عناصر لم تكن موجودة فى ذروة أزمة 1954 إضافة إلى نقطة مهمة أيضا هى أن الجيش هو من قام بالثورة فى يوليو، ولم يفعل ذلك فى يناير». يوضح د.خالد وجهة نظره هذه قبل أن يستطرد قائلا «هناك رائحة صفقة ما بين الإخوان والعسكر فى كل ما يحدث. صفقة غير واضحة المعالم، وقد تكون ضمنية لكنها موجودة. وقد تشمل مثلا تخفيف حدة التصعيد القضائى ضدهم إذا تقبلوا حكم الدستورية، وأكملوا طريقهم فى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الجديدة. لكن المشكلة ليس فى هذه النقطة فقط، يصمت أستاذ التاريخ للحظات قبل أن يضيف: الوضع غير محسوم، واحتمال أن تنقلب هذه الثورة إلى ثورة دموية ارتفع ولم يقل. السؤال: «هل الجيش لديه القدرة على مواجهة هذه التطور؟» سؤال مرعب يبدو أن لا أحد يقدر على إجابته الآن فى ظل هذا الوضع الضبابى، لكن على عكس هذه الرؤية القلقة للمستقبل. يبدو صلاح عيسى، المؤرخ ورئيس تحرير جريدة «القاهرة»، أكثر هدوءا وأقل تشاؤما، يقول عيسى ل«التحرير»: «ما حدث سنة 1954 لم يكن صداما وحيدا بين الإخوان والجيش، ولكنه صدام مزدوج، الأول بين محمد نجيب واجهة ثورة يوليو ومن تبقى من مجلس قيادة الثورة يتزعمهم عبد الناصر، وهو ما ترتب عليه استقالة اللواء نجيب وحدوث ما يشبه الاشتباكات التى هددت بوقوع صدام بين بعض أسلحة ووحدات الجيش، حينها كان الإخوان فى المعتقلات بعد حل الجماعة فى يناير 1954، ثم أفرج عبد الناصر عنهم ولم ينحازوا حينها -بحسب عيسى- إلى القوى الوطنية التى التفت حول نجيب، وطالبت بعودة الضباط إلى ثكناتهم، وحدث تقارب ما بين عبد الناصر والإخوان ثم كان الصدام الكبير فى نوفمبر 1954 عندما اختلفت الجماعة مع عبد الناصر حول اتفاقية الجلاء، ثم وقعت حادثة المنشية فانتهى الأمر بعودة الإخوان إلى السجن»، يخلص عيسى إذن إلى أن ما حدث أمس لا علاقة له بما حدث فى 1954 بل إنه يذهب للقول بأن حل البرلمان أمر قانونى بحت لا علاقة له بأى توازن بين الجيش والإخوان، مستدركا «علينا أن نتذكر أن فتح باب الترشح على المقاعد الفردية للأحزاب جاء بضغط من الأحزاب والقوى الثورية، وهو الأمر الذى استجاب له المجلس العسكرى فى النهاية ليكون ثمن ذلك لاحقا هو حل البرلمان»، لكن هل يمكن أن يصعّد الإخوان من مواقفهم؟ يجيب عيسى: «لا أعتقد ذلك. الإخوان لديهم من الخبرة السياسية ما يجعلهم يدركون متى يصعّدون ومتى يلتزمون الصمت. وهم يعلمون جيدا أن الوقت الراهن ليس أفضل الأوقات للتصعيد، لأن شعبيتهم مسها تراجع، وأن خطأهم الرئيسى هو الانتقال من مرحلة المشاركة إلى المغالبة». د.شريف يونس، أستاذ التاريخ بجامعة حلوان، يذهب أيضا إلى عدم اعتماد المقارنة بين الزمنين، لأن النتيجة المباشرة لما حدث فى 1954 كانت تصفية الحياة السياسية نهائيا، مستبعدا أن يحدث صدام بين العسكر والإخوان، لأن كلا الطرفين ليس لديه تصور كامل لطريقة التخلص بشكل كامل جملة وتفصيلا من الطرف الثانى، وأن كلا منهما يدرك أن المعركة بينهما بالنقاط لا بالضربة القاضية، لكن هل معنى هذا أن الإخوان سيتخذون موقفا صامتا؟ يجيب د.شريف قائلا: «الإخوان ليس لديهم خيارات كثيرة. هم شاركوا فى الثورة بالقطع لكنهم بكل تأكيد ليسوا قوى ثورية، وشاركوا فى الثورة فى إطار توازنات لم يصنعوها هم بل فرضت عليهم. وبالتالى إذا قرروا النزول إلى الميدان سيفعلون ذلك وبمفردهم، ولن يأتى ذلك بأى نتيجة، لأن المجلس العسكرى يتبع هذا المنهج منذ فترة. انزل الميادين واحتج دون أن تنتظر نتيجة لذلك، ثم إن هناك ما يشير إلى وجود صفقة بين (العسكرى) والإخوان تحول دون وقوع أى صدام بينهما على الأقل فى الوقت الحالى». لا صدام متوقع إذن بين الإخوان والجيش لكن هل من خطورة ما من طرف ثالث؟ يقول أستاذ التاريخ بحسم: «الخوف كله من الفلول. الانتخابات الرئاسية ستظهر فيها أطراف غير منظورة. الفلول لهم طرق فى إدارة الانتخابات، عندهم إحساس أنهم أقوياء. ويريدون إثبات الولاء بكل الطرق حتى القذر منها»، يصمت قليلا ثم يضيف: «الفلول يعملون مع شفيق.. والمشكلة فى خطورة معسكر شفيق أنه خارج السيطرة.. حتى من شفيق نفسه».