د. ياسر ثابت سؤال: هل يدرك إبراهيم محلب صلاحياته الكاملة كرئيس وزراء؟ سؤال آخر: هل يمارس محلب هذه الصلاحيات بالكامل؟ ما نعلمه جميعًا هو أن مواد دستور 2014 جاءت لتتدارك بعض أوجه القصور فى دساتير سابقة، وإن كانت قد أبقت على صلاحيات موسعة للرئيس ليكون النظام شبه رئاسى وليس نظامًا برلمانيًّا. ومن ذلك أن رئيس الجمهورية، يضع بالاشتراك مع مجلس الوزراء، السياسة العامة للدولة، ويشرفان على تنفيذها (150)، و«يمثل رئيس الجمهورية الدولة فى علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب» (151)، و«يعين رئيس الجمهورية الموظفين المدنيين، والعسكريين، والممثلين السياسيين، ويعفيهم من مناصبهم، ويعتمد الممثلين السياسيين للدول والهيئات الأجنبية، وفقًا للقانون» (153)، و«يعلن رئيس الجمهورية، بعد أخذ رأى مجلس الوزراء حالة الطوارئ، على النحو الذى ينظمه القانون، ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس النواب خلال الأيام السبعة التالية ليقرر ما يراه بشأنه» (154). و«يعين رئيس الجمهورية رؤساء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية، بعد موافقة مجلس النواب بأغلبية أعضائه» (216). ومن الصلاحيات الخاصة بالرئيس وفق دستور 2014، أنه «يكلف رئيس الجمهورية رئيسًا لمجلس الوزراء، بتشكيل الحكومة وعرض برنامجه على مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته على ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب خلال ثلاثين يومًا على الأكثر، يكلف رئيس الجمهورية رئيسًا لمجلس الوزراء بترشيح من الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته على ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب خلال ثلاثين يومًا، عُدّ المجلس منحلاً ويدعو رئيس الجمهورية لانتخاب مجلس نواب جديد خلال ستين يومًا من تاريخ صدور قرار الحل» (146). كما يحق «لرئيس الجمهورية إعفاء الحكومة من أداء عملها بشرط موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب. ولرئيس الجمهورية إجراء تعديل وزارى بعد التشاور مع رئيس الوزراء وموافقة مجلس النواب بالأغلبية المطلقة للحاضرين وبما لا يقل عن ثلث أعضاء المجلس» (147). يلاحَظ مثلاً، أن من أحكام الدستور التفصيلية ما يقيد سلطات رئيس الجمهورية بشأنها وبما لا يمكَّنه من الانفراد بها، وبما يشرك معه فيها مجالس تتكون من كبار رجال الدولة، ولا يتسع المقام لذكر هذه الأمور. وإن تقييد العديد من سلطات رئيس الجمهورية يجعلها تمارس منه من خلال الوزارة، إن ذلك لا يفيد إشراك الوزارة معه فى هذه السلطات فقط ولكنه يخضع هذه الأعمال للسلطة الرقابية للمجلس النيابى من خلال مسؤولية الوزارة أمام البرلمان وحق سلطة البرلمان فى مساءلة الوزراء. وكان نص المادة (141) يوازن السلطات الأخرى المتاحة لرئيس الجمهورية بدستور 2012 مثل ما ورد فى المادة (146) عن سلطته فى حل مجلس النواب عند الاختلاف على تعيين رئيس الوزراء مرتين متتاليتين، ومثل المساهمة فى اختيار وزراء السيادة، كوزارتَى الدفاع والداخلية. كان رئيس الجمهورية فى الدستور المعطل (2012)، وقد ظل فى دستور 2014، يتمتع بسلطات واسعة كرئيس للدولة ورئيس للسلطة التنفيذية. واختصاصاته بعضها ينفرد بها وحده فى مجال الأمن والدفاع والعلاقات الدولية وبعضها الآخر يمارسه من خلال الحكومة. ولكن كان منصب رئيس الجمهورية وفقًا لدستور 2012 متعاليًا عن أى نوع من المسؤولية اللهمّ إلا إذا ارتكب الرئيس جناية أو جريمة الخيانة العظمى دون تحديد لمفهوم هذه الأخيرة. أما المسؤولية السياسية لرئيس الجمهورية فقد أعفاه منها الدستور السابق تمامًا، وهكذا أعاد هذا الدستور المعطل إنتاج نموذج الحاكم المطلق الذى لا يُسأل عما يفعل. أما دستور 2014، فقد أضاف إلى حالات المسؤولية الجنائية لرئيس الجمهورية حالة جديدة (من واقع خبرة مصر مع رئيسها السابق) وهى حالة انتهاك أحكام الدستور. على أن الأهم من ذلك هو المسؤولية السياسية لرئيس الجمهورية التى تقررت فى مادة فريدة من نوعها فى المشروع الجديد، وهى المادة 161، حيث قررت أنه يجوز لمجلس النواب اقتراح سحب الثقة من رئيس الجمهورية بإجراءات خاصة وأغلبية خاصة ثم يقرر الشعب فى الاستفتاء إما سحب الثقة من الرئيس، فيخلو منصبه، وإما تأكيد الثقة فى الرئيس فيحل مجلس النواب. لقد أقام دستور 2014 نظامًا رئاسيًّا متوازنًا يكون فيه الرئيس رئيسًا قادرًا كامل السلطات، ويكون فى نفس الوقت مسؤولاً مسؤولية جنائية وسياسية، وتكون فيه الوزارة قادرة يشكلها الرئيس بمشاركة البرلمان والأكثرية فيه، وتشترك مع الرئيس فى القيام بأعباء الحكم وهى بدورها مسؤولة أمام البرلمان، ويكون فيه البرلمان قادرًا على تشكيل الحكومة وعلى مساءلتها بل وعلى سحب الثقة منها ومن الرئيس ولكنه مهدد بالحل إن أساء استخدام سلطته. صحيح أن دستورَى 2012 و2014 قلَّصا بعض الشىء صلاحيات رئيس الجمهورية مقارنة بالدساتير السابقة بعد ثورة يوليو (دساتير 1956 و1958 و1964 و1971)، لكنهما أبقيا على نظام مختلط ينص على رئاسة رئيس الدولة للسلطة التنفيذية. وما زال يمنحه من السلطات والصلاحيات الكثير. كان من الواضح أيضًا أن ملابسات المرحلة الانتقالية فى مصر بعد انتخابات الرئاسة صيف عام 2012 قد أسهمت فى إعادة إنتاج حُكم الفرد وشخصنة السلطة. فالرئيس ظل يجمع لشهور بين سلطتَى التشريع والتنفيذ. ولما تم إقرار الدستور كنا أمام حقيقة أن البرلمان (ممثلاً فى مجلس الشورى) بالغ الضعف والهزال. وهو سيناريو لا يريد أحد له أن يتكرر فى المرحلة الراهنة، فى ظل ضعف الأحزاب وتعثُّر بناء كتلة ثالثة فى الحياة السياسية بين امتداد حزب الدولة ونظام مبارك من جانب وجماعة الإخوان من جانب آخر. نحسب أن الوقت قد حان كى يبادر المهندس محلب فيمارس صلاحياته بالكامل، بناء على مواد الدستور الذى أقره المصريون بعد استفتاء عامّ، حتى لا نشعر نحن المصريين بأننا لم نغادر الماضى بصيغته التى كانت تجعل من الحكومة مجرد أداة تنفيذية للرئاسة. من هنا تكون البداية فى رحلة الألف ميل باتجاه بناء ديمقراطى سليم فى المحروسة.