فى سبتمبر من العام الماضى كنت مدعوة فى فرح حلا بنت صديقتى، كانت حلا وعريسها خالد فى غاية السعادة، فزواجهما كان تتويجًا لقصة حب بدأت فى الجامعة، واستمرت طوال سنوات الدراسة. قبل أيام اتصلت بى صديقتى منزعجة لتخبرنى بصوت مخنوق وحزين أن خالد طلق حلا، وتحدثت صديقتى عن مشكلات بسيطة فى ظاهرها، وألقت بالاتهامات على خالد «كنا فاكرينه موسى، طلع فرعون»، فالشاب الرومانسى الوسيم الذى كانت حلا تهيم به غرامًا طوال سنوات الدراسة، تحول بعد الزواج إلى ديكتاتور، يحدد لها ماذا تلبس؟ ومَن تُكلم؟ بل وماذا تأكل؟ بالإضافة إلى مواعيد نومها، وعدم الخروج من البيت إلا بتصريح مسبق! تفاصيل كثيرة ومتشعبة حكتها صديقتى، فهمت منها أن خالد لم يكن وحده السبب فى فشل الزواج، بل شاركته حلا بتصرفاتها، لكننى لم أستطع أن أصارح صديقتى بهذا الرأى، لأن الظرف ليس مناسبا للموضوعية والصراحة الجارحة، فنحن نحتاج فى مثل هذه الظروف إلى كلمات تطييب الخاطر، والتنفيس عن الضيق الذى يملأ الصدر. قصة حلا وخالد تتكرر كثيرًا، والمشكلات التى أدت إلى طلاقهما، هى المشكلات التقليدية لعرسان سنة أولى زواج، خصوصا أبناء الطبقات المتوسطة والعليا. هناك تفسيرات كثيرة لعلماء النفس والاجتماع، لكنها تدور حول نظريات ومحاضرات بلاغية وأفكار قديمة لا تصمد كثيرًا أمام نوعية المشكلات الجديدة الناجمة عن زيادة الحرية فى حياة الفتاة العصرية، ورؤية كل فتاة لشخصيتها واعتدادها بحياتها قبل الزواج، فهى لم تعد تلك البنت التى يربيها أهلها لزوج تولد من جديد فى بيته، ويعيد تشكيلها على هواه، وحسب ميوله ورغباته، ورغبات أهله وأصدقائه أحيانا. فى سبعينيات وثمانينيات وحتى منتصف تسعينيات القرن الماضى، تفاقمت أزمة الإسكان، إعلان «شقة للإيجار» لم يعد له وجود، والبديل التمليك، أصحاب العقارات فضلوا غلق الشقق على تأجيرها. وفى عام 1996 بدأ تطبيق قانون الإيجار الجديد الذى يعطى للمالك الحق فى استرداد شقته فى حالة تأخر المستأجر عن دفع الإيجار، وعند انتهاء فترة التعاقد وكان فتحًا عظيمًا. الأساس فى القوانين أنها لصالح الناس، وعليها أن تواكب المتغيرات التى تحدث مع الزمن، ولأن مصر أم العجائب فما زلنا نعيش فى بلد يتجاور فيه قانونان للإيجار متعارضان تماما. ما حدث فى مجال العقارات يتم تطبيقه فى الزواج، فى مصر نموذجان للزواج، زواج على قديمه، يشعر الطرفان أنه أبدى، وأنه امتلك الآخر ويبحث عن وسائل لإحكام السيطرة على شريكه، لا يهتم بصيانة الزواج ولا تجديد شبابه، وآخر من نوع القانون الجديد يعطى الحق لأى طرف فى فسخ العقد حتى دون إبداء مبررات، لا يفكر كثيرا فى العواقب، ولكن يبحث عن الراحة الآنية. كلاهما يبتعد عن روح ومعنى الزواج... فهو علاقة مقدسة تجمع طرفين قبِلا أن يكونا شركاء حياة فى السراء والضراء، وتعهدا أمام الله والناس أن يهتم كل منهما بالآخر ويرعاه ويحنو عليه. أتذكر أنه فى عام 2009 قدم القس الكورى سون ميونج مون (مؤسس كنيسة التوحيد) روشتة لكسر الملل بين الأزواج واستعادة شباب الزواج، حتى لا يشيخ ويصاب بالسكتة الزوجية التى تنتهى بالطلاق أو الانفصال، والبقاء تحت سقف واحد. روشتة مون المبنية على مباركته الأزواج لها شرطان: الأول أن يتم ذلك مرة واحدة فى حياة الزوجين، والثانى أن يمتنع الزوجان عن أى اتصال جنسى بينهما لمدة 40 يوما كل عدة سنوات، لتتجدد بعدها طاقتهما ويولد حبهما من جديد. فكرة مون تقوم على إعطاء الأزواج فرصة ثانية. الفرصة الثانية هى جزء من قانون الحياة ونظام الكون. هى الأمل الممنوح للإنسان لضبط إيقاعه وتحسين أدائه واقترابه من حلمه وسعادته، بشرط أن يدرك الإنسان أهمية الفرصة الثانية ولا يفلتها من يده، فالفرص المهدرة دليل فشل وسوء تقدير وعدم رغبة فى بذل جهد، وليست دليلا على سوء الطالع كما يظن البعض. لدينا فهم خاطئ للزواج، فنحن نتصور أن العلاقات تبقى على حالها ولا يطرأ عليها تغيرات، فطرفا العلاقة بشر يتغيران كل يوم، ولا بد للزوجين أن يكونا على وعى بذلك، وهنا تأتى أهمية المرونة والتفهم فى العلاقة الزوجية، لا يستطيع طرف أن يتحمل العطاء طول الوقت، وعلى الآخر أن ينتبه لذلك وإلا سيفاجأ بتمرد شريكه وإعلانه العصيان، وربما رغبته فى الانفصال، عندها تتحول البيوت إلى مجرد فندق ينزل فيه الزوجان كالغرباء، لا يعرف أحدهما عن همّ الآخر وأحزانه شيئا، ولا يشاركه أفراحه وأحلامه، بمرور الوقت ودون أن يدرى الزوجان يصاب الزواج بالسكتة القلبية، ويحتاج إلى العناية المركزة. الزواج مثله مثل كل شىء فى الحياة، يحتاج إلى جهد ورعاية ومثابرة، ليستمر وينمو ويكافح كل المتغيرات وعوامل الملل. الزواج رحلة حياة، وليست فيلما سينمائيا تشاهده وأنت مستلق على الأريكة تأكل الفشار وتشرب الكولا، الرحلة ربما تكون مرهقة، ولكنها أيضا ممتعة، لو تعلمت أن تكون جزءًا منها، استعد لكل المفاجآت، حتى وإن جاءت على غير توقعك، لو فكر الزوجان فى الزواج بأنه امتداد لفترة الخطوبة لتغيرت حياتهما.