ان الاسلام دين يتعامل مع الواقع والمنطق والعقل وهو دين الفطرة أيضا لا ينفك عن الواقع المعيش ولا يتجاهله بل يتعامل معه ولا يلغيه وبالاحرى القفز عنه, دين يتعامل مع الواقع من خلال الانسان الذى هو خليفة الله فى أرضه والمكلف بتسييس الناس والتواصل معهم وعمارة الارض بكل ما فى الكلمة من معنى,من حيث تأسيس النظام الاجتماعى والسياسى والاقتصادى والدينى. هذا الانسان يجب عليه أن يكون شبكات من العلاقات المتعددة والمتنوعة والمتلونة تتنوع بين ,علاقات اجتماعية , وعلمية,واقتصادية,واجتماعية مع الافارد والجماعات والدولة المكزية "الوطن "" وسائر انواع الاطياف المجتمعية. ان الولاء للاسلام لا ينفى أبدا الولاء للقوم والعشيرة والوطن أو الولاء من الناس للرمز الذى يمنحه الناس او الشعب ألوانا من الولاء والانتماء, بل يعضد ذالك ويقويه. ان الشعب يمكن أن يمنح رمزه مقادير ودرجات من الحب والولاء والانتماء ,وهى ممكنة وواقعة بالفعل ولا تتعارض مع الولاء للدين أو الاسلام أو الاهل أو العشيرة وعلى هذه الانتماءات أن تتسق مع الانتماء الاول للاسلام ولرسالة الاسلام , وكل هذه الانتماءات والولاءات يجب أن تنخرط فى المشروع الكبير للمسلم الا وهو مشروع الاسلام الاعظم الذى لا ينبغى أن يتناقض معه اى انتماء اخر, وكل الانتماءات الجزئية انما هى تقوية للانتماء والولاء للدين خدمة له لو علمها العاقلون . حب المواطن لوطنه ليس سبة كما يريد البعض ان يروج له أو ممن لا يدركون كنه العلاقة بين الدين والوطن,بدعوى أنه ينبغى أن يكون ولاء المواطن أو الانسان أولا واخيرا لله جملة وتفصيلا بل يحثنا على حب الاطان وحبها من الايمان ,وهذا ادراك قاصر لمعنى الدين وعلاقته بالدولة والوطن فهما لا ينفصلان عن بعضهما البعض ,وكل منهما يكمل الاخر,فقائد الوطن هو الحامى للدين والوطن والشعب . من أول وهلة يتضح لى أن هذا مناقض تماما للاسلام,بل على العكس من ذالك تماما يجب تعظيم حرمة الاوطان وحفظها .لان البناء الاشمل والاعظم هو الاسلام وهذه اللبنات من الولاءات للوطن والرمز انما تصب فى البناء الاشمل للاسلام وتعضد كيانه وتقويه وتشد من أزره . ان اللغة تعمل فى بنى وطنها مفعول الترابط والتشارك والاندماج وربما الانصهار فى بوتقة الوطن الواحد والامة الواحدة وهذه اللغة الواحدة تجمع بين المواطن وبين بنى قومه أو المواطنين جميعا على الولاء والانتماء للوطن وللتراب . وبالتالى التعاون على خدمة الاسلام والدين والعقيدة والقيم الاسلامية السامية وحفظ حمى الوطن. ان الاسلام هو السياج الذى تنصهر فيه كل الولاءات والانتماءات فى حب الوطن ووحدة الامة وحماية الوطن وحفظ كرامته والذب عنه والتفانى من أجل خدمة أهدافه التى ستصب فى النهاية حتما فى خدمة الشعب والمواطن والوطن . من خلال تصفحنا لتراثنا وموروثنا الاسلامى العظيم المسكوت عنه وتقليب صفحاته الناصعة على وجه العموم وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم خاصة, نجد ما يرسخ لهذه الثقافة الاسلامية الخالصة والناصعة ألا وهى ""حب الوطن" وهى قيم تربوية نبوية شريفة تقصد فى فحواها ومضمونها الى بناء مجتمع متضامن متسامح , يعيش فيه الجميع اخوة متحابين على حب وطنهم مجمعين وعلى حوزته مدافعين. هذه قواعد يبغى أن تتحول الى مناهج للدراسة لتربية الاجيال عليها ,وخير ما نربى عليه الاجيال فى مجتمعاتنا حاليا هذا الموروث الضخم النبوى الشريف اتجاه الاوطان ومن هو أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم وافقهه منا بخصوص التعاطى مع الاوطان ونحن نرفع قول رسول الله فوق كل الاقوال والادعاءات . لقد علمنا خير البرية كمواطن وكرسول معنى حب الوطن,فلقد أحب مكة بالرغم من شرك أهلها وحصارهم واضطهادهم له , وبالرغم من معاناته هو واصحابه ,خاطبها لحظة الفراق بكل عطف ولطف بقوله "" والله لانك أحب بلاد الله الى ,ولولا أن قومك اخرجونى منك ما خرجت "" هذا الحب لمكة موطنه ومسقط رأسه لم ينقطع بعد هجرته الى المدينة بل كان صلى الله عليه وسلم دائما يراوده الحنين الى موطنهحب عميق ومتدفق لا حصر له,ولقد ترجم الرسول هذا الحب وهذا الولاء عمليا حينما كان يعاوده الحنين الى مكة ,كان يدعو الله أن يحبب اليه المدينة يثرب كما حبب اليه مكة موطنه الاصلى . كان يدعو بهذا الدعاء فيقول:"" اللهم حبب الينا المدينة كحبنا لمكة او اشد"" لقد جمع بين حبه لوطنه وحبه الاعلى للاسلام وهو من هو.... كما أن حبه الشديد وولاءه لمكة دعاه الى أن يدعو الله الى ان تتحول القبلة من بيت المقدس الى مكةالمكرمة وفى هذا اشارات ودلالات لاولى الابصار والعقول . المهم ألا يتحول تتعدد الانتماءات الى عصبيةوالدعوة اليها ,فقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن العصبية الجاهلية التى تمزق شمل الامة والجماعة والاوطان فقال : "دعوها فانها منتنة " وقال ايضا :"ليس من من دعا الى عصبية أو قاتل تحت راية عصبية"" لانها ببساطة شديدة تمزق الاوطان والاسر والمجتمع وتعمل عل نشر مرض ثقافة الموت والتفكيك فيه الذى لا يندمل بسرعة وتقويض بنيان الامة والوطن, وربما يأخذ أ الامر ازمانا عديدة وطويلة للالتئام مرة أخرى لاصلاح ما أفسد,ان قدر له ذالك أن يكون,فالهدم سهل والبناء بعيد المنال.والفرقة سهلة والتجمع يصعب لم شمله.ما أحوجنا الى قول الرسول صلى الله عله وسلم الذى فيه الدواء الشافى لكل ما يعترضنا فى حياتتا حاليا وفى أوطاننا انيا ""حب الاوطان من الايمان "" ان الالتفاف حوله قد يعصم الامة من الانزلاقات المتهورة الحاصلة فى هدم وردم الاوطان . ان الاسلام لا يلغى الذاتية الفردية أو الاسرية أو القبلية أو اللغوية او الخصوصية أو العشيرة أو الشعب ,وانما علينا أن نوظف هذه الوحدات فى اطار بناء الدولة الواحدة واثرائها والمجتمع الواحد والوطن الواحد والامة الواحدة للحفاظ على عزها وتراثها, وكل هذا ينبغى أن يصب فى وحدة الامة الواحدة وفى عزتها وكرامتها . هذه دعوة من رسول الاسلام الى أمته,يقصد منها تعليم وتربية ابنائهم وأجيالهم على حب الاسلام وحب الوطن, لانهما لا ينفصلان عن بعضهما البعض. نحن فى أمس الحاجة فى عصرنا هذا الذى تميعت فيه القيم الى ترجمة هذه القيم التربوية القرانية والنبوية واعادتها الى مجتمعنا وتفعيلها فى حياتنا وفى علاقاتنا وفى مدارسنا ومؤسساتنا الاعلامية لمواجهة ومجابهة هذا الكم الهائل من السموات المفتوحة ووسائل التكنلوجيا الجديدة التى أصبحت تخترق المكونات الاجتماعية والثقافية للامة وتغزو بلا استاذان كل بيت منا وتتخطى الاوطان والحدود والسدود. ولا سبيل الى مواجهة القيم الوافدة والمفاهيم المغلوطة سواء من الداخل او من الخارج الا بالتوعية الهادفة والتربية السلمية ورسم خطط المجابهة الفكرية الصحيحة . علينا أن ننهج نهج نبينا لانه عبير القران والنهر الحى فى المجتمع الاسلامى ياخذ فى طريقه كل النهيرات ليعود بعدها الى النبع الالهى والمنهج الربانى الذى يرده كل أحباء الله ,لانه يمتلئ بغيث النعمة الالهية التى يرسلها الله رحمة للعالمين . من هذه الدوحة المحمدية ينبغى على المؤمنين ان يستقوا قيمهموما يساعدهم فى صياغة حياتهم وتأمين حوزة أوطانهم,قد نختلف فى كل شئ وهى سنة الله فى الكون والحياة والوجود ,ولكن ينبغى الا نختلف على حفظ الاوطان ,تبقى الاوطان معززة مكرمة, ويزول الانسان ,وفى هذا عبرة لمن يعتبر. ذالك ما قصدت واردت .
* أستاذ التعليم العالى بالجامعة الحرة الهولندية بامستردام