فى اللحظات الأولى لبداية العام الجامعى، بدأ العنف يطل من الأبواب. فى مقالى الأسبوع الماضى كنت قد وضعت مجموعة من التوقعات للأيام المتبقية من 2014، متوقعا عودة العنف إلى الجامعة. صحيح لم أتوقع أن يعود بهذه السرعة، لكن فى النهاية كل قريب من الشأن الجامعى يعرف أن العنف لن يتوقف هذا العام. لا تقتصر الأمور حول مشاركة هذه الشركة أو تلك فى تأمين الطلاب، ولا فى عقد هذا الحوار أو ذاك، ولكنها ترتبط بمشكلة أكبر لا يمكن أبدا حلها بتبسيط الأمور وتسطيحها. فى هذه السطور يمكن تحديد خمس قضايا كبرى مسكوت عنها فى معالجة المشهد الجامعى، وهى قضايا من شأنها إيضاح حقيقة وعمق أزمة الطلاب لو أردنا حقا حل هذه المعضلة. أولا: أزمة الطلاب ليس أزمة جامعات ولا مدارس، ولكنها أزمة أعمق تتعلق بالنظام السياسى العنيف الذى يصر على اتباع حزمة سياسات أمنية قمعية بحجة حفظ هيبة الدولة، وهى سياسات قمعية بامتياز أججت الانقسام فى المجتمع وحفزت الطلاب للانتقام. لماذا يريد أن ينتقم الطلاب؟ ببساطة لأنهم جزء من المجتمع يتأثر بانقسامه ويعانى من العنف الدائر فى طرقاته. هل يعرف صانعو القرار كم طالبا لديه قريب أو صديق أو جار متوفى أو مصاب أو محبوس أو حتى مفرج عنه مؤخرا خرج ليحكى له عن ظلم السجن وأيامه البغيضة؟ ما دام النظام الحالى مستمرا على سياساته، فسيستمر العنف دائرا فى الجامعات، فحرم الجامعة لا ينفصل أبدا عن حرم البلد وحرمة دماء أبنائه. ثانيا: أزمة الطلاب هى أزمة جيل كامل من الشباب، تفتح وعيه على شعارات نضالية وتوقعات عالية وحريات لا محدودة، وحراك سريع، واحتكاك غير مأزوم ولا مهدد، ثم فجأة انغلقت المساحات وتهدد الحراك، وتبخرت التوقعات، هو شباب مصدوم ومكلوم ومزيد من الأمن والقمع لا يعنى سوى مزيد من ردات الفعل العنيفة. إذا ضاع أمل هؤلاء الشباب فى أى إصلاح أو تغيير، ضاع مستقبل هذا البلد، لأن كل طالب وطالبة سيكونون إما قنابل موقوتة قابلة للانفجار فى أية لحظة، وإما مشاريع انسحابية انهزامية، دون حل مشكلات هذا الجيل أو على الأقل تقديم إرهاصات حلول سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ستظل مشكلات هذا الشباب قائمة. ثالثا: أزمة الطلاب أيضا أن بينهم إسلاميين كثيرين بين إخوانى وسلفى وما بينهما، أحببنا ذلك أو كرهناه لكنها الحقيقة، ووظيفة صانع القرار ليس فى الحب أو الكره، لكنها فى تحليل الواقع والبحث عن بدائل مختلفة لحزمة السياسات التى ينوى اتخاذها بخصوص القضايا المتشابكة، محاولة تكرار سيناريو التخلص من الإخوان فى المشهد العام واستنساخه داخل الحرم مستحيل، ومن شأنه زيادة العنف وتأجيجه، ومن هنا فكل السياسات التى تسعى إلى التخلص من الطلاب الإخوان أو الإسلاميين بشكل عام دون سند من القانون والعدل وبعشوائية، من شأنها أن تؤدى فورا إلى مزيد من إشعال الموقف. الحل هو فى تطبيق القانون على الطلاب دون تمييز بين إخوانى أو غيره، لا بحمل أسلحة خفيفة أو ثقيلة أو ما شابه من أدوات عنف مقابل التمتع بحرية واستقلالية داخل الحرم الجامعى فى ظل الالتزام بالقانون. رابعا: أزمة الطلاب أيضا أن بينهم من هو ليبرالى ويسارى ووسطى و«ماشى جنب الحيط»، هؤلاء أيضا طالهم قمع بدرجات متفاوتة سواء داخل الحرم الجامعى أو خارجه، ويصر النظام على تجاهلهم كأنهم ليسوا على الخريطة لادعاء أن المواجهة الأساسية هى بين الدولة والإخوان خلافا للحقيقة! هؤلاء الطلاب لهم حقوق والغالبية العظمى منهم لم تتورط فى عنف، لكنهم يسعون للحفاظ على مساحة الحرية التى حصلوا عليها منذ يناير 2011، وهذا من خالص حقهم، فما الذى يضير الدولة فى ذلك؟ خامسا: ستظل هناك أزمة مع الطلاب ما دام المسؤولون يصرون على أن الجامعة «للعلم فقط»، ويحاولون التحايل على اللوائح بمنع الأنشطة السياسية للطلاب، فمن حق الطلاب ممارسة السياسة داخل الجامعة، من حقهم دعوة رموز الأحزاب السياسية، من حقهم دعوة الشخصيات العامة، من حقهم تنظيم المناظرات، من حقهم تنظيم الوقفات الاحتجاجية ما دامت داخل الحرم ولم تتطور إلى عنف أو تدمير أو تعطيل للدراسة. سادسا: ستظل هناك أزمة طلاب ما دامت هناك أزمة أساتذة يعملون فى سياق سلطوى لا يعترف سوى بالأقدمية ولا يقدم الكثير لدعم البحث والتفوق والتفرغ والتركيز للإبداع، نظام يعمق الاستقطاب بين الأساتذة أيضا ويسعى إلى تصفية الحسابات مع بعض خصومه منهم. ما دام تم تشويه الأستاذ سيتم تشويه المنظومة بأكملها إذن! ما المطلوب لحل المشكلة؟ كما هو واضح فالمشكلة أعمق مما تبدو على السطح أو كما يروج لها البعض ممن يدمنون نفاق الحاكم والسير بسياسة «كله تمام»، المطلوب أولا أن يتم حل مشكلات المجتمع وحل انقسامه عن طريق عملية تفاوضية إصلاحية تدريجية تبدأ اليوم وليس غدا، تحاسب كل من تورط فى إراقة دماء الأبرياء هنا أو هناك، بالتوازى مع إصلاح المؤسسات الأمنية والإدارية فى الدولة، مع اعتماد الحوار كأداة استراتيجية للتواصل بين كل الأطراف واستبعاد من يخرق القانون أو يعتدى على الناس ويروعهم، المطلوب عقليات سياسية لا أمنية، المطلوب قضاء مستقل يعجل بإجراءات الإفراج عن الطلاب غير المتورطين فى عنف، ويحاكم من تورط فى سقوط عشرات الأبرياء داخل الحرم الجامعى العام الماضى، ثم المطلوب أخيرا اعتماد مبدأ استقلال الجامعات كمكون أصيل فى علاقة الجامعة بالمجتمع، فهل نقدر على فعل ذلك كله؟