الجامعة في كل دول العالم لممارسة السياسة أم التعلم؟ .. سؤال ربما تختلف إجابته في مصر تحديدا فقد تخلت أهداف الجامعة عن التعليم لتصبح ساحة لتصفية الحسابات والصراعات السياسية والفكرية ، وممارسة العنف بكل أشكاله وتغلبت السياسة علي التعليم ؛ بل لا نبالغ إذا قلنا إنها دمرت العملية التعليمية ، وفقدت الجامعة أهدافها الحقيقية بدعوى ممارسة السياسة. ولذا نكرر السؤال .. هل الجامعة للسياسة أم للتعليم ؟ وهل ما يحدث في جامعات مصر له نظير في جامعات العالم ؟وكيف نعيد التعليم العالي المصري لدوره الرئيسي ومنع استغلال الطلاب سياسيا؟ عبد الغفار شكر نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان يقول .. في الدول الديمقراطية يمارس كل مواطن نشاطه السياسي دون مشكلات ويختلف هذا النشاط من موقع إلي آخر ، والجامعات تتيح لطلابها ممارسة نشاطهم من خلال الاتحادات الطلابية المنتخبة التي تهتم بشئون الطلبة في حقوقهم التعليمية كما تناقش القضايا العامة للمجتمع كنوع من الاهتمام السياسي. أما الوضع في مصر الآن فهو يمر بأزمة كبيرة نتيجة انقسام المجتمع وإصرار جماعة الإخوان علي استخدام الجامعات في تأكيد وجودها منتهزة فرصة الحشد الجماهيري في الجامعة كوسيلة فعالة لإثبات الوجود وهو أمر لم يكن قائما في مصر عبر تاريخها الحديث كله ، حيث تلاحظ أن الجامعات المصرية كانت قبل 1952 علي سبيل المثال مجالا للنشاط السياسي السلمي الذي تتنوع فيه الانتماءات دون أي صراعات ، وبعد 52 كانت هناك الاتحادات الطلابية التي كان من حقها تنظيم ندوات حول قضايا المجتمع العامة ، ودعوة كبار الكتاب والمفكرين في هذه الندوات. أما في حقبة السبعينيات كما يعرض عبد الغفار شكر فإنه حينما أشتد الصراع في المجتمع كانت هناك في الجامعات نوادي الفكر الاشتراكي ، ونوادي الفكر الناصري ، والجماعة الإسلامية وكان كل منهم يعبر عن رأيه بطريقة سلمية ويصدرون صحف ومجلات الحائط ويعقدون الندوات العامة ويخرجون في المظاهرات ، أما في هذه الحقبة من تاريخ مصر فان جماعة الأخوان المسلمين قررت تجنيد طلابها لتعطيل الدراسة وممارسة العنف في محاولة لإثبات الوجود وتعطيل الحياة العامة في المجتمع. ويشير إلي أن الوضع الحالي هو وضع شاذ بالنسبة لتاريخ الحركة الطلابية في مصر وبالنسبة لأي بلد ديمقراطي في العالم ؛ مؤكدا أن الحل هو التصدي لهذا العنف وتفويت الفرصة عليهم بعدم تعطيل الدراسة. وفي سياق آخر يوضح دكتور قدري حفني أستاذ علم النفس السياسي قائلا لا ينبغي منع الطلاب من ممارسة حقهم السياسي ، وهذا الكلام يعد أمرا نظريا أقرب للموعظة لأنه وفقا للدستور المصري فإن من يبلغ الثامنة عشرة يصبح من حقه ممارسة أرقي وأعلي أنواع السياسة كانتخاب رئيس الجمهورية وكذلك انتخاب أعضاء مجلس الشعب ، وبالتالي نحن نلزمه بالاشتغال بالسياسة بدءا من هذه السن. ويتساءل أستاذ علم النفس السياسي هل الحرم الجامعي هو المكان الوحيد الذي ينبغي أن نشتغل فيه بالسياسة؟ الإجابة بالطبع لا ، لان هناك أماكن أخري أكثر جاذبية للعمل السياسي يجب أن يتجه إليها الطلاب وغير الطلاب. ويتفق دكتور حسين خالد وزير التعليم العالي الأسبق مع حفني بأن المهمة الأساسية للجامعات هي التعليم وقد يمارس الطلاب الأنشطة الأخري مثل الانتماء إلي الأحزاب أو تبني توجهات سياسية متعددة ، ولكن لا يجب أن يطغي هذا علي العملية التعليمية، وقد مرت الجامعات المصرية خلال السنوات المتعاقبة بظروف كثيرة قد يكون بعضها أصعب مما نمر به الآن مثل فترات الحروب في الخمسينيات ، الستينيات والسبعينيات. ولكن بعض التوجهات السياسية في الوقت الحاضر تلعب دورا كبيرا في عدم انتظام الدراسة والبحث العلمي في الجامعات ؛ ويأتي علي رأس هذه الأحداث التي تسببت في الفوضي الحالية هو غياب الحرس الجامعي وتولي قيادات غير ذات خبرة قيادة المؤسسات الجامعية بعد إجراء انتخابات مباشرة ، وأدي ذلك إلي ما نشهده حاليا داخل أو خارج الجامعات من فوضي شديدة وتعطيل للدراسة. ويري خالد أن مواجهة هذه الظواهر غير المعتادة في مجتمعنا يجب أن تكون من خلال الحزم الشديد في إدارة العملية التعليمية داخل الجامعات الذي يتواكب مع ضرورة عودة الحرس الجامعي لممارسة دوره ليس لحفظ أمن الأفراد فقط ، بل وأمن المنشآت والمعلومات أيضا ، كذلك مواجهة الشغب وأعمال التخريب. أما الأمر الثاني للمواجهة فهو تغيير القواعد الحالية لاختيار القيادات الجامعية ، وألا تكون بالانتخاب المباشر كما يحدث حاليا ، ويجب أيضا منع ممارسة النشاط السياسي داخل الجامعات ، حيث إنها أماكن للدراسة و المعرفة ، وتخريج أعضاء فاعلين في مجتمعهم من خلال إكساب المهارات والتقنيات الفنية المطلوبة لكل تخصص ، كما إنها أماكن للبحث العلمي و الذي يعد بمثابة القاطرة التي تقود المجتمعات للتقدم ؛ والجامعات هي المؤهلة أكاديميا للقيام بهذه المهمة فيجب احترام قدسية الحرم الجامعي نظرا لدوره في تنمية وتطوير بلدنا من خلال الشباب الدارس والباحث في هذا الحرم الذي تعتبره جميع الدول المتقدمة في قدسية أماكن العبادة ، لإنجابه العلماء و المتخصصين في جميع مناحي الحياة أسوة بالأماكن الدينية التي تنجب الدعاة ورجال الدين الذين يوجهون المجتمع لرؤية دينهم بشكل صحيح.