أسعدتني مقولة أحد المصريين لي بعد أحداث ثورة مصر ¢ الآن فقط أشعر بأني في وطني ¢ , ورغم سعادتي بتلك الكلمات » إلا أنها أثارت في نفسي الكثير من الأسئلة. لماذا لم يشعر المواطنون من قبل بانتمائهم لبلادهم؟ وهل لأن هناك أنظمة عمدت إلي تهميش ذلك الشعور في نفوس مواطنيها نفقد ذلك الشعور؟ أم أنها مشكلة في تربيتنا لأبنائنا منذ الصغر. وعدم غرس ذلك الشعور أو الإحساس بحب الوطن فيهم؟ وهل يتعارض حب الوطن مع انتمائي للإسلام؟ بداية أحب أن أوضح أن الانتماء إنما يجب أن يكون للإسلام أولا وآخرا , وأن دعوات القومية أو الطائفية كلها دعوات متهالكة اثبتت فشلها , فكل بلاد الإسلام وطن لكل المسلمين , وكل المسلمين مواطنون لهم حقهم في بلاد الإسلام أجمع , وهو الانتماء الذي يجب أن يعقد الإنسان عليه ولاءه . لقد كانت ديار الإسلام كتلة واحدة وقطرا ليس فيه حدود ولا حواجز , فجاء الاستعمار وقسم البلاد والأوطان , ولاشك أننا جميعا نتطلع لليوم الذي تتوحد فيه بلاد الإسلام تحت راية واحدة هي راية لا إله إلا الله محمد رسول الله . لكن الإسلام أيضا لم يهمل تلك العاطفة الجياشة التي تتكون في قلب كل إنسان نحو المكان الذي نشأ به وتربي وترعرع فهو يتعامل مع عاطفة الإنسان نحو وطنه باتزان فلا تفريط ولا إفراط فيها. فالإنسان يرتبط عاطفيا بموطنه الذي له فيه الذكريات والأحداث والأشخاص الدين يحبهم ويحبونه وفيه أقرباؤه وأصدقاؤه ومحبوه , ويؤكد علي ذلك الارتباط ويعظمه. حنين الرسول- صلي الله عليه وسلم- لمكة المكرمة عندما خرج منها مكرهًا. فقال بعد أن التفت إليها:" والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلي . ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت وهنا نري إنه لاتعارض بهذا المفهوم السابق مع الانتماء للإسلام وحب الأوطان. طالما لم يتعارض أو يتعاظم حب الوطن عن حب الإسلام أو تقديم محباته علي حب الله ورسوله وكتابه والولاء إلي الإسلام والتضحية من أجل دينه» قال تعالي " قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالى اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةى تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادي فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّي يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ "آية 24? سورة التوبة فالحفاظ علي الوطن وصيانته هو قيمة إسلامية ايضا فأوطاننا قطعة من جسد الإسلام وأهله جزء من أجزائه ومؤسساته جزء لايتجزأ منها » ولله الحمد والمنة فمجتمعاتنا إسلامية ونداء التوحيد يرتفع في كل لحظة , وحب الله ورسوله وقرآنه راسخ في قلوب الناس , لذا حث الإسلام أتباعه علي حب أوطانهم بهذا المعني والاعتزاز بها والدفاع عنها والوقوف في وجه كل المعتدين أو المفسدين لها والوطن مكان نعيش فيه ويعيش فينا. نعيش فيه علي أرضه. ويعيش هو في قلوبنا. فالوطن هو المنزل الذي يمثل موطن الإنسان ومحله. ومكان نشأته وتربيته , وحبه يعني تفضيل مصلحته العامة عن المصالح الشخصية للفرد. والدفاع والذود عنه بالغالي والنفيس. ويبدأ الانتماء لدي الفرد منذ الصغر. فيبدأ بالانتماء للأم ملبية الاحتياجات ورمز الحماية. يتبعه الانتماء للوالد. ثم الأسرة. ومنها للمجتمع الأكبر" الوطن ". وأخيرًا الانتماء الأكبر للدين الذي يشمل كل تلك الأنواع ويحض عليها وينميها. وللأسف تعيش مجتمعاتنا العربية نوع من التغييب المتعمد لمسألة الانتماء بالمعني الذي نتحدث عنه , فهي إما أنها تعرض مفهوم الأوطان جامدا بمعني المكان الذي ينتفع منه الناس ويتكسبون أرزاقهم , أو بمعني إضطراري إرغامي لازم أو غيره , أما عرض مفهوم الانتماء لأبنائنا علي اعتبارها قيمة إنسانية فكرية عاطفية دينية ومبدأ ينتمي لمبدأ الانتماء للإسلام فقليل ماهو . وللحديث بقية في العدد القادم إن شاء الله تعالي