■ بعد حديثى الأسبوع قبل الماضى عن «بعض المقرات الثقافية» - تلك الكيانات المنسوبة زورًا للثقافة وهى عاجزةٌ عن تقديم أى نشاطٍ ذى قيمة - أؤكد اليوم: نعم، أوافقُ على إخلاء تلك «العشش الثقافية»، لكن بشرط أن يكون ذلك أولى خطوات الإحلال، حتى لا نتورط فى جريمة تجريفٍ ثقافى وانتحارٍ للوعى تحت شعار «الإصلاح»! ليسَ مِنَ العيب أن تُغلقَ الوزارةُ «بيوتَ الثقافة المؤجرة المنتهى عقد إيجارها» (التى حوَّلتها إداراتُها الفاشلة إلى مخازنَ للغبار!) - تنفيذًا للقانون - ولكن العبث أن يتم ذلك دون وجود خطة بأماكن بديلة؟! وكأنها تُعلن للمواطن: «ثقافتك فى خبر كان.. ووعيُك قد دُفِنَ!» لا يُعقلُ أن تُعامَل قضيةٌ مصيريةٌ (كالثقافة والهُوية) بمنطق التاجر الجاهل: «اللى مبيْكسبش.. يُقفل»؟! فى زمنٍ تتعرضُ فيه الهُويةُ المصريةُ لهجومٍ شرسٍ، أليسَ مِنَ المفترض أن تكون الثقافةُ حصننا الأخير؟! يا سادة، لا تُفَضِّلوا «قتلَ المريض» بدلًا من علاجِه! نحنُ بأمسّ الحاجة إلى مؤسساتٍ قادرةٍ على صناعة وعى يُلائم أبناءَ حضارة الأهرام! فلا يليقُ بنا أن نرفعَ شعاراتٍ ك»مصر أم الدنيا»، ثم نمنعُ ابنَها من آخر مكانٍ قد يرسم أو يعزف أو يغنى أو يقرأ فيه عن هذه «الأمومة»! مهمتكم هى البناء لا الهدم، كى لا أضطرَّ إلى تصديق نظريات المؤامرة وهلوسات أصحاب الظنون السيئة! التى ترى فيما يحدث هدما مع سبق الإصرار والترصد وبدلًا من نجاحكم فى إنقاذ ما تبقى من الثقافة، ستُخصصون حصةً كبيرةً مِن ميزانية الوزارة لشراء أقفالٍ لإغلاق المقرات، وصناعة لافتاتٍ مكتوبٍ عليها: «هنا كان يُوجد وعى!» فوقَ قبر كل مكانٍ ثقافى أُغلق دون بديل!! أهلاً بالاستعمار الكروى!.. لا تتعجبْ؛ فهذه ليست خيانةً للوطن، ولكنها رغبةٌ فجَّرتها نظرةٌ عابرةٌ للفوضى «غير الخلاقة» التى نشاهدها فى إدارة الكرة المصرية: قراراتٌ تُلغى قبل أن يجفَّ حبرها، اتحادُ كرة قدمٍ يُشبه مقهىً شعبيًا، ومسابقاتٌ تُدار كأنها مباراةٌ بين أحياء شعبية! والحل؟ ربما نحتاج إلى «استعمار إدارى»! فكما استقدمنا مدربين وحكامًا أجانب، فلنجرِّبْ إدارةً أجنبيةً... فلعلَّنا نجد عند «الخواجة» مَن يجعلنا على الأقل أكثر تقبُّلًا «لخيبتنا»، إن لم يصل بنا إلى نشوة «الإصلاح»! آخر كلام غريبةٌ هى الحياة بلا مكائد! يعيش البعض حياتهم بإخلاصٍ شديدٍ لأرواحٍ تعشق المؤامرات والدسائس، يتعاطونها ببساطةٍ كحبهم لكوب شاى العصرى، أو فنجان القهوة الصباحى، أو نسمةٍ شتويةٍ فى لهيب صيفٍ محترق! الحياة بالنسبة لهم مملةٌ، راكدةٌ، خاويةٌ من معناها بلا هدفٍ أو هوية، ولا تُطاق بدون «تخوين الغير» و»شيطنة الآخر». ونظريات المؤامرة... وكأنهم يعتنقون مبدأ: لماذا نعيش بسلامٍ إذا كنا نستطيع تحويل كل مناسبةٍ إلى حلبة مصارعةٍ تملؤها المكائد؟! وكل عام وحضراتكم بخير عيد أضحى سعيد.