مرت السائحة الأجنبية الجميلة أمام البازار الفرعونى، نادى البائع الشاب على السائحة، لكنها أشاحت برأسها وأكملت طريقها، لم يستسلم البائع فلاحق السائحة، وأخذ يلح عليها فتذمرت، وفجأة امتدت يده لتعبث بجسدها من الخلف. هنا تظلم الشاشة، ثم تضىء على «كلابشات» حول معصمى البائع المجرم، مع صوت فخيم يقول «مش بس إنت اللى ها تخسر.. كلنا ها نخسر.. السياحة خير لينا كلنا». المشهد السابق أحد إعلانات التوعية التى قدمتها وزارة السياحة قبل سنوات، وعلى الرغم من أن الإعلان قدم مشهدا واقعيا، بخصوص التحرش طبعا وليس الكلابشات، فإننى لم أنس أبدا عبارة «كلنا ها نخسر»، فقد كانت دليلا على أن الوزارة، تفكر بطريقة لا تختلف كثيرا عن عقلية البائع، فالإعلان لم يعترض على تحرش البائع بالسائحة باعتباره جريمة إنسانية، وأخلاقية، وطبعا دينية، بل خطيئة البائع هى أنه «بيخسرنا كلنا»، وبلغة الشارع «بيبوظ المصلحة». ثم سمعت من يقول بضرورة تطبيق «ضوابط شرعية على السياحة الأجنبية» فى مصر، وقد أسعدنى ذلك الخبر كثيرا، فالشريعة الإسلامية العظيمة، ومقاصدها الكبرى، تسعى إلى الأمانة، والصدق، وحسن المعاملة، ورعاية الضيف، وحماية الغريب، ولا شك أن الالتزام الشرعى سينعكس فى تحسين صناعة السياحة فى مصر، وأعتقد أن الالتزام بضوابط الشريعة يعنى ما يلى: العقاب الصارم لكل سائق تاكسى يتقاضى مئة جنيه من السائح عن مشوار لا تزيد قيمته الحقيقية على عشرة جنيهات، فالإسلام لا يعرف السرقة تحت مسمى «الشطارة». معاقبة كل صاحب بازار أو بائع يبيع للسائح أنتيكة صغيرة بمئتى جنيه، مع أن تكلفتها لا تزيد على خمسة جنيهات، فالإسلام لا يعرف النصب تحت مسمى «الفهلوة». معاقبة أصحاب الأحصنة والجمال الذين يتقاضون من السائح 300 جنيه لجولة صغيرة مع أن السعر الرسمى لا يتجاوز عشرين جنيها، فالإسلام لا يعرف....إلخ. معاقبة أصحاب المقاهى والكافيتريات والسماسرة والباعة الذين يخدعون السياح بأسعار هائلة قد تنزل بعد الفصال والمساومة إلى ربع ربع قيمتها، حتى أصبحنا نتمتع بسمعة عالمية فى ذلك المجال، حتى إن بطل «المريض الإنجليزى» الفيلم الحائز على 9 جوائز أوسكار، يقول للبطلة التى اشترت تذكارا من سوق مصرية: كيف اشتريت دون فصال؟ إن ذلك إهانة لهم! القضاء التام على عصابات التسول التى تحاصر السائح حتى قبل خروجه من المطار، بدءا من الشيالين وصولا إلى عساكر المرور وموظفى الفنادق وباعة المناديل وعمال النظافة و«أى حد معدى»، حتى أصبحت «كل سنة وإنت طيب» هى أشهر عبارة مصرية لأسباب لا علاقة لها بأى تهنئة، كما أن صورتنا «كدولة إسلامية» تدعونا لتذكر أن النظافة من الإيمان، فمن المضحك أن تطلب من السياح بمنتهى الفخر «احترام ثقافتك» فى الوقت الذى أصبحت فيه القاهرة عاصمة القمامة الأولى. العقاب العلنى لكل متحرش جنسيا، بالطبع فإن إحصاءات ظاهرة تحرشنا «بنسائنا وفتياتنا»، تمنحك فكرة عما يحدث للسائحات فى بلادنا، يكفى أن كتاب «Egypt»، وهو الكتاب ذو الغلاف الأزرق المميز الذى تجده فى يد كل سائح يزور مصر، الذى تصدره «الجغرافية الدولية» ضمن سلسلة «كوكب وحيد»، هذا الكتاب يعلم السائحات الأجنبيات الذاهبات إلى مصر ثلاث عبارات بالعربية، كلا إنها ليست «السلام عليكم، أو صباح الخير، أو مرحبا»، إنها فى الواقع العبارات التالية: «لا تلمسنى.. احترم نفسك.. حاسب إيدك». ويطلب الكتاب من السائحة «عدم النظر فى أعين الرجال المصريين»، ثم يقول فى ص 489: «احذرى الزحام الملىء بالرجال، قد يعبثون بجسدك من الخلف»، ومن الأفضل دائما، كما يقول الكتاب، أن تتجنب السائحة التعامل مع الرجال كلما أمكن، فإذا اضطرت إلى السؤال عن الطريق فلتبدأ بسؤال امرأة، وإذا استقلت المواصلات العامة فلتجلس بجوار سيدة، ولتحرص على ترك مسافة بينها وبين الرجل المصرى «لأن أى حوار برىء مع أحدهم قد يفسره المصرى بطريقه خاطئة». الكتاب الذى يباع منه مئات آلاف النسخ منذ سنوات، يضم نصائح مفزعة، لو جاز التعبير، تقرأ النصائح فتحمد الله على أن السياح لا يزالون يأتون، بعد أن كنت تستنكر قلة عددهم مقارنة بتركيا وماليزيا، اللتين لم تفكرا فى «تأديب وإصلاح السياح»، ثم تسمع بمسألة الضوابط الشرعية للسياحة، فتتمنى أن تكون كما استنتجت محاولة للقضاء على السرقة والنصب والقمامة والتسول وفوضى الحجوزات والتحرش الجنسى بالسياح، ومساعدتهم ولو حتى بدورات مياه آدمية فى الشوارع، فلا يمكن أن يظن أحد، أن ضوابط الشريعة العظيمة، هى إجبار السياح على نزول البحر بالجلابية. وأخيرا، القصة التالية لا علاقة لها إطلاقا بالموضوع، وهى تحكى عن باشا خسر كل ما يملك، واضطر أن يسرح فى السوق على عربة خضراوات، فأخذ ينادى على الزبائن صائحا: «جرجير يا كلاب، فجل يا غجر».