منذ توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979 التى أتاحت تبادل السفراء وإقامة علاقات كاملة قبل تحرير كامل الأراضى المصرية من العدو الإسرائيلى، لم تتوقف دعوات المقاطعة لإسرائيل، وطرد السفير المفروض على الشعب المصرى. وفى كل مناسبة وغير مناسبة تخرج المظاهرات ضد إسرائيل تطالب بطرد السفير الإسرائيلى من مصر. ولم يقتنع الرئيس الراحل أنور السادات بمطالب الشعب والقوى السياسية التى رفضت السلام المفروض عليها ووجود سفارة وسفير للكيان الصهيونى فى القاهرة. واستمر فى سياساته التطبيعية مع إسرائيل رغم إصرار الأخيرة على اغتصاب الأراضى العربية واحتلالها. وفى طيات تلك المعاهدة استسلام لا سلام. واستطاعت إسرائيل أن تحصل على مكاسب كثيرة من السادات عبر تلك المعاهدة، ورضخ لهم السادات من أجل أن ينادى عليه ب «رجل السلام». وعندما هاجم تلك المعاهدة أعضاء فى مجلس الشعب لم يتحمل السادات ذلك الهجوم وأصدر قرارا بحل المجلس، وهو مجلس 1976 الذى كان يمثل أنزه انتخابات أجريت فى مصر. واعتبر السادات كل معارضى معاهدة السلام مع إسرائيل معارضين له شخصيا. ليتأزم موقفه فى سبتمبر 1981 ويعتقل قائمة من سياسيين وكتاب ورجال دين بلغ عددهم 1536 يمثلون جميع الاتجاهات السياسية المتعارضة ضمن مجموعة قرارات اتخذها ضد الحريات وضد المعارضة. وبرر السادات الاعتقالات بعدم إعطاء إسرائيل ذريعة للتنصل من تنفيذ تعهداتها بالانسحاب من سيناء، وبعد 33 يوما من إصدار السادات ذلك القرار يجرى اغتياله أمام العالم فى احتفالات ذكرى حرب أكتوبر. ويرث مبارك تركة السادات، ويسير على دربه فى استمرار العلاقات مع إسرائيل. وتستمر المظاهرات، أى مظاهرات، فى رفع شعارها بطرد السفير الصهيونى من مصر. ويزداد الغضب الشعبى فى مصر ضد إسرائيل مع الاجتياح الإسرائيلى للبنان عام 1982، واقترافها مجزرة صبرا وشاتيلا فى لبنان ضد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، فيضطر حسنى مبارك إلى سحب السفير من إسرائيل (كان وقتها سعد مرتضى). وتكرر الموقف ذاته فى عام 2000 (21 نوفمبر) حيث حدث تجاوب من النظام المصرى مع المطلب الشعبى بسحب السفير من إسرائيل مرة ثانية مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية فى سبتمبر 2000 ووصول شارون بعد ذلك إلى رئاسة الحكومة وتوسعه فى إجراءات القمع تجاه الشعب الفلسطينى.لكن مبارك ونظامه وحكومته رفضوا بإصرار المطالب الشعبية بقطع العلاقات مع إسرائيل أو طرد السفير الإسرائيلى من القاهرة. ولم تتأثر العلاقات بين مصر وإسرائيل فى عهد مبارك بحوادث إطلاق النار على الجنود المصريين على الحدود بين البلدين أو حتى مع عرض التليفزيون الإسرائيلى فيلم «روح شاكيد» الذى تناول قتل إسرائىل للأسرى المصريين بدم بارد فى أثناء حرب يونيو 1967، لدرجة أن أحمد أبو الغيط وزير خارجية حسنى مبارك اعتبر ذلك «لا يبرر قطع العلاقات مع إسرائيل». بل إن الرئيس المخلوع حسنى مبارك عمل على تقوية علاقاته الشخصية بقيادات إسرائيل الملطخة أيديهم بدماء المصريين وإخواننا الفلسطينيين. فأصبحوا جميعا أصدقاء له من شارون إلى بن إليعازر وصولا إلى نتنياهو وتسيبى ليفنى التى اتخذت قرارها بالاعتداء على غزة فى أواخر عام 2008 وأوائل عام 2009 وارتكاب مجازر وجرائم حرب فى حق الشعب الفلسطينى من القاهرة بعد لقائها مبارك! وجرى تسريع العلاقات التطبيعية بين البلدين، ولم يعد الأمر فى مجال الزراعة فقط التى تولاها يوسف والى وإنما تعدى الأمر إلى الصناعة والتجارة فكانت اتفاقية «الكويز». وكان الأمر الجلل هو اتفاقية الغاز، التى جعلها مبارك ملحقا إضافيا فى اتفاقية السلام. وهو ما يعد خيانة كبرى فى حق الشعب المصرى.. يحرمه من الغاز ليهديه إلى إسرائيل. فكان مبارك يعتبر إسرائيل حمايته ومندوبته لدى أمريكا ليظل فى الحكم ويورثه من بعده لابنه. لكن الله سلّم، وقامت الثورة التى ترى أن العلاقات مع إسرائيل لا بد من إعادة ترتيبها مرة أخرى. ولا يمكن أن تقوم إسرائيل بالاعتداء على الحدود وإطلاق النار على الجنود ليسقطوا شهداء والشعب يسكت.. ف«مصر الثورة» غير «مصر مبارك». آن الأوان لتعديل المعاهدة مع إسرائيل .. وآن الأوان لطرد السفير. يا أيها الذين فى الحكومة.. يا أيها الذين تديرون البلاد.. استمعوا إلى ما يريده الشعب.