من يكتشف المواهب؟ هناك من يستطع أن يقرأ تلك الإرهاصات فى الصوت أو الملامح أو الأسلوب ويبشر بها، ولدينا عدد نادر من الذواقة لكل فنون الإبداع، هكذا كان مثلاً الشاعر والصحفى الكبير كامل الشناوى الذى نحتفل هذه الأيام بذكرى رحيله 49 وميلاده 106، وكان متخصصًا فى اكتشاف وتلميع المواهب وفى كل المجالات، فى الصحافة والأدب والموسيقى والغناء، ولم يخطئ ولا مرة فى الرهان، وهكذا قدم مثلا للصحافة مواهب بحجم أحمد رجب ومحمود السعدنى وموسى صبرى وصلاح حافظ، وفى الموسيقى كمال الطويل وبليغ حمدى، وفى الغناء عبد الحليم وفايزة ونور الهدى وغيرهم وغيرهن. على الجانب الآخر يحفل تاريخنا الفنى بعديد من الأحكام الخاطئة، حيث كان الانطباع الأول ليس فى صالحها، فريد الأطرش لم يتحمس فى البداية لصوت صباح عندما استمع إليها لأول مرة فى الإذاعة اللبنانية، ثم صارت هى المطربة الأقرب إلى أنغامه ووجدانه، حكى لى مثلاً عادل أدهم أنه عندما قرأ فى نهاية الأربعينيات أن شركة إنتاج يديرها أنور وجدى تبحث عن وجوه جديدة تقدم إليها، وقال له أنور بمشاعر باردة بعد اختبار قصير: «سيب رقم تليفونك عند السكرتيرة ولما نعوزك ح نطلبك»، وبينما هو فى طريقه لمغادرة المكتب تناهى إلى سمعة صوت أنور وهو يقول لأحد مساعديه: «هو كل واحد عيونه خضرا وشعره أصفر يفتكر نفسه ح يبقى نجم سينمائى». ملحوظة: عادل لا شعره أصفر ولا عيونه خضرا، وأبعدته تلك الكلمات عشر سنوات عن بداية مشواره السينمائى. شىء من هذا من الممكن أن تجده مثلاً فى رأى المنتجة مارى كوينى عندما أراد المخرج عاطف سالم أن يصور عبد الحليم وهو يغنى فى «تترات» فيلمه «فجر»، اعترضت مارى وقالت للمخرج «وجه عبد الحليم ليس فوتوجينيك»، أى أن ملامحه لا تصلح للتصوير أمام الكاميرا، وطلبت منه أن يكتفى فقط بتسجيل صوته، ولم ينسَ حليم هذا الموقف، وعندما صار نجم شباك وطلبت التعاقد معه على فيلم جديد بثلاثة أضعاف أجره فى «لحن الوفاء» قرر أن يرد لها الصفعة ورفض العرض. ليلى مراد التى مرت ذكراها التاسعة عشرة الأسبوع الماضى اعترض عليها محمد كريم، أحد أهم رواد الإخراج فى مصر والعالم العربى، وقال إن تكوينها الجسدى يخاصم الكاميرا وخجلها يحول دون أن تصبح ممثلة، فلم تكن حتى تستطيع أن تضحك فى أى موقف درامى يتطلب ذلك، فكان يستعين بكومبارس ليسجل ضحكتها فى فيلم «يحيا الحب»، بعد ذلك صارت ضحكتها فى أغنية «إضحك كركر» عنوانًا للبهجة. المخرج محمد فاضل معروف عنه أنه مكتشف المواهب الأول عبر الشاشة الصغيرة، وقدم لأول مرة نور الشريف ويحيى الفخرانى وآثار الحكيم وبوسى وغيرهم، إلا أنه عندما تقدم له محمود عبد العزيز، قال له إنك لا تصلح للتمثيل، وكان محمود قد أنهى دراسته الجامعية بكلية الزراعة وحاصل على الماجستير، إلا أن حلمه الأثير كان التمثيل، فقرر فى لحظة غضب أن يسافر إلى «فيينا» ليس من أجل «ليالى الأنس» كما تغنى أسمهان، ولكنه كان يائسًا من ضياع حلمه، إلا أنه لم يستطع مواصلة الهجرة وعاد بطلاً على الشاشتين وعمل مع أغلب المخرجين ما عدا مخرجًا واحدًا وهو محمد فاضل. المعروف أن فيروز التى احتفلنا ببلوغها شاطئ التاسعة والسبعين من عمرها لم يكن عاصى متحمسًا لها وعاملها بقدر من الجفاء فى اللقاء الأول، بينما شقيقه منصور رحبانى قال إنها لا تصلح للغناء الراقص، وبعدها كوّن الثلاثى أهم محطة فى تاريخنا الغنائى العربى منذ الخمسينيات. كان من المفترض أن تلعب سعاد حسنى الجزء الأول من فيلم «البنات والصيف عام 60»، ولكن المخرج صلاح أبو سيف لم يقتنع بها وأسند دورها إلى سميرة أحمد، ومضت سبع سنوات لتصبح سعاد هى الترشيح الأول لصلاح أبو سيف لأهم أفلامه مثل «القاهرة 30» و«الزوجة الثانية». كم أنتِ ظالمة أيتها الانطباعات الأولى!