غلق طريق إسكندرية الصحراوي من البوابات بسبب وجود شبورة مائية تعيق الرؤية    تامر حسني يتألق بأول حفل بعد إجرائه عملية جراحية في ذراعه (فيديو)    عمرو دياب يتألق في أجمل ليالي مهرجان الجونة.. والنجوم يغنون معه    سفن حربية أمريكية تصل إلى ترينيداد وتوباجو لإجراء مناورات عسكرية قرب فنزويلا    خطة أمريكية جديدة لحل مؤسسة غزة الإنسانية المثيرة للجدل واقتراح البديل    الاتصالات: لم نطبق القانون بأثر رجعي بعد غلق 60 ألف هاتف معفى.. وأمهلنا أصحابها 90 يومًا    في أجواء روحانية، طوفان صوفي في الليلة الختامية لمولد أبو عمار بالغربية (فيديو)    الأمين العام لحركة الجهاد: ملتزمون بوقف الحرب.. وأشكر مصر على جهودها    أسماء المرشحين بالنظام الفردي عن دوائر محافظة بني سويف بانتخابات مجلس النواب 2025    نوفمبر الحاسم في الضبعة النووية.. تركيب قلب المفاعل الأول يفتح باب مصر لعصر الطاقة النظيفة    المشهراوي: لا بد من إطلاق إعمار غزة سريعًا لتثبيت صمود الشعب    مهرجان الموسيقى العربية ال33 يحتفي بأساطير الطرب.. ثروت وناجي يعيدان سحر حليم ووردة| صور    تعرف على موعد بدء التوقيت الشتوي وموعد ضبط الساعة رسميًا    زيلينسكي: الاتحاد الأوروبي أكد أن المساعدات المالية لأوكرانيا ستستمر    غضب من لاعب الزمالك بعد استبعاده أمام ديكيداها الصومالي    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية الجمعة 24 أكتوبر 2025    في قبضة العدالة.. حبس 3 عاطلين بتهمة الاتجار بالسموم بالخصوص    فتاة تتناول 40 حبة دواء للتخلص من حياتها بسبب فسخ خطوبتها بالسلام    رسميًا.. أسعار استخراج جواز سفر متسعجل 2025 بعد قرار زيادة الرسوم الأخير (تفاصيل)    النيابة العامة تنظم دورات تدريبية متخصصة لأعضاء نيابات الأسرة    عيار 21 الآن بعد الزيادة الجديدة.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة (تحديث مباشر)    د. زاهي حواس يكتب: الافتتاح العظيم لأعظم متحف في العالم    نانيس أيمن تكتب: الهند لأول مرة بالعراق من خلال «رقصة النسيج» اللوحة الفنية الراقية والفوز المستحق    «مش بيكشفوا أوراقهم بسهولة».. رجال 5 أبراج بيميلوا للغموض والكتمان    وكيل صحة الفيوم تفتتح أول قسم للعلاج الطبيعي بمركز يوسف الصديق    «بالأرز».. حيلة غريبة تخلصك من أي رائحة كريهة في البيت بسهولة    التجربة المغربية الأولى.. زياش إلى الوداد    82.8 % صافي تعاملات المستثمرين المصريين بالبورصة خلال جلسة نهاية الأسبوع    الشناوي يكشف مكافأة لاعبي بيراميدز عن الفوز بدوري الأبطال    قطة: سأتولى رقابة ديمبيلي.. وسأمنح هذا الثنائي أفضل لاعب داخل القارة    طريقة عمل صوابع زينب، تحلية مميزة لأسرتك    نصائح أسرية للتعامل مع الطفل مريض السكر    أوكرانيا تطلب دعمًا دوليًا عبر "الناتو" لتخفيف آثار الحرب الروسية    مصرع وإصابة شخصان إثر حريق سيارة بطريق السويس الصحراوى    فحص فيديو تعدى سائق نقل ذكى على فتاة فى التجمع    طعن طليقته أمام ابنه.. ماذا حدث فى المنوفية؟.. "فيديو"    سيلتا فيجو يفوز على نيس 2-1 فى الدورى الأوروبى    أحمد حسن يكشف خطوات الحصول علي شقة من الإسكان البديل لأصحاب الايجار القديم    أخبار × 24 ساعة.. ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج ل26.6 مليار دولار    انتخاب إدريس الهلالي نائبا لرئيس الاتحاد الدولي للتايكوندو    مجلس الوزراء اللبناني يقر اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع قبرص    عاجل- مجموعة "كايرو ثري إيّه" تدعم وحدة زراعة الكبد في مستشفى الناس بمبلغ 50 مليون جنيه    بعد المشاركة في مظاهرة بروكسل.. أمن الانقلاب يعتقل شقيقا ثانيا لناشط مصري بالخارج    الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي: وحدة الكنيسة ليست خيارًا بل طاعة لنداء المسيح    «محمد عبدالوهاب كان هيعملي أغاني».. فردوس عبدالحميد تروي بدايتها في الغناء (فيديو)    محمد ثروت عن مشاركته في فيلم «أوسكار.. عودة الماموث»: شعرت بالرهبة من ضخامة المشروع    لماذا لم تتم دعوة الفنان محمد سلام لمهرجان الجونة؟.. نجيب ساويرس يرد    محمد كساب: ستاد المصري الجديد تحفة معمارية تليق ببورسعيد    أظهرا حبهما علنًا.. محكمة تُلزم 2 «تيك توكر» بالزواج بعد نشرهما فيديو «مخالف للآداب»    نجم غزل المحلة السابق يشيد ب علاء عبدالعال: «أضاف قوة مميزة في الدوري»    راقب وزنك ونام كويس.. 7 نصائح لمرضى الغدة الدرقية للحفاظ على صحتهم    النيابة تكشف مفاجأة في قضية مرشح النواب بالفيوم: صدر بحقه حكم نهائي بالحبس 4 سنوات في واقعة مماثلة    إكرامي: سعداء في بيراميدز بما تحقق في 9 أشهر.. ويورشيتش لا يصطنع    ما الدعاء الذي يفكّ الكرب ويُزيل الهم؟.. أمين الفتوى يجيب أحد ذوي الهمم بلغة الإشارة    هل تأخير صلاة الفجر عن وقتها حرام؟| أمين الفتوى يجيب    الشيخ خالد الجندي: الطعن فى السنة النبوية طعن في وحي الله لنبيه    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-10-2025 في محافظة الأقصر    ما حكم بيع وشراء العملات والحسابات داخل الألعاب الإلكترونية؟ دار الإفتاء تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا سقط الإخوان من فوق كرسي حكم مصر؟
نشر في التحرير يوم 15 - 09 - 2014

فى هذه السطور نحاول تقديم تفسير للسقوط المدوى والسريع لجماعة الإخوان فى مصر من فوق كرسى حكم مصر، ثم تحولها إلى العدو الأول لأهلهم شعب مصر، ثم حدوث ما حدث مصحوبا بالإنكار التام من جانب جماعة الإخوان لهذا الواقع المرير، علاوةً على عدم التصديق للوقائع على الأرض كأنهم مغيبون ومنفصلون عن أحداث الحياة.
1- الخلافة بدلا من مفهوم الدولة القومية
لعل أحد الأسباب التى أدت إلى فشل الإخوان فى تجربة حكم مصر، وأن السبب ذاته سوف يؤدى بالضرورة إلى فشل من يطلق عليهم زورًا وبهتانًا «جماعات الإسلام السياسى» فى حالة وصولهم فى المستقبل إلى حكم أى بلد إسلامى هو «الغياب القائم والدائم لمفهوم الدولة القومية/الأمة وللأسس التى تقوم عليها فى فكر وعقيدة وأدبيات ومذاهب هذه الجماعات». وعادةً ما يجرى القفز فى فكر هذه الجماعات فوق مفهوم الدولة القومية بالاستعانة بمفهوم «الأمة الإسلامية الجامعة» أو «الخلافة الإسلامية».
وينبغى توجيه النظر إلى أن الحجر على العقل المسلم من قبل مؤسسات الإسلام التقليدية، علاوةً على التركيز المبالغ فيه على فقه العبادات، مع ضمور شديد فى الفقه الدستورى والقانونى والنظم السياسية والعلاقات الدولية قد أدى إلى غياب مفاهيم الدولة القومية على ما أسلفنا قوله.
لذلك سوف نقدم البرهنة أولاً على أن كتاب الله المنزَّل يحوى مفاهيم «القومية والدولة»، و«الوطنية والمواطنة»، و«الإخاء والمحبة بين أبناء الوطن الواحد والتى تعلو وتتجاوز اختلاف العقائد»، وأن ما سبق يمثل مراحل وخطوات أولية أساسية لازمة للوصول إلى مرحلة «الأمة الجامعة».
2- مفهوم القوم والوطن فى القرآن
مفاهيم القوم- القبيلة- الشعب- الوطن- الأمة فى كتاب الله:
أولاً: القوم والقبلية:
معنى القوم: يقول معجم مقاييس اللغة إن القاف والواو والميم أصلان: 1- جماعة من الناس. 2- انتصاب وعزم. وما يعنينا هو الأصل رقم واحد.
ويقول معجم الصحاح فى اللغة إن 1- المقامة (بالضم) تعنى: الإقامة، وذلك فى قوله تعالى فى وصف الجنة: «حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا». 2- أما المقامة (بالفتح) فتعنى: الموضع، وذلك فى قوله جل وعلا عن مصر وطننا الحبيب: «وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ». فكأنما تجمع كلمة «قوم» بين الموضع (المكان) وبين من يقيمون فيه.
إذن القوم هم جماعة من الناس تربطهم الإقامة فى مكان/موضع محدد ومعروف. يضيف كتاب الله عنصرًا آخر إلى تعريف القوم بأنهم يرتبطون أيضًا بلغة مشتركة يفكرون ويتحدثون ويتفاهمون ويتواصلون بها فى ما بينهم، وفى ذلك يقول الكتاب المنزَل: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ». وهنا جاء التعبير القرآنى عن كلمة «لغة» باستخدام كلمة «لسان»، لأنها أشمل، حيث قد تطلق كلمة لغة على واحدة غير منطوقة مثل «لغة الإشارة». تشكل جماعات الناس الأقوام وتنضم الأقوام إلى بعضها البعض مع طول البقاء فى أماكنها لتظهر «القبيلة» من مجموعة أقوام ذات تاريخ ومصالح واهتمامات مشتركة.
ثانيًا: (أ) الدار- الديار/الوطن:
لم ترد كلمة الوطن فى كتاب الله، ولكن وردت كلمة «مواطن» (بفتح الميم والواو وكسر الطاء) حين قال: «لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ...»، وتعنى هنا مواضع أو مشاهد كثيرة من مواضع أو مشاهد الحرب، لكن يبدو أن كلمة «دار» والجمع منها «ديار» أتت تعبيرًا عن معنى الوطن بالتعريف الحديث، حيث قال: «لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ». وقوله عن الأنصار: «وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ». الدار أو الديار هنا هى المثوى والموضع ومحل الإنسان أى هى الوطن ومحل السيادة.
(ب) الأخوة بين أفراد القوم/الوطن فى المفهوم القرآنى:
رتب الحق تبارك وتعالى مفهوم «الأخوة» بين أفراد القوم أو الوطن وعن ذلك قال على سبيل المثال: «وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا...»، «إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ...»، ويتوجب هنا إمعان النظر أن الأخوة بين أفراد القوم أو الوطن الواحد تعلو على الخلاف فى العقيدة وتتجاوزه كما يتضح من الآيات السابقة، فقد آخى بين الأنبياء والرسل وبين أقوامهم المعاندين الرافضين لترك عبادة الأوثان، بل آخى بين لوط عليه السلام وبين قومه من أهل الشذوذ الجنسى. الأخوة بين المواطنين باقية ومستقرة فى المفهوم القرآنى لا تسقطها اختلافات العقيدة والأفكار مهما بلغ الخلاف من الغلو والشطط والانحراف.
جماعات الإسلام السياسى استبدلت مفهوم الخلافة الإسلامية الجامعة بمفهوم الدولة الحديثة
الغياب الدائم لمفهوم الدولة القومية فى فكرهم وعقيدتهم أحد أهم أسباب فشلهم
الأُخُوَّة بين المواطنين باقية ومستقرة فى المفهوم القرآنى لا تسقطها اختلافات العقيدة والأفكار
3 محبة الوطن.. فطرة النفس السوية
يبدو أن حب الوطن هو فطرة داخل النفس السوية، لذلك جعل الله جل وعلا الإخراج من الوطن كأنه بمثابة أمر إلى الإنسان بأن يقتل نفسه، وهذا ما لا يقدر على فعله إلا أقل القليل من الناس: «وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ». بل إن كتاب الله لم يشرع القتال للمؤمنين إلا فى حالة العدوان على حرية العقيدة والاعتقاد وهى أم الحريات، وكذلك فى حالة الإخراج من الوطن بغير حق: «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ...».
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب مكة داره ووطنه حبًّا عظيمًا، ويؤثر عنه أنه وقف على أعتابها ليلة هجرته منها قائلاً: «والله إنك لأحب أرض الله إلى الله، وأحب أرض الله إلىّ، ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت» أو كما قال.
(د) المحبة بين أفراد الوطن الواحد:
قلنا إن الأخوة الوطنية تعلو على الخلاف فى العقيدة، حسب الرؤية القرآنية، ويبدو أن محبة الوطن الفطرية عندما تجتمع مع الأخوة بين المواطنين يتولد عنها المحبة بين المواطنين. وعندما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه»، فإنه بالقطع يعنى معنى الأخوة بالمفهوم الذى أورده القرآن الذى أنزل على قلبه، وهو المفهوم الذى يتخطى اختلافات العقيدة بين أبناء الوطن الواحد، ولا يقتصر فحسب على المحبة بين أبناء العقيدة الواحدة، لذلك نستطيع القول بأن الرسول الأعظم ينفى الإيمان عمن لا يحب أخاه فى الوطن، وإن اختلفت عقيدته مثله مثل المشارك له فى العقيدة.
(ه) مفهوم المواطنة:
نرجح أن مفهوم المواطنة يجد الأساس له فى كتاب الله فى تضافر الحق الإنسانى للمواطن بعدم إخراجه من وطنه بغير الحق، مع جماع المشاعر الفطرية والقلبية من حب للوطن والأخوة الوطنية والمحبة بين المواطنين التى تعلو على اختلاف العقائد.
الدولة القومية.. الشعب والأرض
يقول معجم «الصحاح» من اللغة: إن الشعب هو أبو القبائل الذى ينسبون إليه، أى يجمعهم ويضمهم ويقول إن الشعب أكبر من القبيلة ثم الفصيلة.
إذن فإن التطور التصاعدى من المرحلة القبلية، صعودًا إلى تجمع القبائل لتتحول إلى شعوب، يؤدى إلى ظهور مرحلة ومفهوم الدولة.
جاء كتاب الله جل وعلا ليلفت الأنظار إلى هذه التقسيمات السياسية والاجتماعية حين قال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا»، لاحظ هنا أن الخطاب موجه للناس جميعًا حيثما كانوا.
نخلص مما سبق أن الارتقاء من القبلية حتم ظهور الدولة القومية التى جمعت بين المواطنين والمساحة الترابية المحددة والمعروفة، مع السيادة وظهور الهوية الوطنية التى يفرزها الانتماء للوطن مع التراث التاريخى والثقافى والإشتراك فى المشاعر والآمال والآلام، وارتقاء مفاهيم المواطنة والمساواة والعدل والحريات.
4- الأمة الجامعة
أ- مفهوم الأمة فى كتاب الله:
1- الأمة مجموعة محدودة من الناس:
«وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ...»، «وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ».
2- أعداد ضخمة من الناس تضم شعوبا مختلفة:
«كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ»، «إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ».
3- ارتباط مفهوم الأمة بالقيم والأخلاق:
يرتبط مفهوم الأمة على الدوام فى الرؤية القرآنية -باستثناءات محدودة- بشكل ومضمون القيم التى تدعو إليها هذه الأمة، والتى تؤهلها لحمل عبء مسؤولية إبلاغ الأمم الأخرى بهذه القيم.
«كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ»، «وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا»، الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والإيمان والوسطية كلها قيم ترتبط بمفهوم الأمة فى التصور القرآنى.
من المستحيل على أفراد تربوا داخل فصيل أو جماعة أن ينجحوا فى مجرد الحديث عن قيم وأخلاقيات ومتطلبات الدولة
5- الدولة القومية وميلاد القيم والأخلاقيات
رغم أن المرحلة القبلية هى محل ميلاد معنى الأخوة والارتباط فإنها أضيق من استيعاب معانى القيم العليا من مثل الإخاء الإنسانى أو المساواة، حيث لا يجوز بداخلها إلا الانتماء والنصرة والإخاء داخل حدود القبيلة، ولا مجال لذلك مع مَن هو مِن خارج القبيلة. لكن مع اتساع رقعة الإقليم وظهور معنى الدولة القومية التى تستوعب الاختلاف فى العقائد والأفكار، تبدأ قيم التعايش السلمى بين المواطنين، ومع الممارسات الديمقراطية تنمو الحريات، وتزدهر المؤسسات، وتقوى جماعات المصالح ومجالات النشاط الأهلى، لذلك نقول بأن الدولة القومية هى المطبخ، وإن شئت قل هى المشتل الذى تزرع فيه القيم والأخلاقيات العليا وتروى وتزدهر. ولأن القيم والسلوكيات والأخلاقيات فى مرحلة الدولة القومية ما زالت فى طور النمو تتأرجح بين الخير والشر، لذلك أطلق كتاب الله على الرغبة المشتركة فى العيش بين المواطنين داخل مجتمع الدولة وبين الدول وبعضها البعض مسمى «التعاون»، ولأن الانتظام فى أعمال جماعية داخل المجتمع الواحد وبين الدول قد يكون خيرًا وقد يكون شرًّا، فإنه كتاب الله يأمر بالانحياز إلى الجانب الأخلاقى من التعاون: «وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ». لذلك فإنه لا غنى على الإطلاق عن مرحلة الدولة القومية، التى تتمتع هذه الدولة القومية بقيم الحرية والمساواة والفصل بين السلطات لتصل فى النهاية إلى مرحلة الأمة الجامعة التى تتعامل مع الأمم الأخرى على أساس أخلاقى قيمى فاضل، وهو ما يطلق عليه كتاب الله مسمى «التعارف»: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ».
مع الدولة القومية التى تستوعب الاختلاف تبدأ قيم التعايش.. ومع الديمقراطية تنمو الحريات
الحديث عن الأمة قبل الدولة ودون التخلص من الممارسة القبلية نوع من الانتحار الذاتى
6- من القبيلة إلى الدولة
يدخل القوم مرحلة القبلية، حيث القبيلة هى الوسيلة وكذلك الغاية من الحياة، ويكون الانتماء والانحياز والنصرة للقبيلة ضد كل ما هو بخارجها بحق وكذلك بغير حق، وتكون القبيلة محل ميلاد معنى الأخوة بين أفراد القبيلة الواحدة. تظهر الشعوب نتيجة اتحاد القبائل المختلفة مؤذنة بظهور مفهوم الدولة من عناصر الشعب مع الأرض أو الإقليم ذوى الحدود المعترف بها، وأيضا مع ممارسة السيادة داخل حدود هذا الإقليم، وتترسخ الدولة ببناء النظام السياسى من المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وظهور الأحزاب وجماعات الضغط والمصالح، والجمعيات غير الحكومية، ومع إعلاء قيم الحرية والمساواة تنضم قيمة المحبة إلى قيمة الأخوة التى تعلو على خلافات العقائد، وتظهر قيمة المواطنة إلى النور وتصبح الدولة قومية أو دولة أمة بمعنى الكلمة. تتولد القيم والأخلاق داخل ممارسات وتعاملات المواطنين داخل الدولة القومية-الدولة الأمة، ما يبشر بظهور مفهوم الأمة التى تتشارك مع الأمم الأخرى بما لديها من قيم وأخلاقيات، ما يعمل على إثراء التجربة الإنسانية، ودفع الإنسان على درجات الرقى والتطور وهو ما أطلق عليه كتاب الله مسمى «التعارف».
انتحار ذاتي إذن فإن الحديث عن الأمة قبل وجود الدولة الراسخة ودون التخلص من الفكر والممارسة القبلية هو نوع من فكر التمنى فى حده الأدنى، ونوع من الانتحار الذاتى فى أسوأ السيناريوهات. كذلك فليس فى مقدور، وإن شئت قل إن من المستحيل على أفراد تربوا داخل فصيل أو جماعة أو قبيلة، وغالبًا ما تكون -لسوء الطالع– جماعة ذات تنظيم هرمى صارم ومنغلق، تسحق بداخلها الفرد بدعوى مصلحة الجماعة، وتسحق بداخلها حرية الفكر وضرورة النقد الذاتى بدعوى حماية الجماعة، أقول من المستحيل على أفراد صيغت طرائق تفكيرهم، وتربت داخل هذا الإطار الذى قد يكون دون المستوى القبلى، أن ينجحوا فى مجرد الحديث عن قيم وأخلاقيات ومتطلبات الأمة، ناهيك بأن يفلحوا فى إدارة دولة والتعامل مع مسؤوليتها، حيث غابت الدولة وقيمتها وسقطت فى تربيتهم وفى أفكارهم وأدبياتهم التى لا تعرف إلا الجماعة التى هى دون القبيلة.
لذلك انطبق عليهم حديث النبى صلى الله عليه وسلم عن «المنبت الذى لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى». المنبت هنا تعنى الرجل الذى أخذ يحمل على بعيره بشدة وبلا كياسة أو رحمة ليسرع الخطى ويحرق المراحل حتى سقط البعير هالكًا، فأصبح المنبت وسط الصحراء منقطعًا مشرفًا على الهلاك هو الآخر، فلا هو قطع المسافة ووصل إلى مبتغاه، ولا هو حافظ على البعير الذى يحمله وأبقاه. لقد فقدوا الحكم غايتهم، وفقدوا تعاطف أهلهم وناسهم، ثم اكتسبوا كراهية مواطنيهم، ثم تصرفوا بعد ذلك بما جعلهم فى صف أعداء أوطانهم، فلا وصلوا إلى غايتهم، ولا حافظوا على ما يحملهم، وهذا هو درس الإسلاميين الحزين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.